«الإهمال الطبي».. سلاح الاحتلال لتصفية الأسرى الفلسطينيين

يواجه نحو 5 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي صنوف واسعة من التعذيب والتعنيف والقمع، كالعزل الانفرادي، والإهمال الطبي، والحرمان من الرعاية الجسدية والنفسية، فيما ينتاب ذوو الأسرى الفلسطينيين الخوف والقلق، خشية على حياة أبنائهم الذين يعيشون ظروفاً صحيةً سيئةً للغاية، في ظل مواصلة إدارة السجون تلاعبها بالجانب النفسي للأسرى وأهاليهم، والمماطلة في توفير إجراءات السلامة والحماية لهم، خاصة في ظل تفشي وباء فيروس كورونا» في دولة الاحتلال.

 وفي خضم ذلك سخرّت دولة الاحتلال جلَّ إمكانياتها لاستهداف وقتل الأسرى الفلسطينيين، عبر شرعنة القوانين العنصرية لنهب حقوقهم، بالتنسيق مع أجهزة الأمن «الشاباك» وإدارة السجون، والجهاز القضائي والذي يرفض طلبات الالتماس التي تقدم إلى المحكمة العليا للنظر في وضع الأسرى الصحي.

الملفات الأخطر

وكان لإجراءات سياسية الإهمال الطبي المتعمد التي تتبعها إدارة السجون مع الأسرى الفلسطينيين بما فيهم المرضى والأطفال وكبار السن، عواقب أليمة أدت لاستشهاد ستة أسرى فلسطينيين كان آخرهم الأسير الشهيد «نور البرغوثي» الذي استشهد خلال شهر نيسان الماضي في سجن النقب الصحراوي.

من جهته، أكد رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في شؤون الاسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة، أن الملف الصحي في سجون الاحتلال هو من أخطر الملفات، وقضية الاسرى المرضى الأكثر ألماً ووجعاً، خاصة وأن متابعتنا وآليات معالجتنا لهذا الملف يجب أن تتخطى الحديث عن الأسرى الذين ظهرت عليهم أعراض الأمراض الخطيرة، والملفات شائكة والتفاصيل كثيرة.

وأوضح فروانة في حديث لـمجلة «الحرية» أن الوضع الصحي في سجون الاحتلال يزداد تدهوراً وخطورة وبحاجة إلى معالجة شاملة، بمشاركة الجميع، منوهاً أنه ليس كل من لم تظهر عليه أعراض المرض في صفوف الأسرى هو سليم، ولا يعني أن كل من لا يعاني الوجع معافى، وعليه فإن هناك الكثير من الأسرى هم في حقيقة الأمر مرضى ولا يشعرون بخطورة المرض، وأضاف: أنه «لو أجريت فحوصات شاملة على جميع الاسرى الذين يعتقد أنهم أصحاء سنجد بالتأكيد أرقام المرضى مضاعفة عما هي متداولة».

إجراءات وقائية شكلية

وحول ظروف استشهاد الأسير نور البرغوثي مؤخراً، أوضح فروانة أن هذا الأسير استشهد نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في سجن النقب الصحراوي، مضيفاً أنه ومنذ بدء «كورونا» لم تتخذ إدارة السجون التدابير اللازمة والوقائية الضرورية داخل السجون، ولم توفر مواد التعقيم لحماية الأسرى من خطر الإصابة، كما ولم تغير إدارة السجون من النظام الغذائي المتبع لديها أو تقديم أنواع جديدة من الأطعمة لتقوية المناعة لدى الأسرى المرضى.

وقلل فروانة من أهمية اتخاذ إدارة السجون الإسرائيلية بعض الإجراءات الشكلية في الآونة الأخيرة والتي لا ترتقي للحد الأدنى من متطلبات الحماية والوقاية، بسماحها لعدد من الاسرى والأسيرات بالاتصال هاتفياً مع ذويهم، وإدخالها الكمامات وقليل من مواد التنظيف لبعض الأقسام وإجراء عمليات التعقيم لسيارات البوسطة وساحات بعض أقسام السجون. معتبراً إياها محاولة لتجميل صورة الاحتلال في المحافل الدولية ومحاولة للالتفاف على مطالب المنظمات الدولية لتحسين ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين.

ودعا فروانة للوقوف لجانب الأسرى المرضى، والمحررين منهم الذين هم بأمس الحاجة إلى فحوصات دورية ورعاية صحية مجانية، كون الكثير منهم لا يملك ثمن العلاج، مشدداً على أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تحتم الوقوف بجانبهم واحتضانهم، «هذا حقهم علينا، وهذه مسؤولية الجميع تجاههم».

شهداء الحركة الأسيرة

وباستشهاد الأسير نور البرغوثي يرتفع عدد شهداء الحركة الوطنية الأسيرة منذ عام 1967 إلى 223 شهيداً، جُلهم تعرضوا للتعذيب والإهمال الطبي المتعمد، بينهم (78) جراء القتل العمد، و(7) معتقلين جراء إطلاق النار عليهم مباشرة، و(67) جراء الإهمال الطبي المتعمد و(73) جراء التعذيب.

ونظمت لجنة الاسرى في القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة (31/5) اعتصاماً تضامنياً مع الأسير المريض في سجون الاحتلال كمال أبو وعر أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمطالبة المنظمات الدولية بالإفراج عن الاسرى المرضى، من بينهم الأسير أبو وعر المحكوم بالمؤبد والذي يعاني من مرض السرطان، وترفض سلطات الاحتلال الإفراج عنه أو تقديم العلاج له.

ويذكر أن نحو 22 أسيراً مصاباً بالسرطان أصبحت حياتهم مهددة بخطر الموت.

كما ويواصل الأسير سامي جنازرة (47 عاما) إضرابه المفتوح عن الطعام رفضاً لاعتقاله الإداري المستمر منذ أيلول (سبتمبر) 2019. ولم تسلم طالبة الإعلام ميس أبو غوش من الإهمال الطبي المتعمد رغم حاجتها للعلاج في المشفى بعد تعرضها لتحقيق قاسٍ وتعذيب نفسي وجسدي ممنهج بعد اعتقالها في آب (أغسطس) الماضي.

من ناحيته، أشار مركز الميزان لحقوق الإنسان أن السجون الإسرائيلية تشهد اكتظاظًا كبيرًا، حيث بلغ عدد المعتقلين حتى نهاية شباط (فبراير) 2020م، حوالي (5000 معتقل/ة)، منهم (43) سيدة، وحوالي (180) طفل، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين حوالي (430) معتقل، مما يُثير المخاوف من طبيعة الإجراءات الإسرائيلية المُتخذة، وعدم إتباع إجراءات التباعد، والتخفيف من حالة التكدس داخل السجون.

وتشير تقارير المؤسسات المحلية والدولية أن إدارات السجون الإسرائيلية تُخضع علاج الأسرى للمساومة والابتزاز؛ ما يشكل خرقاً فاضحاً لمواد اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والتي أوجبت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.