أجمع محللون سياسيون على أنّ قرار السلطة الفلسطينية، القاضي بالتحلل تدريجياً من الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، سيكون له بعض الآثار الجانبية على الفلسطينيين، لكن مكاسبه ستكون أكبر على الصعيدين المحلي والدولي.
وفي أحاديثٍ منفصلة لوكالة "الأناضول" التركية، عدّد المحللون 5 مكاسب رئيسية في حال تنفيذ قرار الانسحاب من تلك الاتفاقيات.
وأولها "تمهيد الطريق لتحقيق المصالحة الفلسطينية"، وثانيها "اتخاذ موقف وطني وأخلاقي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية"، وثالثها "وضع إسرائيل والولايات المتحدة في موقف محرج أمام المجتمع الدولي".
والمكسب الرابع والأهم، هو "نزع الاعتراف الفلسطيني بشرعية إسرائيل التي منحتها إياها منظمة التحرير"، والخامس أن الخطوة تعني "إعادة صياغة للعلاقة مع إسرائيل على أساس العداء لا التعايش، وهو ما يوجه ضربة للمشروع الإسرائيلي خاصة مع وقف التنسيق الأمني الذي يشكل حجر العقبة الأساسي أمام مقاومة الشعب الفلسطيني".
وتوقع الخبراء، أنّ يكون قرار الضم الإسرائيلي المنوي تنفيذه بداية يوليو/ تمّوز المقبل، هو الشعرة التي تقسم ظهر العلاقة بين الطرفين، لتتضح معالم مستقبل ممتلئ بالأحداث والتغيرات على الأرض.
والأربعاء، شددت منظمة التحرير الفلسطينية، على أنها "تؤكد التوجه الذي أعلن عنه الرئيس محمود عباس، خلال الاجتماع المنعقد في 19 مايو/ أيار، بأن المنظمة في حِل من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل"، وذلك ردا على قرار الضم الإسرائيلي.
** قرار الضم "يُنفذ"
المحلل السياسي هاني العقاد، يرى أن الفلسطينيين باتوا اليوم في حالة تحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل، وذلك لأنّ إعلان الرئيس أبو مازن وخطواته العملية في هذه المرّة اختلفت عن كلّ المرات السابقة، التي قال فيها إنّه يعزم إنهاء التعامل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
ويلفت إلى أنّ إسرائيل هي البادئة في التحلل من الاتفاقيات، وهذا يظهر "إذا ما تمّ النظر قليلاً لإجراءاتها على الأرض ولخططها الاستيطانية والتهويدية وكذلك لصفقة القرن التي شاركت مع الإدارة الأمريكية في صناعتها".
وبحسب العقاد، فإنّ القيادة الفلسطينية بكّرت في الإعلان عن التحلل من الاتفاقيات ولم تنتظر تنفيذ قرار الضم، كونها تعلم جيداً أنّ خطوات الضم، تسير بشكلٍ ناعم، تحت الغطاء الأمريكي، وتحديد الموعد، ما هو إلّا إجراء شكلي من إسرائيل.
** مكاسب بالساحة الدولية
وعن المكتسبات التي يمكن أن يحققها الفلسطينيون بهكذا خطوة، ينوّه العقاد إلى أنّ "المكتسب الأول هو الموقف الوطني والأخلاقي، الذي سجلته القيادة الفلسطينية تجاه الإجراءات الإسرائيلية في وجه القرارات الأمريكية وصفقة القرن، القاضمة، للحقوق الإنسانية، التي لا يمكن لعاقل لديه ضمير أن يقبل بها".
ويردف: "ترك منظمة التحرير للاتفاقيات مع إسرائيل، ممكن أن يمهد الطريق جدياً للوحدة الوطنية الفلسطينية، التي لطالما وقفت طبيعة العلاقة مع الاحتلال عائقاً في وجه إتمامها، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على طبيعة المواجهة في المرحلة القادم، وسيزيد من قوة الفلسطينيين على الأرض وفي المحافل الدولية".
ومن المتوقع وفق حديث العقاد، أنّ تقع إسرائيل في متاهة أمنية، ستؤثر على طبيعة استقرارها، إذا ما بقيت السلطة متمسكة بقرار التحلل التدريجي، كما أنّها ستحتاج لجهود عسكرية واستخباراتية أكبر للسيطرة على الوضع، عدا عن المواجهة المفتوحة المسلحة والشعبية التي ستواجهها بمناطق التواجد الفلسطيني.
** إحراج للولايات المتحدة وإسرائيل
ويتفق المحلل السياسي ناصر اليافاوي، مع سابقه، في التأكيد على أنّ الخطوات العملية التي بدأتها السلطة في اتجاه التحلل من الاتفاقيات، هي الأولى من نوعها، وتشير لنمو الوعي الفلسطيني تجاه القضايا والحقوق المشروعة وقضايا الضم والاستيطان، المكفولة دولياً.
وينبّه إلى أنّ السلطة صارت تدرك جيداً، أنّ إسرائيل ومن خلال وسائل مختلفة باتت تعمل على تقويضها، والحد من عملها وأفشلت كل مخططاتها في الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وهذا بحد ذاته خسارة كبيرة للأولى ستدفعها للتخلي عن كل شيء، كما يوضح.
ويقول اليافاوي: "السلطة الآن ليس لديها ما تخسره، وكسب موقف وطني مرحلي يُرضى الشارع هو أفضل صفقة رابحة لها حالياً، لاسيما وأنّ الموقف الدولي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظلّ جائحة كورونا التي قلبت كلّ الموازين، وبدّلت الأولويات".
ويشرح أنّ الارتباط القوي بين إسرائيل ومناطق الضفة الغربية في نواحي حياتية واقتصادية قد يُصعب عملية التحلل ويجعلها مرفوضة من قِبل بعض أصحاب المصالح، كونها ستتسبب بخسائر كبيرة مادية.
وتبعاً لكلامه الوارد في حديثه للأناضول، فالدول العربية والإقليمية، ممكن أن تقلب المعادلة في وقتٍ ما، إذا ما أعلنت أنّها يمكن أن تتحمل الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الخطوات الفلسطينية، وتدعمها باتجاه الصمود على الأرض، لمنع خطوات الضم والتهويد.
ويزيد اليافاوي: "إذا ما تمّت خطوات التحلل ووصلت، لفك الارتباط مع إسرائيل كاملاً، فالأخيرة وإلى جانبها الولايات المتحدة، ستكون في موضع الخاسر بكلّ تأكيد، على الصعيد الأمني، وعلى مستوى الصورة الذهنية الدولية، التي لم تعدّ تقبل مزيداً من الانتهاكات والتغول من قِبل إدارة ترامب".
** خسائر للفلسطينيين
ويرى الباحث السياسي عزيز المصري، أنّ تلويح السلطة أو بدءها فعلياً في تنفيذ فكرة "الحل" من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، سيقود إذا ما كان جاداً لحل اتفاقية أوسلو كاملةً، ويهدف بشكل أساسي، للفت انتباه العالم الغربي للواقع على الأرض، الذي بات يُصب بكلّ تفاصيله السلبية على كاهل الفلسطينيين.
وينبه إلى أنّ "حل الاتفاقيات" له أثمان باهظة على أصعدة مختلفة، والمفترض في القيادة الفلسطينية، أنّ تفكر في البديل قبل أنّ تُقدم على أيّ خطوات من هذا القبيل، فمدى نجاح تأثير الخطوة، يعتمد على البديل المقابل لها والذي غالب ما تكون الأنظار موجهة صوبه.
ومن وجهة نظر المصري، فقد تكون منظمة التحرير، التي عاشت على مدار السنوات الماضية، حالة تهميش وتجنيب واضحة، البديل المناسب إذا ما وصلنا لفكرة حل السلطة كاملةً، وذلك كونها تحظى باعتراف دولي وشبه إجماع داخلي قديم، كما أنّها قادرة على تجميع الكل الفلسطيني إذا ما توافرت الإرادة.
** خطوات للمناورة
من جانبه، يقول الباحث السياسي محمد العيلة: "لا يوجد ما يُلزم الشعب الفلسطيني بالاتفاقيات مع العدو الاسرائيلي في حال رفضناها وقرر الشعب بجميع أطيافه خيار المواجهة، وهذا الأمر ممكن رغم وجود آثار سلبية في الجانب المعيشي خصوصًا على المواطنين في الضفة الغربية".
ويعتبر العيلة، أنّ التحلل من الاتفاقيات في مجمله لصالح القضية الفلسطينية، حيث يتمثل الإنجاز الرئيسي في نزع الاعتراف الفلسطيني بشرعية إسرائيل التي منحتها إياها منظمة التحرير الفلسطينية على غير رغبة من الشعب.
ويشير إلى أنّ خطوة التحلل فيها إعادة صياغة للعلاقة مع إسرائيل، على أساس العداء لا التعايش والتعاون، وتحمل بالمجمل انتهاء الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية.
ويلفت أنّه إذا ما تم تحقيق ذلك، فإنّ المشروع الإسرائيلي سيتلقى ضربة قوية، وسيلحق به ضررًا بالغًا خصوصًا مع وقف التنسيق الأمني الذي يشكل حجر العقبة الأساسي أمام مقاومة الشعب الفلسطيني، "وأمام تحويل الاحتلال إلى احتلال مكلف، ولتصبح بيئته طاردة للمستوطنين سواء في الضفة الغربية أو الداخل المحتل".
ويتابع: "بلا أدنى شك فإن تطبيق ما قاله رئيس السلطة، يشكل أداة ضغط كبرى على الاحتلال والإدارة الأمريكية، لكنني أشك في وجود إرادة لديه (عباس) لإلغاء جميع الاتفاقيات مع العدو الاسرائيلي، لأنّ وعوده منذ أكثر من خمس سنوات لم تلامس أرض الواقع".
وأضاف "لهذا لا أرى أننا نتجه نحو التطبيق الكامل أو حتى الجزئي للتصريحات، فهي بالنسبة لي مجرد مناورة تمتص الغضب الشعبي، وتدق ناقوس الخطر للأطراف الدولية الراعية لحل الدولتين لأجل اتخاذ خطوات لإحباط مخططات الضم، وإيجاد آلية جديدة للتفاوض بين السلطة والاحتلال".