- د. فايز أبو شمالة
في ظل الغياب العربي، ثلاث قوى إقليمية تتنافس فيما بينها على بسط السيطرة على المنطقة، ولكل قوة أنصارها، ولكل قوة أطماعها في ابتلاع المنطقة العربية، والانتشار من خلالها إلى العالمية، والنفوذ الفكري والمادي الأوسع.
أول هذه القوى هي إسرائيل، والتي حلمت بتأسيس قاعدة انطلاق لها على أرض فلسطين، وقد نجحت في ذلك، وحلمت في توقيع اتفاقيات سلام مع الأنظمة العربية والفلسطينيين، وقد تحقق لها ذلك، وحلمت بالتطبيع مع بعض الدول العربية فامتد نفوذها حتى دول الخليج، وهي تسعى اليوم إلى إدارة الوعي العربي من خلال غرف تحكم خاصة في تل أبيب، وتقدم نفسها على أنها الحليف القوى القادر على تثبيت أنظمة الحكم في البلاد العربية، والكفء لدعمها وإسنادها في مواجهة القوى الإقليمية الصاعدة.
وثاني هذه القوى هي إيران، والتي نجحت إلى حد ما في تأسيس قواعد جماهيرية وعسكرية لها في بلاد العرب، امتدت من العراق حتى البحر المتوسط والبحر الأحمر، وإذا كانت إيران قد حلمت في إقامة إمبراطورية تستند على تحالف عدة دول إسلامية، تكون لها الكلمة العليا في المنطقة، وتتصدى للهيمنة الإسرائيلية، والسطوة الأمريكية، إلا أن هذا الحلم الإيراني قد اصطدم بصخرة التحريض الإسرائيلي، الذي نجح في تحويل الخلاف الطائفي بين سني وشيعي إلى صراع عميق الجذور، تفرعت عنه حالة من الشك والفزع بين البلاد، وهذه الطائفية شكلت الذريعة لبعض الأنظمة العربية كي تتقرب من إسرائيل علانية، وتتحالف معها سراً.
وثالث هذه القوى هي تركيا، والتي واتتها الفرصة الاقتصادية للتمدد في بلاد العرب، وفرضت عليها الجغرافيا السياسية ان تتدخل في بلاد الشام والعراق، وأن تزاحم في صناعة القرار، وقد ولاحت لها فرصة سياسية لتتقدم خطوة باتجاه شمال إفريقيا، وهي في حرب مفتوحة مع تحالف دول عربية وغربية، ناظم مصالحها مستقبل العلاقة مع إسرائيل، التي وظفت أذرعها الإعلامية ضد تركيا، وجعلت منها شيطاناً أسوا من شياطين إيران الطامعين بالمنطقة، وإذا كانت الدعاية الإسرائيلية قد نجحت في شيطنة إيران الشيعية، فإن أجهزة الإعلام الإسرائيلية نفسها لم تجد سبيلاً لشيطنة تركيا النسية إلا من خلال الطعن بالخلافة العثمانية، ومن ثم الطعن بتاريخ خلفاء الدولة العثمانية أنفسهم، حتى صار الخليفة محمد الفاتح هو الإرهابي، وهو العدو الأول للدول العربية، ليصير نتانياهو هو الإنساني والحبيب والصديق للأنظمة العربية، وقد صار السلطان سليم الأول هو القاتل والإرهابي الفاجر، وصار شارون ومناحيم بيجن وشامير هم رجال السلام، وهم موزعو الأمن على بلاد العرب مع حليب الصباح.
إنه الصراع السياسي الذي أدركت أبعاده كل من تركيا وإيران مبكراً، لذلك تجاوزت الدولتان الخلافات الطائفية بينهما حين اعتبرت كل من الدولتين أن إسرائيل هي العدو الاستراتيجي لكل دول المنطقة، وأن إسرائيل الدخيلة لا ترى بالدول العربية إلا سيفاً صدئاً تجرده للطعن بتركيا وإيران.
الصراع بين القوى الثلاث سيظل قائماً، والمعارك الدائرة على أرض العرب لن تحسم سريعاً، بل ستشهد بلاد العرب المزيد من نزف الموارد و الدماء الهادف إلى إشغالهم عن عدوهم الحقيقي محتل أرضهم، ليشتبكوا في حرب عبثية مع إيران مرة، ومع تركيا مرة أخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت