- بقلم : حكم طالب *
من خلال تتبعنا للأحداث المتتالية في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد ، " أسود اللون " ، من أصول افريقية من قبل أفراد من " الشرطة البيض " باعتدائهم الوحشي واللاإنساني وارتكابهم جريمة عنصرية واضحة المعالم في مدينة مينابولس التابعة لولاية مينيسوتا الأمريكية ، والتي كانت سبباً في اندلاع الاحتجاجات والتحركات ضد هذه الجريمة وانتقالها من ولاية إلى أخرى ، وتحولت إلى أعمال عنف وشغب وحرق لمراكز الشرطة وسيارات الإسعاف بسبب أسلوب وأداء الشرطة ، والتي استخدمت كل وسائل القمع والعنف وحظر التجول والاعتقالات للآلاف ، ما أدى إلى شلل في كل مناحي الحياة ، وفي ظل أجواء ومناخات جائحة كورونا وأسلوب إدارة ترامب في تعاملها مع المحتجين ووصفهم بالفوضوية واللصوصية ، وطالبت باستخدام القوة المفرطة ضدهم ، وطالبت الإدارة الأمريكية حكام الولايات بالتعامل بقسوة مع المحتجين واستخدام القوة العسكرية ، واتهامها للصين وتحميلها مسؤولية الأحداث ، وكما حملتها سابقا تفشي كورونا !!
استنادا لما تم تشخيصه من أحداث ، يعني ذلك إلى مدى تفاقم وتصاعد العنصرية والفاشية ومدى تغلغلها وتناميها في بنية المجتمع الأمريكي وانعدام المساواة والعدل ، وهذا من خلال سياسات التهميش والإقصاء ضد الأقليات على أساس اللون والعرق ، وممارسة التمييز ضدها في العمل والصحة والسكن وفي كل المجالات ، وانتشار الفساد والفوضى والتفكك والفجوة الطبقية وسياسات الإدارة في ضرب النسيج المجتمعي الأمريكي ، وفي تعميق الفجوة التي تهدد استقرار وامن المجتمع .
تبين لنا ما يحدث في أمريكا يتنافى ويتناقض مع أبسط قواعد وأحكام الديمقراطية وتجسد ذلك في عدم إعطاء أي قيمة للإنسان وحقوقه وحرياته ، وهذا من خلال تعامل الشرطة العنجهي والغير إنساني وبلا وازع أخلاقي وحضاري مع المحتجين الذين يطالبون بالمساواة وتحقيق العدالة وإصلاح نظامها وتوجيه تهمة القتل بحق كل من ساهم في ارتكاب هذه الجريمة العنصرية والتي تعد انتهاكا واضحا وصريحا للقانون الدولي والإنساني وقانون حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، مما يعنيه أن القوانين الديمقراطية المتبعة ذات طابع نظري فقط ولا تطبيق لها على أرض الواقع ، وتجسد ذلك من خلال التفافها على المطالب العادلة للمحتجين ومواجهتها وقمعها لهم ، منتهكة بذلك الحريات العامة المصانة من قبل هذه القوانين مثل حرية التجمع والتظاهر ...الخ ، وفي الوقت نفسه تطالب العالم والدول العربية بالالتزام بمبادئ الديمقراطية والحفاظ عليها وحماية حقوق الإنسان وحرياته وعدم المساس بها ، وتخوض حروب واحتلالات عسكرية لأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وممارستها لسياسة الهيمنة على العالم ونهب مقدراته ، وتدعم الاحتلال الإسرائيلي كأحد أهم أدواتها الذي يرتكب المجازر اليومية بحق الشعب الفلسطيني وبحق حقوق الإنسان وحرياته ، ترتقي إلى مستوى جرائم يحاسب عليها القانون الدولي ، وهناك سمات عامة وتقاطع في مدى وتنامي العنصرية والفاشية في المجتمعين الأمريكي والإسرائيلي.
انطلاقا من ذلك أتساءل من حيث ما تم استعراضه من تنامي لظاهرة الفاشية والعنصرية .. أين الأمم المتحدة من أخذ دورها والوقوف بمسؤولية عالية لما يحصل في أمريكا من انتهاكات فاضحة وواضحة تجاه الإنسان وحقوقه وحرياته ، والتي تمس في أسس ومرتكزات القوانين الدولية والإنسانية التي تعني بحقوق الإنسان ، والتي ترفع شعار الديمقراطية وصيانة الحريات العامة ، وكذلك أين المنظمات الحقوقية العالمية والإنسانية اتجاه ما يحصل في أمريكا من انتهاكات.
عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت