قالت واشنطن يوم الجمعة إنها سوف تنهي علاقات الولايات المتحدة مع منظمة الصحة العالمية، المنصة المهمة التي تقود الآن المجتمع العالمي في أزمة غير مسبوقة للصحة العامة العالمية ، وذلك في أحدث خطوة أحادية من جانبها تتسم بعدم المسؤولية والغطرسة.
جاء هذا الإعلان بعد مرور أيام على تهديد البيت الأبيض في خطاب أرسل للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية ، بجعل التجميد المؤقت لتمويل المنظمة تجميدا "دائما"، وإعادة النظر في عضويتها في المنظمة.
ولم يكن مفاجئا أن بعض صناع القرار الأمريكيين إختاروا التمادي في تقويض المنظمة العالمية لتفادي اللوم على فشلهم في التعامل مع مرض فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19" في الداخل. ومع استمرار تفشي المرض الذي قتل أكثر من 360 ألف شخص في العالم، فإن القرار الذي يخدم مصالح شخصية يدمر، من غير شك، الجهود العالمية للقضاء على المرض ومن المقدر له أن يرتد على اصحابه. علاوة على ذلك، فقد وضعت هذه الخطوة واشنطن في الاتجاه المعاكس للمصالح المشتركة للجنس البشري.
وعلى الرغم من حملة التضليل المستمرة التي تشنها واشنطن، فقد تم الإعتراف على نطاق واسع بأن منظمة الصحة العالمية تتصرف سريعا وبحزم كفاعل قيادي، منذ التفشي المفاجئ للمرض هذا العام، وقد حققت إنجازات ملحوظة في تنسيق هذه الحرب العالمية عالية المخاطر.
وبالتنسيق الوثيق بين أعضاء المنظمة، يتم متابعة الوضع عن كثب، وتقديم معلومات وتوجيهات ضرورية في الوقت المناسب، وحشد المساعي العالمية في احتواء الفيروس والبحث العلمي.
وفي نهاية أبريل، أطلقت المنظمة وشركاء آخرون في القطاع الخاص ومجموعات صحية عالمية، مبادرة لتعزيز الأعمال المشتركة لتسريع تطوير أدوات تكنولوجية لاكتشاف علاجات للمرض. وحثت أيضا على ضمان المساواة في الحصول على العلاجات للجميع ، بغض النظر عن السن والعرق والنوع والثروة.
وبالنسبة لدول عديدة، خاصة الدول التي تأثرت بالمرض، فإنه لاغنى عن منظمة الصحة العالمية عندما يتعلق الأمر بالحصول على بيانات ومعلومات مهمة، من بينها تطوير العلاجات واللقاحات ، علاوة على المعدات والخدمات الخاصة بحماية الأرواح.
ويفترض أن تكون الولايات المتحدة قوة محركة للمساعدة في هزيمة مسببات المرض، حيث إنها هي القوة العظمى الوحيدة في العالم والمسلحة بأكثر التكنولوجيات الطبية تقدما ولديها النظام الطبي الأكثر تقدما وعدد كبير من العاملين أصحاب الخبرة في مجال الصحة.
ولكن في الوقت الذي تحتاج المنظمة فيه للمزيد من الدعم للقيام بعملها، تحاول الولايات المتحدة التملص من التزاماتها الدولية والابتعاد في وسط هذه اللحظة التي تمثل تحديا غير مسبوق.
لقد وعد البيت الأبيض منذ تولي الرئيس الأمريكي مهامه بجعل "أمريكا عظيمة مرة أخرى" ب"وضع أمريكا أولا" بكل طريقة ممكنة، حتى إذا تم هذا على حساب المصالح المشتركة للمجتمع الدولي. ونتيجة لهذا، فإنها تتحول على نحو متزايد لتصبح معادية للتعددية والتعاون العالمي.
خلال السنوات القليلة الماضية، انسحبت الإدارة الحالية من اتفاقية باريس للتغير المناخي لعام 2015 وهجرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الـيونسكو) وغادرت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وخرجت من الاتفاق النووي الإيراني.
وفي خطاب 18 مايو الملئ بالأخطاء المتعلقة بالوقائع والتحيز الشخصي، قال البيت الأبيض إنه لن يواصل تمويل منظمة "لا تخدم مصالح الولايات المتحدة".
ولكن، في هذه الحرب العالمية على العدو المشترك للبشرية، فإن جميع المصالح متداخلة ولا يمكن لأحد أن ينجو من هذه المحنة من دون الاعتناء بالآخرين. وإذا كان صناع القرار الأمريكيون يريدون حقا حماية المصالح الأمريكية، فإنهم يحتاجون إلى تحويل التركيز من اعتبار منظمة الصحة العالمية كبش فداء، إلى العمل مع باقي العالم من أجل إنهاء تفشي المرض وإنقاذ العديد من الأرواح قدر المستطاع.
لكن أخذا في الاعتبار ممارسة البيت الأبيض المستمرة في السعي وراء مصالح شخصية خالصة على حساب الجميع خلال السنوات القليلة الماضية، فإن السيناريو الأكثر عملية الذي تستطيع دول العالم أن تتمناه الآن هو أن تتوقف واشنطن عن جعل الأمر أكثر سوءا. ولكن حتى هذا الأمل ييدو ضئيلا . أو ربما يتعين على المجتمع العالمي أن يبدأ في التعود على عالم لايعتمد فيه على الولايات المتحدة.