الأبواب الخلفية

  • معتصم حمادة

أغلقت السلطة باب «التحلل» وأبقت على أبواب أوسلو الخلفية، مشرعة على مصراعيها

■ بدأت الدوائر المقربة من السلطة الفلسطينية، تسرب إلى وسائل الإعلام، بعض ما توصلت له الوزارات الفلسطينية من إجراءات، أو خطط، لتطبيق قرار «التحلل» من الإتفاقيات والتفاهمات والإلتزامات، مع حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة.

لعل الجانب الأمني، الذي قيل عنه في مناسبات سابقة، أنه يحتاج إلى خطط من أجل وقف العمل به في إطار التنسيق مع الإحتلال، بدا هذه المرة هو أكثر الأمور والملفات سهولة، مقارنة مع غيره من الملفات. إذ وكما سربت بعض الدوائر الإعلامية، فقد أعطيت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أمراً بوقف كل الإتصالات مع سلطات الإحتلال، مع الحرص على مواصلة إجراءات ضبط الأمن، كما كان عليه سابقاً، لكن دون التعاون أو التشاور مع الجانب الإسرائيلي أو دون وضعه في صورة هذه الإجراءات. مع التشديد في الوقت نفسه على تجنب الإحتكاك مع دوريات الإحتلال، حتى لا تتوفر لها فرصة الإنتقام من الأجهزة الأمنية، والتعدي على أفرادها أو مقراتها. وبما يضمن إستمرار الهدوء والإستقرار في المناطق المحتلة.

ويبدو أن الأمور تسير تحت سقف هذه الإجراءات دون تعقيدات.

فدوريات الإحتلال مازال تجتاح المنطقة (أ) وتغير على الأحياء تغتال وتعتقل المواطنين الفلسطينيين دون أي إحتجاج من السلطة الفلسطينية رغم القول إن السلطة بدأت تنتقل إلى مرحلة الدولة.

ودوريات السلطة هي أيضاً، ما زالت تمارس الإعتقالات السياسية لأكاديميين وطلبة جامعات وغيرهم في إطار التزاماتها (التي قالت إنها تحللت منها) في مقاومة الإرهاب.

وإذا كانت السلطة الفلسطينية قد رسمت حدود إجراءاتها الأمنية على قاعدة «آمنة»، حتى الآن، فإن الإجراءات الإقتصادية تبدو لوزارات السلطة أكثر تعقيداً.

فالإستيراد والتصدير، وفي ظل قيود أوسلو وبروتوكول باريس، يحتاج إلى المرور عبر البوابة الإسرائيلية. ما يكشف، إلى أي حد، حولت الإتفاقات الأمن الغذائي الفلسطيني إلى رهينة بيد سلطات الإحتلال، مقابل مكافآت بيروقراطية ذات طابع فئوي.

وأموال المقاصة بيد سلطات الإحتلال. حتى أن دولة الإحتلال تحولت هي الأخرى إلى دولة دائنة، تقدم للسلطة قروضاً سخية، حتى لا تنكشف سياسياً في مكافحة جائجة كورونا، في الوقت الذي تفتقر فيه السلطة إلى ما يسمى بـ «شبكة أمان مالي عربية»، قررتها القمم العربية لكن الإلتزام بما تقرر أصبح سلاحاً  بيد بعض العواصم  العربية للضغط على السلطة في زمن «صفقة القرن» بدلاً من أن يكون سلاحاً بيد الشعب الفلسطيني يعزز صموده في وجه الإحتلال.

وهناك قضايا الماء والكهرباء، وحواجز الطرق، وتنسيقات السفر، والتنقل بين الضفة والخارج، وحتى داخل الضفة نفسها، وهي كلها باتت ماثلة أمام السلطة الفلسطينية قضايا معقدة، لم تتوفر لها حلول واضحة المعالم، وما زالت، كما يتم الإعلان عن ذلك، محور دراسة، إن في اللجنة التنفيذية واللجان المنبثقة عنها، كما أوضح في أكثر من تصريح له صائب عريقات، أو في اللجنة المركزية لحركة فتح، كما صرح محمود العالول، أو على صعيد مجلس الوزراء كما أفاد رئيس الحكومة محمد اشتيه، ما يدعو للسؤال: أين هي دراسات اللجان التي أعدت منذ أن بات واضحاً أن الحالة الوطنية مقبلة على صدام حتمي مع مشروع الضم وتطبيقاته؟

 

*     *    *

بالمقابل من القضايا التي لفتت نظرنا، كما لفتت نظر المراقبين، تلك التصريحات المتكررة، محذرة من خطر الوقوع في الفوضى، مشددة على ضرورة التحوط منذ الآن لأي احتمالات مشابهة إذا ما تقدمت السلطة أكثر في خطواتها، وإذا ما أقدمت سلطات الاحتلال على ردود فعل قد تمس دور السلطة، خاصة دورها الأمني. بل  إن بعض التصريحات حمل تهديداً لمن تسول له نفسه أن يستغل الأوضاع في الضفة، لتحقيق أهدافه الخاصة.

ومن الطبيعي، لمن يقرأ، ويحلل أن يستخلص أنه لولا إحساس أصحاب هذه التصريحات، والتهديدات، أن في الجو شيئاً غير حميد، لما صدرت هذه الأصوات.

ما يقلق هو أن تكون هذه الأصوات تفتقر إلى الثقة بالحالة الجماهيرية، وبمدى استعدادها للالتفاف حول السلطة في معركتها لـ «التحلل» من الالتزامات. خاصة وأن السلطة ستكون أمام امتحانات قاسية، في وقت يبدو أنها لم تتحوط، خلال سنيتن ونصف من إطلاق صفقة ترامب، لمثل هذه المجابهة القادمة عليها بالضرورة.

من الطبيعي أن تتخوف السلطة من ردود فعل الموظفين إن هي عجزت عن تسديد رواتبهم بانتظام. ومن ردود فعل المواطنين إن هي عجزت عن توفير ضرورات الأمن الغذائي لهم في معركة تبدو طويلة. وعلى هذا المنوال  يمكن أن نعالج باقي القضايا.

في اعتقادنا أن الخطيئة التي ارتكبتها السلطة، ومازالت مقيدة إليها، إنها رسمت لنفسها سقفاً في مواجهة الاحتلال، لا ترغب في أن تذهب فيه طويلاً، ولا ترغب في أن ترفعه إلى الحد الذي ينسف لها جسور العودة إلى «الملاذ الآمن» تحت سقف أوسلو، الذي مازال ساري المفعول ولم يتم إلغاؤه، بل تم «التحلل» من بعض التزاماته، ويمكن لهذا «التحلل» أن يكون لمرحلة معينة، إذا ما توفرت شروط العودة عنه، كما قال وزير خارجية السلطة (2/6/2020).

وفي هذا السياق، تريد السلطة للحركة الجماهيرية أن تلتزم السقف السياسي الذي رسمته للسلطة لنفسها، وأن تقيد الحركة الجماهيرية بالحدود التي تتجاوز حدود مواقف السلطة، لذلك لا غرابة أن الحديث مازال يؤكد على الالتزام بمكافحة الإرهاب، ومازال الحديث على «المقاومة الشعبية السلمية غير العنيفة وغير المسلحة». وهذا معناه أن مساحة كبرى مازالت تفصل بين الحالة الشعبية وبين السلطة، وأن الثقة لم تلتئم جروحها بعد. والكرة في ملعب السلطة، مرة أخرى.

كذلك علينا أن نلاحظ أن السلطة تريد أن تكون معركتها فوقية لا تكاشف ولا تصارح الشارع بعناصرها ولا تعبئ الشارع ليكون السلاح الأقوى في مواجهة الإحتلال. علماً أن معركة مواجهة الضم هي في الأساس معركة المقاومة الشعبية الشاملة، وليست فقط مجرد إجراءات إدارية بحتة تتخذها هذه الإدارة أو تلك.

*    *    *

ولهذا نختم فنقول إجراءات السلطة في «التحلل»، مازالت تتمحور حول قضايا الأمن والاقتصاد والشؤون الإدارية، ضمن حدود الحد الأدنى وليس حدود «نقطة اللا عودة».

أهم ما في هذا أن السلطة لم تستجب (ولم تعلق)اعترافها بدولة الاحتلال أي أن الأساس السياسي للعلاقة مع

دولة الاحتلال مازال على ما هو عليه، وأن كل هذه الاجراءات لم  تغادر هذا الأساس.

وهذا يعني أن السلطة أغلقت باباً في وجه الاحتلال، ومشاريع أوسلو المتناسلة، بمسمياتها المختلفة.

لكن أبوابها الخلفية، مازالت مشرعة  على مصراعيها■

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت