من الأمور الحساسة والقضايا الشائكة التي نضع بداخلنا عشرات الأجهزة الرقابية الذاتية الصارمة قبل الحديث عنها والخوض فيها لأسباب كثيرة منها الخوف من النقمة والعقاب وعدم الرغبة في الخوض بمسالك ومواضيع لا يحمد الحديث عنها وفيها هي قضية علاقة أجهزة الأمن والشرطة بالمواطنين في مجتمعاتهم! بدايةً أنا أعتقد يقيناً أن أجهزة الأمن والشرطة من أهم الأجهزة التي تؤثر بصورة مباشرة في حياتنا فبدون حياة يعم فيها الأمن والأمان لن نستطيع أن نعيش بصورة طبيعية وستتحول حياتنا إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف! ويعم فيها الظلم والفساد والجريمة والفسوق والانحلال!! ووجود جهاز شرطي وأمني قوي يعتبر أساساً رئيسياً من دعائم استقرار المجتمع وازدهاره!! لذلك أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي تلك التي تسعى دائما وأبداً لصون حقوق الإنسان! وتعمل بموجب القاعدة القانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته! إدانته بالأدلة القطعية والبراهين الثابتة لا بالتلفيق والإكراه والتعذيب!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي تلك التي تسعى لتطوير كوادرها خصوصاً العاملين في أقسام التحقيق والبحث والتحري علمياً وسلوكياً وذهنياً ونفسياً ومتابعة تصرفاتهم وتقييم عملهم أولاً بأول!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي تلك التي تسعى دائماً لتقييم وتقويم أداء رجالاتها وأفرادها وتعتمد المحاسبة الدائمة كمنهج ثابت داخلها!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تتخذ الإجراءات الصارمة بحق المتجاوزين من أفرادها ولا تتستر عليهم بأي حال من الأحوال!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تعتمد على نهج جمع واثبات الأدلة على المشتبه بهم بدلاً من الاشتباه والاتهام العشوائي وبعد ذلك إثبات هذه التهم بالتعذيب الجسدي الخطير المنافي لكافة الأعراف والقوانين والمبررات!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تقوم بإجراء فحوصات دورية طبية نفسية وعصبية على أفرادها سواء قبل التحاقهم بالعمل أو أثناء عملهم للتأكد من سلامتهم النفسية والعصبية فكم قرأنا وسمعنا وشاهدنا منذ عشرات السنين قصصاً وروايات حول كوارث ومصائب تسبب بها رجال أمن وشرطة ساديون مصابون بلوثات نفسية وعصبية وهاهي واقعة الشرطي الأميركي بالأمس التي شاهدها مئات الملايين وهو يقوم لمدة ٨ دقائق بخنق رجل أسود (جورج فلويد) حتى فارق الحياة!! لن يستطيع أحد أن يقنعني أن هذا الشرطي سوي عقلياً أو نفسياً أو عصبياً !! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي تلك التي لا يتستر قادتها نهائياً عن أي متجاوز من رجال الأمن والشرطة ويقدمونه للمحاكمة إذا أقدم على تعذيب المشتبه بهم وإيذائهم!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تتعامل مع مؤسسات المجتمع المحلي وفي مقدمتها مؤسسات حقوق الإنسان بكل مكاشفة وشفافية فالذي يعمل بشكل صحيح لا يخشى من فتح أبواب مقاره أمام هذه المؤسسات لتتأكد أن جميع أعمالها تسير وفق القانون!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تقوم بتطهير نفسها من كل المخالفين والمعربدين وأصحاب الهيات والليات إن وجدوا أولاً بأول!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تفصل بين مكانة العاملين فيها في الحزب الحاكم وبين وضعهم الوظيفي وعدم الخلط بين الوضعين نهائياً !! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي تلك التي تحرص أشد الحرص على أن يكون الذين يمارسون عملهم في أقسام التحقيق مؤهلون فعلاً للعمل كمحققين متمرسين علمياً وفنياً خصوصاً أن هذا العمل بالتحديد يحتاج إلى عقليات فذة وليس إلى عضلات مفتولة؟!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تحرص على عدم إقدام أي من رجالاتها وأفرادها على ممارسة التعذيب البدني ضد المشتبه بهم، وفي أحوال تصل إلى إزهاق أرواح بعضهم لانتزاع الاعترافات منهم انتزاعاً وبالإكراه؟! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي لا يعتمد رجال التحقيق فيها على أدلة واهية مفبركة لاعتقال المشتبه بهم والباقي يتأتى بالتحقيق العنيف القائم على التعذيب البدني؟! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تميط اللثام عن الجرائم بالأدلة القانونية الدامغة ولا تلقي القبض على المشتبه بهم إلا بعد أن تحوز على كل دلائل الإدانة ضدهم ولا يبقى سوى الاستجواب العادي واستكمال الإجراءات القانونية وعرضهم على النيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم ومن ثم عرضهم على القضاء والمحاكمة العادلة!!
أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي لا يتعرض المشتبه بهم عندها للتعذيب والإهانة والتنكيل أثناء استجوابهم والتحقيق معهم؟! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تعترف بأخطائها ولا تأخذها العزة بالإثم فتعالج الأخطاء بالأخطاء!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تعلي شعار(الشرطة في خدمة الشعب) وليس شعار(الشعب تحت بساطير رجال الشرطة) وتعمل على تجسيد الشعار الأول على أرض الواقع بكل السبل والوسائل القانونية!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي لا يوجد لديها في أقسام التحقيق والاستجواب معدات التعذيب: الشبح والصواعق الكهربائية والكرابيج والفلكات والعصي وجلود مراوح السيارات والأكياس القذرة والزنازين الحديدية الضيقة وخراطيم الجولاني البلاستيكية وبراميل المياه، وأي وسيلة أخرى من وسائل التعذيب التي نسمع عنها كأفلام الرعب لانتزاع الاعترافات بالإكراه!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تمتلك كادراً بشرياً مؤدباً متواضعاً يضع مخافة الله نصب عينيه ولا يتجنى ولا يفتري على خلق الله دون وجه حق، فلا يفترون ولا يظلمون ولا يهينون ولا يذلون أبناء شعبهم بأي حال!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تنعدم فيها المحاباة لمواطن قوي أو غني أو متنفذ على حساب الضعفاء أو الغلابة أو المسحوقين من البشر ولا تعمل بقاعدة إذا سرق القوي تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد!! أنا أعتقد أن أجهزة الأمن الجديرة بالاحترام والتقدير هي التي تقوم نفسها بنفسها وتعالج أخطاءها بكل شفافية وعمق ولا تكابر ولا تدعي ولا تزعم وتعمل جاهدة على تحقيق أهدافها بالوسائل القانونية المشروعة لا بالوسائل المتاحة!!
أنا أعتقد جازماً أنه ما من أحد يستطيع أن ينكر دور أجهزة الأمن والشرطة في ترسيخ حكم القانون وفرض هيبة الدولة وبسط الأمن وتوفير الأمان للمواطنين ومكافحة الجريمة وملاحقة المجرمين!! ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الجهود الكبيرة التي تبذلها أجهزة الأمن والشرطة في شتى المجالات حتى ينعم المواطنون بحياة آمنة ويعيشون آمنين مطمئنين في وطنهم!! ولا أحد يستطيع أن ينكر دور أجهزة الأمن والشرطة في بسط سيادة القانون وتنفيذه على الجميع!! ولا أحد يستطيع أن ينكر أن أجهزة الأمن والشرطة حققت إنجازات ضخمة مقارنة بإمكانياتها المتاحة وظروف عملها الصعبة!! ولا أحد يستطيع أن ينكر أن رجال الأمن والشرطة يضعون أرواحهم على أكفهم في سبيل حماية أمن الوطن وأمان المواطنين!! ولا أحد يستطيع أن ينكر أن التعامل مع المشتبه بهم من القتلة والمغتصبين وتجار المخدرات والمتخابرين والمجرمين الآخرين ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق وتحتاج لجهود جبارة وطاقات كبيرة للغاية!! ختاماً كم أتمنى أن يعم الأمن والأمان في وطننا بفضل أجهزة أمنية وشرطية وطنية بامتياز ليس لها هم ولا هدف سوى المحافظة على أمن الوطن والمواطن بالأساليب والوسائل والطرق القانونية بعيداً عن جميع أشكال التجبر والتكبر والتجاوزات.
بقلم/ د. ناصر الصوير الكاتب والمحلل السياسي والناشط المجتمعي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت