- بقلم الدكتور رأفت حمدونة
أسرى لم يسبق لتجاربهم مثيل في حركات التحرر العالمية، تخطوا كل أصناف القياس في طول فترة الاعتقال، وفي أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وفي الانتهاكات اللحظية والتفصيلية واليومية المخالفة لكل الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وصفهم المختصون (بقدامى المعتقلين، وعمداء وأيقونات الأسرى، وجنرالات الصبر)، وجميعها تليق بهم لصمودهم وصبرهم وتحديهم وقوة عزيمتهم وإرادتهم وإيمانهم بربهم، وعدالة قضيتهم، وانتمائهم لوطنهم وشعبهم، وطموحهم بالحرية والسيادة والاستقلال .
هؤلاء الأسرى الذين أبدعوا خلال اعتقالهم على صعيد بناء الهياكل والمؤسسات الاعتقالية واتخاذ القرارات، وترتيب بنية الفصائل الداخلية، ونمط التعاون والتنسيق بين الفصائل في السجن الواحد وبين المعتقلات، وعلى صعيد الاهتمام والبناء الثقافي والإنتاج الأدبي والتعليمي، والتأثير الإيجابي السياسي، ومسيرة الإضرابات المفتوحة عن الطعام الفردية والجماعية من حيث امتداد الفترات الزمنية غير المسبوقة، والإنجازات التي تحققت من أنياب محتل لم يعترف بالاتفاقيات والمعاهدات العالمية والقانون الدولي الإنساني.
وكان الأسرى طوال فترة اعتقالهم أكثر حكمة، وأعمق حنكة، وأصلب عزيمة، وأكثر وعي، في مواجهة الأزمات، وأكثر حرص على الوحدة الوطنية والتفاهم والمشاركة من الجميع في اتخاذ القرارات على أسس ديمقراطية سليمة، وأكثر كفاءة في استقراء المستقبل بالقدر الذي يحقق الأهداف المرجوة، والقدرة على ترتيب الأولويات وتوجيه اهتمام الأسرى للنافع والمفيد واقعًا ومستقبلًا، وتحديد أفضل الأساليب والوسائل ببدائل متعددة تحقيقًا للكرامة . "
وفى الحقيقة أقف عاجزاً عن الكتابة حينما أتناول سيرة أحد أهم أبطال حركات التحرر العالمية ، علم فلسطين "الأسير كريم يوسف فضل يونس"، والذي منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمضى في السجون والمعتقلات الاسرائيلية ما يقارب من ثلثي عمره، ولم يحظ بكل عمليات التبادل، أو إفراجات التسوية السياسية ، أو صفقة وفاء الأحرار ، وإفراجات الرئيس للأسرى القدامى .
الأسير كريم يونس، من سكان قرية عارة بالمثلث في الداخل المحتل عام 1948، وهو أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وفي العالم، فقد اعتقل في 6/1/1983م، تمت محاكمته بعد 27 جلسة على مدار سنة كاملة بالإعدام شنقًا بالحبل، ولم يكن هذا القرار إلا قرارًا سياسيًا مبرمجًا يستهدف تدمير معنوياته، ولفرض حالة من الرعب والخوف والحرب النفسية عليه وعلى كل من يقوم بحالة النضال ضد الاحتلال، وقد قام الأسرى باستئناف الحكم، وحينها قررت المحكمة الإسرائيلية إصدار حكم بالسجن المؤبد المفتوح مدى الحياة، وقد كان يفترض أن يتم الإفراج عنه خلال الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس _أبو مازن_ مع حكومة إسرائيل والتي تقضي بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات أوسلو، ولكن حكومة الاحتلال تنصلت من الإفراج عن الدفعة الرابعة والتي كانت تتضمن 30 أسيرا، منهم 14 أسيرًا من الداخل الفلسطيني وهم الأقدم في السجون.
والذى يعتبر من أبرز قيادات الحركة الأسيرة ورموزها، ، ولقد درس المرحلة الابتدائية في قريته عارة، ودرس الثانوية بمدرسة الساليزيان في الناصرة، ثم واصل دراسته في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة بن غوريون في النقب، ولم ينقطع كريم يونس عن الدراسة، فواصل رحلته التعليمية داخل السجون الإسرائيلية، بل أصبح يشرف على عملية التعليم الجامعي للأسرى الذين سمح لهم الاحتلال بذلك، وله العديد من المؤلفات منها " "الواقع السياسي في إسرائيل" عام 1990،تحدث خلاله عن جميع الأحزاب السياسية الإسرائيلية، والثاني بعنوان "الصراع الأيدولوجي والتسوية" عام 1993" ، ودومًا كان يشغل المواقع القيادية الأولى في جميع المعارك التي سطرتها الحركة الأسيرة في كافة المراحل في صراعها المرير مع إدارة السجون، ورغم تعرضه للعقاب والعزل والنفي من سجن لآخر لم يكن يتأخر عن المشاركة في إدارة دفة الصراع دفاعًا عن الحركة الأسيرة ومكتسباتها، كما وكان يفخر دومًا بهويته الفلسطينية، فلم تنل منه سنوات الاعتقال، ولم تؤثر على معنوياته ومبادئه محطات المعاناة بعدما شطب اسمه من كل عمليات التبادل، وقد كان ممثل الأسرى في أكثر من معتقل، ويمتلك الكثير من الوعي والخبرة والثقافة التي كرسها في خدمة الحركة الأسيرة وتطوير أوضاعها وقدراتها الوطنية والنضالية والتنظيمية والاعتقالية ([1]).
حقاً حينما أتحدث عن الأسير كريم يونس أتحدث عن الروح الإيجابية وعن رمز العلاقات الوطنية المتينة ، وعن عبق الوطن، ورائحة الفدائيين الأحرار، الصادقين بعملهم لا بأقوالهم فقط، وعن سنوات التضحية بكل مكونات عذاباتها وآلامها وآمالها بالحرية والسيادة والاستقلال .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت