ما بعد الأول من تموز ليس كما قبله..

بقلم: جهاد سليمان

جهاد سليمان

جهاد سليمان / قيادي في الجبهة

الديمقراطية لتحرير فلسطين - لبنان

 

لطالما حفلت "الروزنامة" الفلسطينية بتواريخ مفصلية، كان لها أثر بالغ في مسيرة الشعب الفلسطيني، وانعكاساتها على مستوى القضية الفلسطينية، ولكل تاريخ قصة استثنائية، لما تضمنته من احداث، شكلت معالم القضية الوطنية، ورسمت ماضي وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني.

وعرفت السنوات الأربع الأخيرة، تواريخا استثنائية شكلت ومازالت نقطة تحول وانعطاف خطير على المستوى الفلسطيني، والمنطقة العربية وربما العالم، والتي بدأت قبل إعتراف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" رسميا بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني بتاريخ 6 ديسمبر 2017، ونقل سفارة بلاده من تل ابيب اليها في 14 مايو 2018،، ومع بداية 2018 اقدمت الولايات المتحدة على قطع مساهمتها المالية في موازنة وكالة الغوث والبالغة اكثر من (360) مليون دولار في محاولة لضرب حق العودة، تلاها خطوة اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن في منصف 2018، ثم الاعلان عن الشق الاقتصادي من صفقة القرن والتي عرفت بـ "ورشة المنامة الاقتصادية" التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة بين 25 و26 حزيران 2019، والإلتفاف على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي بات يعرف ب"صفقة القرن" الامريكية، والتي اعلن عن شقه السياسي بتاريخ 28 يناير 2020،  على لسان الرئيس "ترامب"، من خلال مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض، بمشاركة رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو"، الذي اعلن بشكل رسمي، نسف الأسس القانونية والسياسية، لما يسمى "مشروع الحل السلمي" في المنطقة العربية، بعد التدمير الممنهج لجميع الأسس، التي يفترض ان هذه العملية قامت عليها، والمتمثلة بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي سعت الى انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال منح الشعب الفلسطيني، حق تقرير مصيره في دولته المستقلة كاملة السيادة، على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 ، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وفقا للقرار الاممي 194، الامر الذي تبنته مبادرة السلام العربية، ووقفت على ناصيته القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في عملية المفاوضات التي ادارتها مع الجانب الإسرائيلي، بجميع اشكالها السرية والعلنية، منذ اتفاق "أوسلو" وتوابعه، للوصول الى مشروع حل الدولتين، التي رأى به العالم اجمع، الحل المنطقي والعملي الوحيد لأنهاء الصراع.

جاء الإعلان الرسمي عن الشق السياسي "لصفقة القرن"، وبما تضمنه من بنود، ليكرس رسميا على لسان الولايات المتحدة الامريكية، انتهاء مشروع "حل الدولتين"، لصالح مشروع "دولة إسرائيل الكبرى" اليهودية، وذلك من خلال تشريع النشاط الاستيطاني، في الأراضي المحتلة عام 1967، واعتباره وعلى لسان وزير الخارجية الأمريكي "مايكل بومبيو"، "لا يتنافى مع القانون الدولي"، على الرغم من ادانة القرار الدولي رقم 2334 الاستيطان، واعتباره غير شرعي، وإعادة تعريف اللاجئين، باعتبارهم فقط الذين ولدوا قبل نكبة عام 1948، أي اسقاط صفة اللجوء عن ذريتهم، وتقديم الدعم المطلق لمشاريع اليمين المتطرف بقيادة "نتنياهو"، خاصة فيما يتعلق بيهودية الدولة، ومشاريع التهويد، وسرقة الأرض، الأمر الذي كان لافتا في تصريحات ومواقف السفير الأمريكي في تل ابيب "ديفيد فريدمان" الذي شارك شخصيا في نشاطات التهويد اسفل المسجد الأقصى في المدينة المحتلة.

على المقلب الآخر،  كانت المعركة الانتخابية تشتد داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، بين حزب الليكود بزعامة "بنيامين نتنياهو" وتحالف "أزرق-ابيض" بزعامة "بني جانتس"، مما فرض ثلاث جولات طاحنة من الانتخابات، استخدمت خلالها جميع الوسائل الممكنة، لتحصين مكانة "نتنياهو" الشعبية، وضمان ولاية جديدة له في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، تقيه السجن الذي فتحت ابوابه اكثر من أي وقت مضى،  في ظل تصاعد الدعوات لمحاكمته، بسبب تهم الفساد الموجهة ضده، مما اعطى "نتنياهو" سببا إضافيا لخوض هذه المعركة، بدهاء وحذر متوازيين، خاصة وان الجنرال الخصم، يتمتع بشعبية واسعة، ظهرت نتائجها في صناديق الاقتراع للجولات الثلاث، فكانت الهدية الامريكية المتمثلة "بصفقة القرن" وما تتضمنه من مجزرة بحق الشعب الفلسطيني، وارضه وحقوقه الوطنية، السلاح الأقوى والورقة الرابحة، التي أجاد "نتنياهو" اللعب بها واستخدامها، في الداخل الإسرائيلي، وعلى صعيد الجاليات واللوبيات الصهيونية، خاصة في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، مستفيدا من العلاقة الوثيقة، التي تربطه بفريق المسيحية الصهيونية، الذي يحيط بالرئيس "ترامب"، وعلى وجه الخصوص "جاريد كوشنير "ومايكل بومبيو".

 وكانت ورقة الضم، وفرض السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، وتحويل الشعب الفلسطيني الى مجموعات سكانية، تعيش في معازل، مقطعة الاوصال منزوعة السيادة الأمنية والاقتصادية، لصالح السيطرة الأمنية الإسرائيلية، على كامل الأراضي من النهر الى البحر، ومنع قيام أي دولة فلسطينية مستقلة مستقبليا، هي "الجوكر" الذي ركب على خطي "نتنياهو-غانتس"، واضفى الى ولادة "حكومة الوحدة"، التي انقذت "دولة الاحتلال"، من جولة انتخابية جديدة، كانت وبحسب مراقبين، ستكلف الحكومة الصهيونية أموالا وخسائر طائلة، كما سوف تسيء لصورة "دولة الاحتلال" امام الرأي العام العالمي.

 وعليه أصبحت خطة الضم، التي ذكرها "نتنياهو" في معظم خطاباته ولقاءاته الصحفية، وبرامجه الانتخابية، واقعا محددا في تاريخ جديد، اضيف الى الروزنامة الفلسطينية، بتاريخ الأول من تموز، والذي سوف تكون القضية الفلسطينية والمنطقة بعده ليس كما قبله!!

في المقابل، اتخذت السلطة الفلسطينية قرارات، اعتبرت من قبل مراقبين، بـ "القرارات المصيرية"، على الرغم من ان هذه القرارات، اتخذت في دورات سابقة للمجلس المركزي، خاصة دورتي (27+28) 2018، ودورة المجلس الوطني الفلسطيني ال 23 في 30\4\2018، والتي بقيت معلقة، على الرغم من الخطوات التي اتخذتها الإدارة الامريكية، والحكومة الإسرائيلية، في مشروع تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، الا ان الإعلان الرسمي بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية أصبحت بحل من جميع الاتفاقيات مع "دولة الاحتلال" و الإدارة الامريكية، وعلى لسان الرئيس محمود عباس، قوبلت باستخفاف من قبل الجانب الإسرائيلي، بل تصاعدت حدة التهديدات الإسرائيلية، خاصة بموضوع التنفيذ العملي لفرض السيطرة، وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وغور الأردن، والتي تتضمن جميع المستوطنات ومناطق (ج) بالكامل.

لم يعد خافيا على جميع المتابعين، جدية المشروع التصفوي، الذي بدأته الولايات المتحدة الامريكية، وحكومة اليمين الاستيطاني في فلسطين، ولم يعد خافيا جدية مشروع الضم، الذي ينال من جميع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ويضع المنطقة بأسرها في مأزق، ويعيد الصراع الى مربعه الأول، خاصة وان مشروع الضم، لا يستهدف فقط الشعب الفلسطيني، بل تمتد تداعياته إلى المحيط والإقليم، وهذا ما عبر عنه بشكل رسمي، من قبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي اعتبر مشروع الضم تهديدا للأمن القومي الأردني.

لا شك ان ما بعد التاريخ المعلن لمشروع الضم، ليس كما قبله، ان كان على صعيد التطبيق الفعلي لهذا المشروع، وانعكاساته -آنفة الذكر- على المستوى الفلسطيني، وان كان على صعيد الداخل الإسرائيلي، الذي قذف بقارب نجاة "لنتنياهو" الذي وجده نفسه يغرق شيئا فشيئا في بحر الاتهامات والدعوات القضائية. وعلى الصعيد الفلسطيني، التعامل مع مشروع الضم، لا يحتمل أي مجال لمراوغة معتادة، او رهان فاشل على تغيرات سياسية إقليمية او دولية، بل هذا المشروع يضع الكل الفلسطيني، وفي مقدمتهم القيادة الرسمية الفلسطينية، امام تحدي تاريخي، لتجاوز مجمل الازمات التي اقحمت بها القضية الفلسطينية، نتيجة الممارسات السياسية الفاشلة، ونتيجة الانقسام الدامي بين طرفي الانقسام الفتحاوي والحمساوي. مما يفرض ضرورة مستعجلة لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، واستنهاض كامل عناصر القوة الفلسطينية، وفي مقدمتها المقاومة بكافة اشكالها، كي تسلح الشعب الفلسطيني، ببرنامج نضالي وطني موحد، يستطيع ان يواجه ميدانيا، جميع هذه المؤامرات التي تعد للشعب الفلسطيني، وقضيته الوطنية.

وعلى الصعيد الدولي، فإن العالم اليوم، يقف امام تحد خطير، تواجه فيه المنظومة الدولية، امتحان الشرعية والوجود، وتجربة تطبيق القانون الدولي، فعلى جميع الدول، ان تعي جيدا بأن مشروع نسف القرارات الدولية من قبل الحكومة الإسرائيلية وبدعم امريكي، والتنكر لجميع الجهود الدولية، التي هدفت الى انجاز سلام عادل، في ظل استمرار هذا الصمت العالمي سينعكس سلبا على العلاقات الدولية، وسوف يؤسس لآلية عمل جديدة، يكون مبدأ القوي يأكل الضعيف حاضرا في حياتها، وهذا ما يتطلب تحركا دوليا حقيقيا وعاجلا، لوضع حد لهذا التغول الإسرائيلي، ولاتخاذ خطوات عملية، تتعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على انها تحت القانون الدولي، وأن تطبيقها "لصفقة القرن" ، وفي قلبها مشروع الضم، سيحولها رسميا "لدولة الابارتهايد" والتمييز العنصري، الأخيرة على وجه الأرض، مما يتطلب التعامل معها من هذا المنطلق، بفرض حصار اقتصادي شامل، على جميع مؤسسات هذا الكيان العنصري، بالإضافة لمحاكمة القيادة الإسرائيلية على جرائم الحرب، التي ارتكبوها بحق الشعب والأرض الفلسطينية، باعتبارهم مجرمي حرب مكانهم السجون.

ان الروزنامة الفلسطينية، التي يصر على كتابة تاريخها العدو الصهيوني، مدعوما من الإدارة الامريكية بالدم والنار، تحتاج الى استراتيجية نضالية وطنية فلسطينية، وتضامن عربي وعالمي، حتى يستطيع الشعب الفلسطيني، كتابة تاريخه المستقبلي، وفقا للحلم الفلسطيني، وبناء على عدالة القضية الفلسطينية، واحقية الشعب الفلسطيني في نضاله المتواصل، انتصارا للقيم الإنسانية والعدالة والحرية، حتى يكون التاريخ القادم في مسيرة النضال الفلسطيني، هو تاريخ النصر، وتاريخ الإعلان الرسمي عن انجاز الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية، بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، بعاصمتها القدس، وتحقيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى الأراضي والممتلكات التي هجروا منها في اعقاب نكبة عام 1948 عملا بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت