- بقلم : محمد علوش *
- عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بالتحلل من كافة الاتفاقيات والتفاهمات مع الاحتلال والإدارة الأمريكية ، والتي التزمت بها طيلة المرحلة السابقة بموجب الاتفاقيات التي تنكرت لها دولة الاحتلال ، يعّد قراراً تاريخياً ، ويعبر عن الإرادة الوطنية ، والقرار الوطني الفلسطيني المستقل ، فكيف نحول هذا القرار إلى برنامج وخطة عمل على أجندة العمل الوطني ، على كافة المستويات لتحقيق أهدافنا الوطنية ؟؟
ومع إدراكنا المسبق إن كلفة هذا القرار ستكون عالية ، لكن هذه الكلفة بالتأكيد أقل من كلفة التعايش أو القبول مع إجراءات الضم والاستيطان بعد شهر تموز يوليو ، وقرار القيادة الفلسطينية ، وهو قرار الشعب الفلسطيني كافة ، وسرعة تطبيقه يؤكد الثقة بأننا جادون بالمضي قدماً به ليشكل نقطة ارتكاز لمواقف المجتمع الدولي وبلدان العالم المختلفة .
وفي ظل التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني ، وبخاصة بعد قرار إنهاء الالتزامات والتفاهمات كافة بالمرحلة السابقة ، فالمطلوب الارتقاء بحالة التماسك ووحدة القيادة، للحيلولة دون أي فراغ قيادي يؤدي للفوضى ، ومنع محاولات إيجاد البدائل ، والتعامل بحزم مع مظاهر التلفت والتمرد على النظام التي بدأت تظهر في بعض المحافظات ، وحماية الكيان السياسي الفلسطيني ومنع تقسيمه إلى " كانتونات" ، وإحباط مشروع فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ، ومنع قيام " دويلة غزة " كبديل عن الدولة الفلسطينية ، والعمل جدياً نحو تطوير كافة أشكال المقاومة الشعبية ، والانتقال بها لحركة شعبية واسعة تحشد فيها إمكانات وطاقات الشعب للمواجهة مع الاحتلال وإسقاط مشاريعه التصفوية ، وكسر الأمر الواقع المفروض من المحتل ومصادرة حقوقنا وانتهاكه لجميع الاتفاقيات الموقعة معه ، وإشراك الرأي العام الفلسطيني بأشكال متعددة من خلال التواصل وبناء الثقة وتعزيز الصمود لضمان التطبيق الكامل للخطة .
وفي هذه المرحلة ومن أجل تجسيد السيادة السياسية الفلسطينية ، وترسيخ المكانة القانونية لدولة فلسطين بعد أن تم إنهاء العلاقات التعاقدية مع الاحتلال ، فالمطلوب " إعلان دستوري " من قبل الرئيس محمود عباس ، يستند على" إعلان الاستقلال" وقرارات المجلس الوطني والمركزي ، للانتقال من واقع السلطة إلى الدولة ، وتجسيد الدولة وتحديد طابعها وهويتها وحدودها ، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ، وخصوصا قراري مجلس الأمن 242،338،2334، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67 بتاريخ 29 نوفمبر 2012.
ونعني بالإعلان الدستوري الكثير ، وذلك لتمهيد السبيل نحو انجاز متطلبات الانتقال من السلطة للدولة ، والتي قد يكون من بينها تهيئة الظروف السياسية لصياغة دستور دائم ، وتعزيز الديمقراطية والحريات العامة، وصلاحيات السلطات الثلاث ، والتنمية للمجتمع الفلسطيني .
ويختلف - الإعلان الدستوري - عن المراسيم الدستورية ، برغم اتحادهما في الوظيفة التي من أجلها يتم إنشاء تلك الصيغ ، وهي ملء الفراغ الدستوري ، بصياغة إطار دستوري يحكم الفترة الانتقالية ، إلى أن تتهيأ الظروف لإنتاج دستور جديد .
ومن أهم الأولويات على المستوى الوطني ، ينبغي تشكيل " مجلس تأسيسي للدولة " ويأتي ذلك كنتاج لحوار وطني على أساس البرنامج الوطني ، ويتكون من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ،ويضاف له القوى غير المشاركة بالمنظمة ليشكل برلمان الدولة الانتقالي، لحين إجراءات الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وهناك خيارين مهمين ، بعد حل المجلس التشريعي بقرار من المحكمة الدستورية والدعوة لإجراء الانتخابات البرلمانية ، الأول " برلمان دولة فلسطين " ، والآخر " مجلس تأسيسي " ، وكلاهما مطروح للنقاش من أجل بلورة أيهما أفضل من الناحية الدستورية والتشريعية في إطار مرحلة الانتقال من الاحتلال إلى تجسيد الدولة ، فنحن أمام وضع جديد يستلزم مجموعة من الخطوات الأخرى التي يجب اتخاذها .
الفكرة مرتبطة بانتهاء المرحلة الانتقالية والضرورة الوطنية الملحة بتجسيد دولة فلسطين وصون المنجزات الوطنية ، والأهم من كل ذلك ؛ تطبيق قرار المجلس الوطني ، بالانتقال من السلطة إلى الدولة ، وعملية الانتقال ستأخذ أشكالا مختلفة ، أهمها أن كل تداعيات المرحلة الانتقالية لم يعد ملزما لنا باعتبار أن الجانب الإسرائيلي لم ينفذ ما عليه ، وبالتالي لن نكون الطرف الوحيد الملتزم بالاتفاقيات ما دام قد تنصل وعمل على إنهائها بشكل أحادي ، والذي يشكل قراره بالضم إعلانا بإنهاء العملية السياسية ، وفي مواجهة هذا التحدي الذي فرضه الاحتلال فان القرار الفلسطيني واضح وتجلى بإعلان القيادة الفلسطينية بتاريخ 19/5/2020 أنها بحل من كافة الاتفاقيات الموقعة والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية ، وبالتالي فإن هذا الانتقال يتطلب تجسيد مؤسسات الدولة الفلسطينية على الأرض .
نحن بحاجة لأن نعيد وبصورة ملحة تثوير الحالة الفلسطينية في إطار المعركة ، التي ستزداد شراسة مع الاحتلال خلال الأيام المقبلة ، والاحتفاظ بأوراق القوة والتمكين للكيانية السياسية الفلسطينية ، وفي هذا السياق ، فإن الذهاب رسمياً إلى الإعلان عن " المجلس التأسيسي للدولة الفلسطينية " بات أمراً ملحاً ، وهو قضية نضالية من الدرجة الأولى ، فمثل هذا التوجه الاستراتيجي وتحويله لواقع ملموس على الأرض ، يعني نقل معركة التحرر الوطني إلى مراحل متقدمة مع الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية .
مرحلة تقوم على أساس الفعل وليس رد الفعل ، كما أنه يحقق بالعمل وليس بالقول فقط هدف التحلل ، وتجاوز مرحلة أوسلو بتداعياتها المختلفة ، ويساعد في خلق البدائل المناسبة على الأرض، رغماً عن الاحتلال وسياسات الضم والتوسع العنصري التعسفية والتصفوية .
إنَّ التحولات على الساحة الوطنية ، يجب أن تدفعنا للمضي قدمًا نحو هذا الخيار بتوافق وطني فلسطيني شامل يشكل المقدمة الأساسية لتجاوز الانقسام من خلال التوحد في الميدان لإسقاط مشروع الضم الإسرائيلي الذي يشكل جوهر الخطة الأمريكية المسماة صفقة العصر ، هذه الخطوة ستمثّل صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية ، وتوليفة سياسية لترتيب أوضاعنا القانونية في المحافل الدوليَّة ، وتنسجم مع وضع فلسطين الجديد في الأمم المتحدة ، وبالتالي إعادة رسم صورة العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على قاعدة دولة مقابل دولة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت