تحدثت شبكة الإذاعة الأمريكية ((أيه بي سي)) مؤخرا عن دراسة جديدة نُشرت على منصة "داش" الأكاديمية بجامعة هارفرد تشير إلى أن وباء فيروس كورونا الجديد قد يكون انتشر في أوائل شهر أغسطس من العام الماضي في مدينة ووهان الصينية.
وسرعان ما خرج العديد من العلماء لدحض هذه الدراسة. وقال مايكل رايان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، يوم الأربعاء، إن الدراسة يجب ألا تبالغ في تفسير التغيير في عدد السيارات في مواقف السيارات بالمستشفيات في ووهان وربطها بالوباء.
وفي واقع الأمر، فقد ذهبت الدراسة، التي لا تقوم على أي أسس، إلى ما هو أبعد من مجرد تفسير نتائجها المحدودة.
فبادئ ذي بدء، أصبحت هذه الدراسة المتحيزة للغاية، عن قصد أم لا، متواطئة في حملة شرسة لتشويه سمعة الصين وجعلها كبش الفداء والتي تشنها حفنة من الناس في الولايات المتحدة. وقد تم بالفعل استغلال هذه الدراسة على نطاق واسع من قبل بعض السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية كدليل جديد لإثبات زعم افتقار الصين للشفافية في هذا الوباء. وبدا أن أولئك الذين عملوا في الدراسة قفزوا بالفعل إلى استنتاجاتهم حتى قبل بدء المشروع.
كما أن الورقة البحثية، التي اكتفت باستخلاص استنتاجاتها من عدة صور من الأقمار الصناعية واستعلامات البحث على الإنترنت، مليئة بالثغرات والأخطاء الوقائعية، ولا تتماشى بأي حال من الأحوال مع المعايير المطلوبة في البحث الأكاديمي الجاد.
إحداها أن منصة "داش" الأكاديمية ليست سوى قاعدة بيانات مفتوحة لجمع المواد البحثية لكليات البحث بجامعة هارفرد، وليس المجلات الخاضعة لاستعراض الأقران. وهكذا، فإن هذه الدراسة بعينها ليست أكثر من منشور في غرفة الدردشة الإلكترونية العامة، وهي بعيدة عن تمثيل المعايير الأكاديمية لكلية الطب بجامعة هارفرد.
وعلاوة على ذلك، ساهم أحد مؤلفي البحث أيضا في المقالة التي نشرتها شبكة ((أيه بي سي)) التي تغطي الدراسة حصريا. وقد أثارت هذه "المصادفة" شكوكا حول النية الكامنة وراء التغطية.
وما هو سخيف أيضا هو أحد الأدلة الرئيسية التي ساقتها الدراسة لإثبات صحة زعمها. فقد حاولت الصحيفة أن تجادل في وجهة نظرها من خلال استحضار تواتر البحث عن كلمتي "السعال" و"الإسهال" في شهر سبتمبر من عام 2019 على محرك البحث الصيني "بايدو". مع ذلك، وجدت أبحاث أخرى أن زيادة عمليات البحث عبر الإنترنت عن هاتين الكلمتين المفتاحيتين في نفس الشهر من عامي 2017 و2018 قد تجاوزت ما تم تسجيله في سبتمبر من العام الماضي. لذا من خلال منطقهم السخيف، ربما وباء كوفيد-19 قد يكون تفشى منذ سنوات عديدة.
ولعل الجانب الأكثر ضررا في الدراسة هو أنها روجت لمعلومات كاذبة للعامة، ونشرت "وباء بحثيا" وسط وباء كوفيد-19 في وقت يمكن فيه أن تكون المعلومات المضللة أكثر فتكا من الفيروس نفسه.
وذكر تقرير لوكالة أنباء ((رويترز)) مؤخرا بأنه "في حين أن التحليل العلمي السريع مفيد للغاية إذا كان جيدا، فإن المعيب أو المضلل منه يمكن أن يبث الذعر ويجعل وباء المرض أسوأ عن طريق الترويج لخطوات سياسة خاطئة أو تشجيع سلوك محفوف بالمخاطر".
في الوقت الحالي، أصاب العامل الممرض القاتل بالفعل أكثر من 7.6 مليون شخص وحصد أرواح أكثر من 420 ألف شخص في جميع أنحاء العالم.
وهذه لحظة يجب فيها على العلماء والباحثين الأكاديميين التعامل مع وظائفهم بطريقة حصيفة، واستخدام خبراتهم للمساعدة في دحر المرض في أقرب وقت ممكن. وأي تصرف من نوعية "الوباء البحثي" مثل هذه المسماة بدراسة هارفرد لن يكون سوى إهانة للعلم وعار على الباحثين أنفسهم.