صادفت قبل أيام، وتحديدًا في الخامس والعشرين من أيار الجاري، مرور 20 عامًا على تحرير الجنوب اللبناني من دنس الاحتلال الاسرائيلي، الذي أمتد 18 عامًا حافلات بالصمود والتحدي والمقاومة والشموخ، مخلفًا وراءه مئات العائلات الثكلى، والكثير من الجرحى الذين تركت الحرب ندوبًا في أجسادها محفورة لتذكرهم بالانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة اللبنانية، دون تفاهمات ومفاوضات ومعاهدات مع المحتل.
وهذه الذكرى من المفروض أن تتحول إلى عيد وطني شعبي تشارك فيه كل القوى السياسية الفاعلة في لبنان المتمثلة في السلطة وخارجها، ولكن كما في كل عام تتحول لمناسبة تخص تنظيمًا وفصيلًا سياسيًا وتحالفًا سياسيًا معينًا ومنطقة معينة وطائفة سياسية بعينها، ولولًا احتفالات حزب اللـه وبعض القوى والأوساط السياسية الحليفة ووسائل الاعلامية المقربة منه، لما تذكرنا أن الخامس والعشرين من أيار هو يوم التحرير اللبناني، وذكرى أعظم وأكبر انتصار منذ تأسيس الدولة اللبنانية.
لقد اضطرت قوى الغزو الاسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان تحت وطأة العمليات النوعية للمقاومة اللبنانية الناجحة والموجعة، وتمكنها من إنهاك المحتلين وخلق توازنات ردع وهو ما مهد للنصر التاريخي للمقاومة اللبنانية، وتحطم أسطورة التفوق العسكري الاسرائيلي.
وبعد عشرين عامًا من دحر الاحتلال وانصرافه من الجنوب وتكبده الخسائر الجسيمة في الأرواح والعتاد العسكري، إلا أن حكام اسرائيل لم يتعلموا الدرس ولم يستخلصوا العبر، وهم اليوم يحاولون خلق وفرض شكل جديد من أشكال الاحتلال والاستعمار الجديد، وذلك بضم مناطق فلسطينية واسعة في الضفة الغربية المحتلة. لكن الأسوأ أن أصوات المعارضة اليسارية التي كان قد دوّى صوتها وارتفع طوال الحرب على لبنان خفت وتضاءلت ولم يتبق سوى أصوات قليلة جدًا.
ومن نافلة القول، أن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان جاء متأخرًا كثيرًا ومنقوصًا، حيث بقيت مزارع شبعا اللبنانية تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي. ويجب التأكيد هنا بأنه لا يمكن حل أي مشكلة من خلال العمل العسكري، فالعمليات العسكرية لم تجلب ولم تحقق سوى المعاناة والويلات للشعب الواقع تحت نير الاحتلال، وبالضرر على المحتل نفسه، وحين اجتاحت اسرائيل لبنان العام 1982 اطلقوا على هذه الحملة العسكرية " سلام الجليل "، ولكن لم يكن لا حملة سلام، ولا يمت للسلام بصلة، بل كانت حربًا مدروسة للقضاء على الحركة الوطنية والمقاومة اللبنانية، وخلال هذه الحرب نفذت مجزرة صبرا وشاتيلا، وسببت هذه الحب معاناة للشعب اللبناني ولأبناء المخيمات الفلسطينية، وكان لها نتائج سلبية ومدمرة على اسرائيل نفسها، من حيث اعداد الجرحى والموتى والثمن الاقتصادي والأخلاقي الباهظ.
إن حكومات اسرائيل المتعاقبة تثبت بممارساتها ونهجها العسكري أنها عدوانية متغطرسة، وتتصرف كقوة كوليونالية، والسياسية التي تتبعها لن تقود ولن تحقق السلام، ولن تجلب لشعبها ولا لشعوب المنطقة الأمن ولا الأمان. فالبديل هو الحل السياسي، بإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحق الفلسطيني المشروع في الحرية والاستقلال.
بقلم : شاكر فريد حسن
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت