- د. طلال الشريف
أمس الأول كان نبيل عمرو القيادي الفتحاوي والسفير والوزير السابق ضيف برنامج "المشهد" لجزيل خوري على فضائيةBBC .
بدأ اللقاء بإستعراض ذكريات النكبة، ومشاهد من ذكريات خاصة بعائلة "عمرو" وكيف إستقبلت هذه العائلة في مسقط رأسها في دورا الخليل اللاجئين من أصحاب الأراضي المجاورة عند اللجوء عام 1948، وكيف تقاسموا الأرض معهم وأصبحوا شركاء الزاد والسكن والمصير ، وامتدت تلك العلاقات الوطنية والإنسانية الحميمة وترابطت بينهم إلى اليوم، كما عبر نبيل عمرو بوصف دقيق عن قراءته لمشهد وجوه المواطنين الفلسطينيين في الأيام الثلاثة الأولى لحرب 1967، حرب الأيام الستة، حين وصف نتائجها على وجوه الناس وصفاً معبراً ،فقال في اليوم الأول كان مشهد مجرد بدء الحرب في اليوم الأول يحمل فرح النصر. على وجوه الناس، وفي اليوم الثاني تحولت الوجوه لمشهد وجوم الشك، وفي اليوم الثالث كانت وجوه الناس حزينة ومكفهرة، بعد أن تأكدت الهزيمة، ومن حينها، تعلم نبيل كما قال، مبدأ عدم المبالغة في أي شيء والحذر الشديد مما يسمع أو يرى، وأصبحت له ذاكرة بأن الحدث أو العمل المؤثر لا يزول منها.
وفي إجابته عن سؤال، هل كانت معركة بيروت هي الأصعب؟ حين كنت ترافق ياسر عرفات، قال نبيل عمرو، نعم، كانت الأسوأ، وأنت تتنقل مع ياسر عرفات من مبنى لمبنى ومن شارع أو مكان لمكان وما إن تغادر أو لحظة المغادرة حتى تقصف تلك المباني والشوارع، والأهم أنه كان لدينا شعور دائم بأننا سنخرج من بيروت يوما ما، لأنه لم يكن يسمح لنا، لا دوليا، ولا عربيا،ولا حتى أوروبيا بصناعة جبهة مسلحة في جنوب لبنان،بأسلحة ثقيلة، كالمدافع وكموقع متقدم.
وفي سياق رده على سؤال جزيل خوري عن متى شعرتم أنكم ستخرجون من بيروت؟ قال نبيل عمرو، عندما تيقن أبو عمار بعدم تدخل طرف معين، أوضح نبيل عمروِ، أنه إيران، التي كانت تحشد مقاتلين للتدخل في لبنان وحماية الفلسطينيين كما كان في الاعلام، ولكن عند تجاوز القوات الإسرائيلية الكيلو 45، حسم أبو عمار قراره خاصة بعد لقائه التاريخي مع قادة السنة حين سألوه هل لديك يقين أن جهة ما ستنقذ الموقف، ولم يكن لديه جواب، وقال نبيل عمرو أنه يتذكر ما قاله له ياسر عرفات في حينها، كم تمنيت لو أن بيروت كانت فلسطينية فلن نتركها، بعدها حاول أبو عمار أن يقتنص ثمنا سياسيا مقابل الموافقة على مغادرة بيروت، ولكن كان ذلك صعبا جدا، وأدرك أبو إياد الوحيد من كل القيادة بعدم إمكانية ذلك، فقال لزملائه القادة المستبشرين، لا تحلموا بثمن سياسي، ولكن استغل أبو عمار رسالة من فيليب جبيب حملها ضباط لبنانيين يحمل معناها ليس ثمنا سياسيا بل بونص سياسي political bonus، وكانت لا تعبر ولا تعني شيئا، ولكن شطارة أبو عمار كعادته حملها، وكبرها أمام العالم بأنها ثمن سياسي لتخفيف وقع الخروج من بيروت.
في الحقيقة لم يكن مقدرا أن الإسرائيليين سيذهبون لبيروت في ذاك الوقت، ولكن الطيران الأمريكي والاسرائيلي كان يحلق بكثافة ويقصف بشدة وكذلك من البر والبحر، معركة كبيرة ضارية تجاوزت فيها قوات الإحتلال الكيلو 45 ، وبالحسابات المجردة أصبح في غير الإمكان البقاء هناك.
قال نبيل عمرو كان أبو عمار مسكونا بالقرار الفلسطيني المستقل، في سياق إجابته على سؤال، لماذا كان الخروج عن طريق البحر؟؟ خاصة بعد أن وافق حافظ الأسد على السماح لخروج كل القوات الفلسطينية، بعد إن كان المعروض في البدء نصف القوات، ولكن خوف ياسر عرفات الشديد من إستيلاء السوريين على القرار الفلسطيني فضل الخروج عن طريق البحر،ِ وأعاد تأكيد خوفه على القرار الفلسطيني المستقل.
أيضا عند خروجه الثاني من طرابلس. تحدث نبيل عمرو عن تعيينه سفيرا فوق العادة في الإتحاد السوفييتي بعد فتور العلاقات السوفياتية والفلسطينيين، بعد الخروج من بيروت والإتفاق السوري اللبناني الذي تم على الأراضي اللبنانية، وجاء جورباتشيف وقلب معادلة توازن القوى واستبدلها بمعادلة توازن المصالح، وهذا تطلب من السياسة الجديدة السوفياتية عدم تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية،ولذلك حاول السوفييت تقوية العلاقة من جديد مع منظمة التحرير ، ولذلك طلب مني أبو عمار الذهاب فورا إلى موسكو بناءا على التقارب الجديد الذي حمل رسالته بولياكوف لياسر عرفات إلا أن الأوضاع في الإتحاد السوفياتي تغيرت وبدأت أزمةوتفككه وأنا بقيت لمدة عام أيام حكم يلتسين ثم غادرت.
عن أوسلو قال نبيل عمرو، لم يكن هو في أوسلو ولكني كنت أعرف أن هناك قناة سرية جديدة في مكان ما. والذي أبلغني بها أبو عمار أنا ومروان كنفاني، وكان أبو عمار متحمسا جدا للتوصل لإتفاق في تلك القناة من التفاوض السري، أما رأيي في أوسلو قال نبيل عمرو:" أوسلو كانت مليئة بالأخطاء والتسرع؛ لكن الأهم الذي كنا ننتظره أن بها وعد أن تؤدي إلى دولة.
في إجابته عن سؤال محاولة إغتياله في بيته، رفض نبيل عمرو توجيه الإتهام لأحد، وقال هي إثارة فتنة، وفوضى، لتؤدي لمشاكل كثيرة في ذاك الوقت، وأنا اعتبرتها خلف ظهري.
أما في سياق الخلاف على كامب ديفيد أم مقترحات كلينتون، قال نبيل عمرو، أنه لم يعترض على اقتراحات كلينتون التي كانت أفضل، لأنها لا تغلق الطريق للوصول إلى حل وكانت نسبة تبادل الأراضي فيها من 3- 4% والآن هي 40% من الأراضي مصادرة، وليس تبادل، لكن أبو عمار رفضها، وكان طمعان بدو أكثر وكان رد الأمريكان، لن نغير فيها، لأن باراك لم يوافق على أكثر من ذلك، وكانت الضغوطات على أبو عمار كبيرة، ولكنه تمترس عند موقفه بدون إستعادة القدس كاملة في حدود 4حزيران 1967 لا يمكنه الموافقة.
قال نبيل عمرو المسوؤل عن فشل أوسلو هما إسرائيل وأميريكا لأن أميريكا منحازة لإسرائيل تماما وهي تمسك بكل الأوراق والموقف الأوروبي ضعيف.
وعن العلاقة مع أبو عمار بعد محاولة اغتيال نبيل عمرو وعن آخر مرة قابله أو شاهده ، قال رأيته قبل أشهر قليلة من وفاته حيث كنت في ميونيخ فترة طويلة للعلاج في تلك الأثناء، أي بعد محاولة اغتيالي كان يتصل بي ليطمئن على صحتي، حاول أناس كثيرون إتهام أبو عمار بأنه وراء محاولة الإغتيال وأنا أغلقت الباب.
وعن سؤال عن الفرق بين أبو عمار وأبو مازن أجاب نبيل عمرو بإختصار أبو عمار عسكري، أبو مازن لا أبو عمار يحب توسيع مجال العاملين معه، يشاور في الداخل والخارج ويعتمد على الكوادر. أبو مازن يعمل بفريق محدود نخبوي، يختار مجموعة أشخاص كما يريد وكما يفكر ويشاور فلسطينيين لهم تطلع مشترك لحل القضية.
وعن تقرير جولدستون وخروجه من الحياة السياسية، قال نبيل عمرو لم أكن من الناس الظاهرين في معارضة سحب التقرير من النقاش في المحكمة بل كانت معارضة شاملة للموقف الرسمي وليس هذا سبب الخلاف والإنسحاب من الحياة السياسية، بل كانت أسباب داخلية على مؤتمر فتح في بيت لحم لأن مشهد هذا المؤتمر والحشد والإنتخاب كان بطريقة غير صحيحة ولم تكن اعتراضات كثيرة من فتح والكل سلم بالنتائج.
وعن إجابته على سؤال ضم الأراضي والغور، قال نبيل عمرو : في 1/7/2020 حدد نتنياهو موعدا لتنفيذ اعلان الضم ومن ثم سيبحث عن التطبيق والقوانين على الأرض بتريث سيراقب نتنياهو ابتلاع العالم للقرار، يعني سيقوم بخطوات تكتيكية وفنية ويراقب ردود الفعل. نتنياهو وترامب خلطوا الأوراق لتصبح عملية الضم واقعا ليس من مصلحة الناس حل السلطة التي رعت شؤون الناس 25 سنة وقامت بتوفير 170000 راتب نحن في مرحلة الأمر الواقع على الأرض، الذي أنهى الحل التفاوضي السياسي العرب يهتمون بقضية الضم، لكن قدراتهم محدودة أمام ترامب وأكد نبيل عمرو أن الأردن ومصر، أعلنتا عن اعتراضهما على عملية الضم. آخر سؤال وجهته جزيل خوري لنبيل عمرو، هل تتوقع انتفاضة؟ أجاب نبيل عمرو، الإنتقاضة ليس بضغطة، هذا واقع جديد، عملية العنف عند الفلسطينيين كانت دائما ترتبط بغياب الأفق السياسي، الاسرائيليون أنفسهم يحذرون ومسؤوليهم يتوقعون انفجارات في الاراضي الفلسطينية، ليس من السهل قراءة المشهد، ولكن كلما ابتعدت فرص السلام إقترب العنف.
إنتهى اللقاء تعقيبي: كان الاستاذ نبيل عمرو صريحا لأبعد الحدود في هذا الحوار وفي هذا الوقت الحرج وأوضح كثيرا من المواقف. رد نبيل عمرو على تساؤلات جزيل خوري كقائد ورجل دولة في وقت نفتقد هذه الكاريزما الوطنية ونحن على أبواب مرحلة غامضة لا يستطيع أحد التنبؤ بماهيتها وتطوراتها، هذا الرجل مازال يتمتع بذهن صاف وسرد سياب يصل للمواطن بشكل مفهوم يرفع من معنوياته ويشد من أزره دون مغالاة ورفع الشعارات وهذا ما نحتاجه في هذا الوقت. إعتراضي على نقطتين، ذكر إحداها الاستاذ نبيل عمرو في سياق الحديث عن ياسر عرفات، وهو تمسك ياسر عرفات الشديد بالقرار الفلسطيني المستقل، وأنا ككاتب مبكرا لم أفهم هذا في سياق السياسة الحكيمة لياسر عرفات فالإستقلال بالقرار الفلسطيني في وقت إسرائيل تتعامل مع الصراع على أنه صراع عربي إسرائيلي، وسعي ياسر عرفات لإستقلالية القرار الفلسطيني قد منح العرب فرصة للتهربب من مسؤلياتهم، وحالنا اليوم مع العرب يؤمد ويثبت ذلك، ويؤكد على خطأ ياسر عرفات وهو خطأ إستراتيجي، أما الخطأ الإستراتيجي الثاني الذي أخطأه ياسر عرفات، هو إنتفاضة الأقصى، حين تكتك بالإستراتيجي، وترك عملية السلام يخربها الإسرائيليون من أجل ضغط لقضايا مرحلية، أتمنى على الأستاذ نبيل عمرو الذي نكن له الإحترام، التعمق في تفسير هذه الأخطاء الإستراتيجية لياسر عرفات، وخاصة أننا أصبحنا في وضع صعب فيه تصفى قضيتنا، ولابد من المصارحة في كل شيء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت