في مواجهة مشروع الضم، على طريق طرد الاحتلال (1/2)

بقلم: فهد سليمان

فهد سلمان
  • فهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

[ على امتداد ما يزيد بقليل عن ربع قرن من الزمن، بدءاً من مفاوضات مدريد – واشنطن (30/10/1991)، وحتى تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة (20/1/2017)، تناوب على ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية 4 رؤساء أميركيين: جورج بوش الأب، بيل كلينتون، جورج بوش الإبن، باراك أوباما... وجميعهم فشلوا في الوصول بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى تسوية سياسية.

رغم انحياز الموقف الأميركي البيِّن إلى الجانب الإسرائيلي، وافتقاده الدائم إلى النزاهة والشفافية والحياد معاً، فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة حرصت على الحفاظ على الحد الأدنى من الأسس والمعايير التي أبقت للدور الأميركي موقعه كوسيط مقبول، على عواهنه، من الجانب الفلسطيني الرسمي، ومنها: اعتماد حدود 4 حزيران «مع تبادل متفق عليه للأرض» كأساس لرسم الحدود؛ موقف سلبي من الاستيطان تراوح بين الليونة، كالقول إنه يشكل عقبة أمام الوصول إلى حل، (ما عنى عملياً: القبول به كأمر واقع، مع إبداء عدم الرضا عنه، أو الإحتجاج العابر عليه)؛ وبين التشدد، كالموقف الذي اتخذته إدارة أوباما في مجلس الأمن في تمرير مشروع القرار 2334 (كانون الأول/ ديسمبر 2016) دون إشهار الڤيتو لإسقاطه، وهو القرار الذي يدين الإستيطان، ويعتبره انتهاكاً للشرعية الدولية، ويؤكد على القدس جزءً من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67 ...

ومن هذه الأسس أيضاً: التمسك بالقرار 242 كأساس ومرجعية للعملية السياسية + حل قضية اللاجئين ضمن خيارات عدة، منها، إلى جانب التوطين (المرفوض بطبيعة الحال)، استيعاب الدولة الفلسطينية لأعداد منهم، مع عودة رمزية، ليس إلا، لأعداد محدودة إلى مناطق الـ 48 + حدود مباشرة لدولة فلسطين مع الأردن، وإن بوجود قوات متعددة الجنسيات على حدود الغور (مقترحات كلينتون)، أو بمرابطة قوات أميركية (مقترحات جون كيري) + القدس موحدة جغرافياً، على قاعدة تقسيم القدس الشرقية سيادياً + الخ...

لم يقتصر الدور الأميركي على ما ذكر، بل تجاوزه نحو التقدم بثلاث مبادرات، عطلتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، دون استثناء: أ) معايير (parameters) كلينتون في كانون الأول (ديسمبر) 2000، إثر فشل مفاوضات كمب ديڤيد (تموز/ يوليو 2000)؛ ب) عملية أنابوليس (27/11/2007 – مطلع شهر 12/2008) برعاية كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية في الولاية الثانية لجورج بوش الإبن؛ مبادرة جون كيري (2013-2014)، أثناء توليه مسؤولية وزارة الخارجية في ولاية أوباما الثانية.

كل هذه المواقف والمبادرات (دون أن ننسى «خطة خارطة الطريق» – 2003، التي طواها النسيان، والتي عطلتها حكومة شارون بطرح الشروط الـ 14 التي تقود إلى نسفها)، لم تُثمر ضغطاً فعلياً على الجانب الإسرائيلي، الذي تغطى بالعملية السياسية، في حالتي توقف المفاوضات أو استئنافها، لمواصلة فرض الأمر الواقع بالإستيطان. وفي الوقت نفسه وفّرت العملية السياسية للجانب الأميركي، في معادلات الأطراف العربية المعنية بالمفاوضات، ومعها الجانب الفلسطيني، ميزة موقع «راعي عملية السلام»، بالمكاسب السياسية التي ترتبت عليه.

بقيت العملية التفاوضية، والجهود السياسية عموماً، تراوح في مكانها، بالنسبة للجانب الفلسطيني، المتراجع تأثيراً في معادلة الصراع؛ بينما هي توفر فرصة تلو الأخرى للجانب الإسرائيلي لبناء وقائع ميدانية، زادت في زرع المزيد من الألغام في حقل العملية السياسية، ما أسهم بمفاقمة تعقيداتها، وانعكس كبحاً لدينامية «الوسيط» الأميركي، وضيّق عليه هوامش الحركة، وصولاً إلى عدم نجاح جهود وزير الخارجية جون كيري في رسم مسار جديد للمفاوضات، يتخطى التعنت الإسرائيلي في رفضه كل المبادرات لوقف الاستيطان، فتحوَّل عدم النجاح إلى فشل مُشهر]

(1)

إدارة ترامب... الإنعطافة الحادة

الدخول في مرحلة الضم

1- مع وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، في كانون الثاني(يناير) 2017، شهدت السياسة الأميركية في إقليم الشرق الأوسط الكبير (الممتد من سواحل شرق المتوسط وحتى أفغانستان) إنعطافة حادة، عكست نفسها بشكل مباشر وشديد الوضوح، على القضية الفلسطينية بأسس وآليات حلَها (بمعنيي الحل والتصفية في آن معاً)؛ فقد رأت الولايات المتحدة أثناء إعادة رسمها لمعادلاتها السياسية في مدى الإقليم، أن الخطر الذي يتهدد مصالحها ومصالح إسرائيل يأتي من إيران، القوة الصاعدة، المتعاظمة نفوذاً في الإقليم، فألبسته لبوس «الإرهاب»، أخذاً بتصنيفات ما بعد 11/9/2001، وعملت من أجل إقامة اصطفاف عربي على هذا النسق، ما تطلب – بدوره – التأسيس لتحالفات (وبالحد الأدنى تقاطعات) تضم تحت مظلتها إسرائيل وبعض الدول العربية.

في السياق نفسه، رأت الإدارة الأميركية أن القضية الفلسطينية تشكل العقدة الكبرى في طريق بناء التحالفات الإقليمية آنفة الذكر، وأن حل هذه العقدة يشكل شرطاً لازماً لإنجاح مشروعها. من هنا، سارعت الولايات المتحدة، في مؤتمر الرياض، في أيار (مايو) 2017، وبحضور الرئيس الأميركي وممثلي 55 دولة عربية ومسلمة إلى الإعلان، وتبني ما بات يُعرف ويُعرَّف بـ «صفقة القرن» بمساريها: الإقليمي، الرامي إلى إقامة حلف على امتداد المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني ودحره إن أمكن، ومن أطرافه إسرائيل إلى جانب بعض الدول العربية؛ والفلسطيني، من خلال التقدم على طريق حل القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي، واستتباعاً العربي – الإسرائيلي، لإزاحة العقبات أمام التطبيع العربي – الإسرائيلي، وقيام الحلف الإقليمي، مع التنويه إلى أن التطبيع، أو بناء شراكات(!)، هما التسمية الملطَّفة لعلاقات ذات طابع استراتيجي أمني واقتصادي، بين إسرائيل وبين دول عربية بعينها؛ لا بل يذهب البعض (كما حمد بن جاسم، رئيس الحكومة الأسبق في قطر) إلى أن الخطوة التالية بعد الإعلان عن «صفقة القرن»، ستكون «إتفاقية عدم اعتداء بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي»، التي ترتفع عن سوية التطبيع، دون أن ترقى إلى مستوى «معاهدة سلام».

2-■ قامت الإستراتيجية الأميركية لتطبيق «صفقة القرن» في مسارها الفلسطيني على قاعدة نسف قرارات الشرعية الدولية كأساس للتسوية السياسية، والقبول بالواقع كما هو على الأرض، كحقائق ينبغي التسليم بها لإطلاق العملية السياسية، لا بل إنجازها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد جرى تقديم هذه «الصفقة» التي تحوَّلت إلى «رؤية» يتم الإفراج عن عناصرها على دفعات، كل واحدة تقدم لما يليها، عبر 3 محطات رئيسية:

  • الأولى، في 6/12/2017، بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها (14/5/2018)، ودمج القنصلية الأميركية في القدس الشرقية في السفارة، وتحويل وظائفها إلى ملاكاتها، توحيداً للتمثيل الأميركي في المدينة، باعتبارها موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية، واعتماد السفارة القناة الوحيدة للعلاقة مع السلطة الفلسطينية، بعد أن كانت القنصلية تضطلع بهذا الدور.
  • الثانية، في 25 و26/6/2018، بانعقاد الورشة الإقتصادية في المنامة، عاصمة البحرين، تحت شعار «السلام من أجل الإزدهار»، باعتبارها الشق الإقتصادي من «صفقة القرن»، والحل الإقليمي للصراع في المنطقة، في استعادة لمشاريع أميركية سابقة وتطويرها، عبر اعتماد الحلول والرُشى الإقتصادية، مدخلاً ضاغطاً لمعالجة قضايا بعض الدول في الإقليم، وخاصة تلك الغارقة في الديون الخارجية.

أما فيما خص الجانب الفلسطيني، فإن المشروع المقدم يلتقي مع مشروع نتنياهو لما أسماه (منذ العام 2009) «الحل الإقتصادي» للقضية الفلسطينية، بدعوى أن هذا الحل يعوِّض عن التمسك بالحقوق الوطنية، فيضحى تعميم الرخاء بين الشعوب(!) هو البديل للصراع حول الأرض، والمياه، والسيادة، والحقوق الوطنية، وتقرير المصير.. في المنطقة.

وكان لورشة البحرين تداعياتها السياسية، باعتبارها شكلت مدخلاً لمرحلة جديدة من التطبيع المعلن، حين حضرت الورشة بعض الوفود العربية إلى جانب الوفود الإسرائيلية التي اتخذت لنفسها صفات مختلفة.

  • الثالثة، في 28/1/2020، بالإعلان الرسمي عن الشق السياسي لـ «رؤية ترامب» (صفقة القرن)، في مؤتمر صحفي عقده الرئيس الأميركي في البيت الأبيض بمشاركة نتنياهو، ومحورها تصفية القضية الوطنية الفلسطينية بكافة جوانبها الوطنية التحررية، في إطار حق تقرير المصير لشعب يناضل من أجل حقوقه، من خلال إقامة معازل حكم إداري ذاتي محدود الصلاحيات في جوف دولة إسرائيل الكبرى. ويشكل «الضم» العنوان الرئيسي لهذا الحل التصفوي، الذي يساوي ضم ثلث الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي.

3- تخلل هذه المحطات الرئيسية، وتبعها سلسلة من المواقف والخطوات العدائية تجاه الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، تمثلت بما يلي: أ) إغلاق مفوضية م.ت.ف في واشنطن؛ ب) قطع المساعدات الإقتصادية عن السلطة الفلسطينية؛ ج) إضفاء الصفة الشرعية على الاستيطان من خلال ما بات يُعرف بـ «عقيدة بومبيو»؛ د) الإعلان عن سلسلة مواقف تقود إلى تصفية قضية اللاجئين.

في موضوع الاستيطان، أسبغت الإدارة الأميركية عليه شرعية قانونية باعتباره «لا يتناقض مع القانون الدولي» على الضد من الرأي القانوني الصادر عن الخارجية الأميركية عام 1978، الذي يصف بشكل قاطع بوضوحه أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 «تتعارض مع القانون الدولي». وفي هذا السياق أتى تصريح مايك بومبيو، وزير الخارجية: «في ضوء الوضع الخاص الذي تنطوي عليه الحقائق، التاريخ والظروف الناشئة في إقامة مستوطنات مدنية في الضفة الغربية، نحن لن نرى بعد اليوم في المستوطنات الإسرائيلية – بحد ذاتها – per se - موضوعاً لا ينسجم مع القانون الدولي» (18/11/2019).

أما ديڤيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، فهو يمضي أبعد من هذا عندما يعتبر أن الفلسطينيين في الضفة مجرد «مقيمين»، إضافة إلى أن فلسطين هي أرض إسرائيل (في كلمته أمام مركز بيغن للدراسات، في 8/1/2020). وهذا، كما جرت الإشارة، ما بات يعرف بـ «عقيدة بومبيو».

أما في قضية اللاجئين، فقد اقدمت الإدارة الأميركية على الخطوات التالية: أ) الدعوة لإعادة تعريف اللاجيء الفلسطيني ليقتصر على مواليد فلسطين ما قبل 1984، وبالتالي نزع المكانة السياسية – القانونية عن سائر اللاجئين؛ ب) وقف المساهمة الأميركية في تمويل موازنة وكالة الغوث، والضغط على المانحين ليحذوا حذوها بهدف الوصول إلى تجفيف مواردها، ونقل وظائفها وخدماتها إلى الدول المضيفة؛ ج) الضغط على الأمم المتحدة بعدم التجديد لتفويض الوكالة، عملاً بالقرار 302، ما يؤدي إلى حلها رسمياً.

4-■ الإعلان عن «رؤية ترامب» في 28/1/2020، نقل موضوع الضم في الحياة السياسة الاسرائيلية من الهامش إلى المتن، وشهدت تلك السياسة القائمة على الإستعمار الإستيطاني، أي الإستيلاء على الأرض كأولوية مطلقة، نقلة، اتسمت بمزيد من السُعار في نزعتها التوسعية.

لم تتوقف الإدارة الأميركية عند حدود مباركتها للضم، الذي وسَّعت دائرته ليشمل أراضي الجولان السوري المحتل عام 67، بل انتقلت إلى كونها شريكاً في رسم الخرائط من خلال اللجنة المشتركة الأميركية – الإسرائيلية التي عُهد إليها، بدءاً من 15/2/2020، رسم خطوط الضم في أنحاء الضفة، والفواصل بين مناطق إسرائيل الكبرى، وبين «الكيان الفلسطيني» المحتجز خلف قضبانها.

ورداً على المواقف الدولية التي أجمعت على رفض الضم من روسيا إلى الصين، مروراً بالاتحاد الأوروبي والطيف الأوسع دولياً، تحدى وزير خارجية الولايات المتحدة إرادة المجتمع الدولي (13/5/2020) بالإدعاء: «أن من حق إسرائيل أن تقرر فرض سيادتها على المستوطنات».

وهكذا تكون القضية قد دخلت مرحلة الضم، ليس في حدود الإعلانات السياسية لأركان الإدارة الأميركية ولبنيامين نتنياهو فحسب، بل أصبح مشروع الضم هو خطة عمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بين الثنائي نتنياهو – غانتس، تم التأكيد عليه في أول إجتماع لها في 17/5/2020، وعلى أساسه نالت ثقة الكنيست بـ 73 صوتاً، وقد أعلن نتنياهو شهر تموز(يوليو) 2020، موعداً للبدء في تنفيذ المشروع، دون أن يعني ذلك أن سلسلة إجراءات إدارية وميدانية لم تسبق هذا الموعد، وبدأت تمهد له، ومنها على سبيل المثال، ربط المستوطنات في الضفة الفلسطينية ببعض وزارات حكومة الاحتلال مباشرة، كشكل من أشكال بسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات؛ كما شرعت الإدارة المدنية للاحتلال في فتح خطوط العلاقة اليومية مع بعض بلديات الضفة، كاستيفاء رسم الكهرباء والماء مباشرة منها، وليس عبر منسق الإدارة المدنية في حكومة السلطة. ومن هذه الدلالات، أيضاً، تحريم رفع العلم الفلسطيني في مناطق الأغوار، والشروع في هدم عدد من الأبنية والمنازل وتهجير سكانها في سياق تقليص الوجود الفلسطيني في المناطق المرشحة للضم.

5- تتهيأ إسرائيل لضم مناطق في الضفة الغربية بأسلوب تدرجي، يبدأ بالكتل الاستيطانية الرئيسية (أريئيل، غوش عتسيون، معالي أدوميم، ...)، ضمن تقدير أن ردود الفعل الخارجية على هذا الضم ستكون قابلة للامتصاص، كون الكتل المذكورة تنتمي إلى فئة الأراضي التي ستؤول إلى إسرائيل في إطار عملية «تبادل الأراضي»، المسلم بها – حتى من الجانب الفلسطيني المفاوض - كأحد مرتكزات الحل التفاوضي، حتى لو اعترض الجانب الفلسطيني على هذا، متذرعاً بمنطق: «مالم نتفق على كل شيء، لا نكون قد اتفقنا على شيء»، الذي يبقى تأثيره متواضعاً في عالم تقرر فيه نسبة القوى، وتحسم بمخرجات السياسة.

في كل الأحوال، فإن الدخول إلى مرحلة الضم التي تختلف نوعياً عن كل ما سبقها، سيخلق وقائع جديدة، فهو:

أ ) يغيِّر في الواقع القانوني والسياسي والعملي للمستوطنين ولمناطق الضم، التي كانت تحت الحكم العسكري، وليس للتشريع الإسرائيلي مفعول مباشر فيها (بما فيه المستوطنات)، فيضحى القانون الاسرائيلي يسري عليها كما يسري في دولة إسرائيل، الأمر الذي – من بين أمور أخرى – يُسَهِّل إجراءات مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع خارطة الإستيطان.

ب) يغيِّر في واقع السلطة الفلسطينية، لجهة تقليص مساحة ولايتها وصلاحياتها الإدارية، وتشجيع المواطنين الفلسطينيين، تحت قوة الأمر الواقع، لتجاوز مؤسسات السلطة ووزاراتها، والتعامل مباشرة مع الإدارات الإسرائيلية في ظل وضعهم «القانوني» الملتبس، كمقيمين على «أرض» إسرائيل. وهذا يعني – في المدى المنظور على الأرجح – المزيد من التقليص في صلاحياتها، ودورها، ووثوق علاقتها بمواطنيها.

ج) يغيِّر في العلاقة مع بلدان الجوار، وبشكل خاص مع الأردن، خاصة بعد أن تتحول الحدود بموجب القانون الإسرائيلي إلى حدود أردنية – إسرائيلية، وليس إلى حدود أردنية - فلسطينية؛ وكذا الأمر بالنسبة لعلاقة غزة مع مصر.

د) سينعكس سلباً على استقرار عدد من بلدان الجوار المباشر، كما وعلى أوضاع اللاجئين في الدول المضيفة على ضوء رد فعل هذه الدول على الوقائع المستجدة، التي تؤشر إلى تعزيز فرص تطبيق مخطط التوطين (وفي امتداده التهجير)

 

 

(2)

الرد الفلسطيني في حسابات المؤسسة الوطنية

 [ قبل الإنتقال إلى معاينة الرد الفلسطيني على قرار الضم، نجد فائدة من استعادة وقائع قريبة العهد، بغرض تسليط الضوء على ما يجب تجنبه في المواجهة الحالية لمخطط الضم شديد الخطورة، باعتباره أعلى مراحل الاستعمار الاستيطاني، القائم على الاستيلاء على الأرض أولاً وأخيراً، و«التخفف» من أعباء الأصلاء من أبنائها؛ ومن هذه الزاوية بالذات لا يختلف الاستعمار الاستيطاني بطبعته الصهيونية، عن طبعات أخرى شهدها التاريخ في الأميركيتين، واستراليا، ونيوزيلندا، وجنوب إفريقيا، وروديسيا، والموازمبيق، والجزائر، ... في تعاطيه مع أبناء البلد الأصليين، حيث ميزان القوى المحلي، والإقليمي، والدولي، هو الذي كان يحسم بمآل الصراع: تطهير عرقي كما في حال الأميركيتين؛ أم نزوح المستوطنين الغزاة كما في حال الجزائر، روديسيا، الموازمبيق؛ أم عيش مشترك بين مختلف المجموعات العرقية، تندمج بمكوناتها تحت مظلة «الوطنية الدستورية» في صيغة شعب واحد على قاعدة المواطنة، والمساواة في الحقوق والواجبات، كما هو حال جنوب إفريقيا؛ أم أي صيغة أخرى، فبطن التاريخ ولاّد كما نعلم، ولكننا نؤكد أن معطيات الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مهما تَعَرَّجت مساراتها يميناً أو يساراً، أو تموَّجت صراعاتها هبوطاً أو نزولاً، فهي تؤشر في محصلة خطها الرئيسي إلى تقدم الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وانتصارها في نهاية المطاف مهما بلغت الصعوبات التي يواجهها راهناً:]

بعد توقف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بشكل كامل في نيسان (إبريل) 2014، احتل موضوع العلاقة مع سلطة الاحتلال والاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل موقعاً متقدماً على جدول أعمال الهيئات القيادية لمنظمة التحرير. وفي هذا السياق أتت القرارات ذات الصلة التي صدرت تباعاً عن دورات المجلس المركزي: الـ 27-5/3/2015؛ الـ 28-15/1/2018؛ الـ 29- 17/8/2018؛ الـ 30- 29/10/2018. (راجع النص الكامل لهذه القرارات في الفصل بعنوان: «في تحديد العلاقة مع سلطة الإحتلال – قرارات المجلسين المركزي والوطني»، ص 239-245 من كتاب «ملفات فلسطينية (1/2): اللاجئون.. المجلس المركزي»، الذي يحمل الرقم 36 في سلسلة «الطريق إلى الإستقلال»، الصادر عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف)، ط1: كانون الثاني(يناير) 2020).

وفي السياق نفسه، نشير إلى القرارات بالغة الأهمية التي صدرت عن الدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني (30/4/2018)، ومنها ما ورد تحت عنوان «ثانياُ- العلاقة مع سلطة الاحتلال (إسرائيل)» - الفقرة 2، القائمة على 8 بنود، لا يقل أي بند منها أهمية عن الآخر، نكتفي بإيراد نص 4 بنود منها، لمدلولها الساطع: «(...) إن المجلس الوطني:

« أ) يعلن أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات، لم تعد قائمة.

« د) يكلف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران(يونيو) 67، وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.

« ه) يؤكد على وجوب تنفيذ قرار المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين (الـ 27، والـ 28) بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله والتحرر من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس، بما في ذلك المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الاحتلال، بما يدعم استقلال الاقتصاد الوطني ونموه، ويؤكد المجلس ضرورة التزام اللجنة التنفيذية ومؤسسات دولة فلسطين بالمباشرة في تنفيذ ذلك.

« ج) تبني حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها ودعوة دول العالم إلى فرض العقوبات على إسرائيل (B.D.S) لردع انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، ولجم عدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني».

وقد شكلت في حينها، لتطبيق هذه القرارات، وبالتتابع، 9 لجان، بقيت حصيلة عملها معلقة وحبيسة الأدراج، لأسباب تلاقت فيها عوامل عدة، منها الذاتي: الإفتقاد إلى الإرادة السياسية، الإنقسام، عدم وجود مركز قيادي واحد لعموم الحركة الفلسطينية قادر على تحمل مسئولية إدارة معركة فائقة التعقيد؛ ومنها الموضوعي، الناجم عن طبيعة بنية السلطة الفلسطينية، الخاضعة في القضايا الرئيسية الضرورية لحياة أي مجتمع وأي كيان سياسي لقرار الاحتلال؛ ومنها أخيراً، الظرف السياسي السائد عربياً وفي الإقليم، والذي يتوزع بين متساوق مع السياسة الأميركية، أو العاجز عن مواجهتها، أو المستغرق بشئونه الداخلية، الخ...

 

حزيران (يونيو) 2020

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت