اليرموك وروبن هود فلسطين ... واترابه

_الصعاليك روبن هود
  • بقلم علي بدوان

دفعت الأزمة العامة التي يعيشها فلسطينيو سوريا نحو توليد دراما جديدة في سيرة الشعب الفلسطيني. فأصحاب القلم ومبدعو فلسطين في سوريا، ومنهم على وجه الخصوص مثقفو مخيم اليرموك بادروا منذ لحظات الأزمة الأولى لكتابة وتدوين سيرة الفلسطينيين في سوريا، وهي السيرة التي بدأت فصولها مع عام النكبة 1948، فحولوا تلك الذكريات واليوميات إلى رواية جديدة، تم تجسيدها في لوحة فلسطينية، يرى فيها الفلسطيني هويته الضائعة بديلاً عن كل الكلام الطائش والمُفتعل هنا وهناك وعلى عواهنه، والذي بدأ البعض يطلقه على صفحات التواصل الاجتماعي منذ بدايات المحنة السورية، بشأن فلسطينيي سوريا، وأزمة البلاد، دون مسؤولية أو إحساس.

من تلك الصورة التاريخية، التي عاشها فلسطينيو سوريا، كانت سيرة أسماء كثير من فلسطيني سوريا. ومن بينها ما أُطلق عليه لقب (روبن هود فلسطين) (الشهيد محمد رؤوف)، والسقا، والعلان، ودرويش البع، والشهيد ابو جاسر السعدي...الخ.

لقد أطلق البعض على الشهيد محمد رؤوف زعرورة لقب (روبن هود) فلسطين، وسماه البعض (المُتمرد) أو (المشاكس) الفلسطيني إلى أبعد الحدود. بينما وسمه آخرون بـ (صعلوك فلسطين) مُستعيداً تلك الحالة التاريخية من التراث العربي القديم حين نشأت تلك الظاهرة المُتمردة، ذات المضمون الاجتماعي السياسي والسوسيولوجي في حينها.

وبالطبع، إن من أَطلق عليه تلك التسمية، استعاد رمزية (روبن هود)، الشخصية الإنجليزية التي برزت في الفولكلور الإنجليزي، وهي تُمثّل فارساً شجاعاً، مهذباً، طائشاً وخارجاً عن القانون، عاش في العصور الوسطى، وكان يتمتع ببراعة مذهلة في رشق ورمي السهام.

تمثل أسطورة (روبن هود) في الفولكلور في العصر الحديث شخصاً قام على سلب وسرقة الأغنياء من أجل إطعام الفقراء، بالإضافة لذلك حارب (روبن هود) الظلم والطغيان. كان يعمل هو ومجموعته القوية المسمية (ميري من) ومعناها الرجال المبتهجون والمكونة من (140) شخصاً معظمهم من (أبناء الطبقة المتوسطة) في غابات شيروود في إنجلترا.
فمن هو (روبن هود) فلسطين المقصود في حديثنا …؟

إنه رؤوف محمد زعرورة (أبو محمد)، اللاجئ الفلسطيني السوري، من مواليد بلدة صفورية قضاء الناصرة في فلسطين عام 1942، ابن مخيم النيرب قرب مدينة حلب السورية، والمُقيم الدائم في مخيم اليرموك، قبل انتقاله الطويل إلى مخيم عين الحلوة فترة ما بعد غزو لبنان عام 1982 إلى حين استشهاده بتاريخ 5/2/1991 بالقرب من مخيم عين الحلوة جنوب لبنان.

رؤوف محمد (أبو محمد)، وبغض النظر عن تضارب الرأي في تقييمه وتقييم سلوكه، وتقييم أدائه في إطار الفصيل الفدائي الفلسطيني الذي كان ينتمي إليه، لكنه كان مُشَرَّباً بروحية التمرد والتذمر، والرغبة في شق عصا الطاعة العمياء وغير العمياء، وهي الصفات التي اصطبغت بها حياة البعض من أجيال اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ عام نتيجة المآلات التالية التي تلت نكبة الوطن الفلسطيني وآلامها الكبرى التي لاحقت وما زالت تلاحق اللاجئ الفلسطيني في سوسيولوجيا اجتماعية، اجتمعت عليها كل الطفرات الطارئة وغير الطارئة.

لكن شخصية العقيد الشهيد رؤوف محمد، كانت الحالة النافرة، والفاقعة، والواضحة في سلوك وأداء الراحل، حيث تُنسب إليه عشرات القصص والممارسات التي تؤشر على ما ذهبنا إليه… ومنها على سبيل المثال قيامه بعدة عمليات وبوسائل مختلفة، للحصول على المال من الأغنياء بطرقٍ مختلفة، من أجل توزيعه على الفقراء والمحتاجين والمساكين والأرامل من أبناء شعبه.

لعب الشهيد رؤوف محمد زعرورة (أبو محمد)، دوراً في الأحداث التي جرت خلال الفترة الممتدة من العام (1984 ـــ 1990) في المواقع والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية، وهي أحداث تحتاج لتأريخ وتدوين نظراً لتداخلاتها الهائلة، وخصوصاً منها في منطقة صيدا، وهي أحداث تتالت بشكلٍ دراماتيكي، وقد تداخلت فيها كل العوامل والأطراف … وأدت لتعميق أزمات البيت الفلسطيني، إلى حين صعود الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى نهاية العام 1987، ونتائجها الطيبة على القضية الوطنية الفلسطينية.

(روبن هود) الفلسطيني، ومعه السقا، والعلان، وغيرهم، من وجوه التمرد الفلسطيني، بطابعه القاسي جداً عند واحد من بسطاء الناس والشارع، ومن الذين وجدوا أن التنفيس عن الآلام الوطنية وجراحها، يكون بإعلاء صوت السخط إلى حده الأعلى، حد سخط السخط، حتى لو أخذ اشكالاً تبدو وكأنها ضربٌ من ضروب (الشقاوة) والبلطجة و "الزعرنة" المرفوضة والمدانة.

إن التحليل العلمي، الإجتماعي، يقودنا للقول بأن تلك الحالات، جائت نتيجة الإحساس بالظُلم والإجحاف، وهو أمرٌ مغروس في نفوس لاجئي الشعب الفلسطيني، الذين كانوا وما زالوا في أوقات كثيرة ضحايا الترحيل والنوم في قاعات الشحن والترانزيت في المطارات العربية. لكن هذا الإحساس، لم، ولن، يتماهى لدرجة بروز روح الانتقام، بل ترافق معه صَبرٌ كبير، وحُلمٍ عالٍ في سياق العمل من أجل وطنهم فلسطين، والحفاظ على بوصلتهم نحوها مهما تعاظمت التحديات وتعددت الالتواءات والمصاعب وتعقدت السُبل.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت