- علي ابو حبلة
من مساوئ اتفاق أوسلو أنه أفرز نخب سياسية واقتصادية تتباهى في استعراض امتيازاتها وثرائها تحت سماء احتلال استيطاني قاهر ومتوغل.
ولا بد من الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى، في الضفة الغربية وقطاع غزة، تعي تمامًا أن استقرار وضعها المعيشي وأسلوب حياتها يرتبط على نحو مباشر وغير مباشر بوجود مؤسسات السلطتين (في الضفة والقطاع)، رغم أن غالبية السكان لا تزال عرضة للقمع والإرهاب والإذلال الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون المسلحون، ويعانون بسبب افتقارهم إلى العيش الكريم والمستقبل المهني بالإضافة إلى غياب الحل الوطني عن الأفق المرئي.
ولا يزال التطهير الإثني بحق الفلسطينيين المقدسيين، سواء بالطرد أو سحب الرخص أو غيرها من الأساليب، مستمرًا بلا هوادة. ومخطط الضم وفرض السيادة الاسرائيليه سيحول الضفة إلى نظام عنصري ابرتهايد جديد يستنسخ فصول الفصل العنصري من جنوب إفريقيا لقد هيأت هذه الظروف الوضعَ في مناطق السلطتين لحالة تفجر قابلة للاشتعال في أية لحظة.
ولكن بما أن منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات السياسية والقطاع الخاص ومعظم تشكيلات المجتمع المدني لم تحشد أو لم تستطع أن تحشد الجماهير لمواجهة الاحتلال، وهذا ما لمسناه في قرار ترمب الاعتراف في القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية لإسرائيل وفرض السيادة على الجولان وإعلان صفقة القرن والخروق المتتالية على غزه، وباتت الهبات الشعبية ا تكتسب السمةُ المحلية والفردية وافتقارها إلى قيادة ورؤية وطنية موحدة.
لقد تراجعت مكانة القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا، وقد تفاقم هذا الوضع جراء الحروب الداخلية والخارجية التي يشهدها عدد من البلدان العربية. الثقافة تزدهر وتحتضن الهوية الوطنية وأضحى الشعب الفلسطيني اليوم بحاجه لرؤية وطنيه وإستراتيجية تعيد للفلسطيني ثقته بنفسه، أوسلو أفرغ القضية الفلسطينية من مفهومها السياسي وحول السلطة لمشروع توظيف ورواتب ومكاسب وتصريحات ووعود ليس إلا بتنا بلا دولة ذات سيادة وبلا وبلا. ومع ذلك، تملك الوطنية الفلسطينية حيوية متميزة، ويعود الفضل في ذلك إلى الدور الثقافي في الحفاظ على الرواية الفلسطينية وإثرائها.
إن دور الحركة الثقافية في الحفاظ على الرواية الفلسطينية والانتماء الوطني القومي، دورٌ قديم ومتواصل. ففي أعقاب إعلان دولة إسرائيل في 1948 وهزيمة النخب السياسية والحركة الوطنية آنذاك، حافظت الأقلية الفلسطينية في إسرائيل على هويتها الوطنية والقومية من خلال النشاط الثقافي ولا سيما في مجالات الشعر والقصة والرواية والمسرح ولاحقًا الغناء والسينما.
لقد سجل الكاتب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني هذا الدور المتميز مبكراً في كتابه «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966» المنشور في بيروت عام 1968. ومن الشخصيات الأدبية الرئيسية التي ساهمت في الحفاظ على الهوية الوطنية وإثرائها الشاعر محمود درويش، والشاعر سميح القاسم، ورئيس بلدية الناصرة والشاعر توفيق زيَّاد، والكاتب إميل حبيبي، كما يتجلى في أعماله كرواية المتشائل، وحين أبقت إسرائيل الفلسطينيين تحت الحكم العسكري في عقدي الخمسينات والستينات، ساهمت الأعمال الأدبية والثقافية والفنية في تعزيز وحماية الهوية والرواية الوطنية الفلسطينية (والعربية)، حيث وصلت هذه الأعمال إلى جميع أنحاء العالم العربي وما وراءه، وساهمت، وما زالت، في إرساء صلات ثقافية جامعة بين مكونات الكل الفلسطيني وفضائه العربي.
على ضوء تطورات القضية الفلسطينية بتنا بحاجه لفهم جديد للعمل السياسي مغاير لما هو سائد، ويمكن لمح مؤشرات أولية عن الفهم الجديد المطلوب في ثنايا اللغة الآخذة في التبلور بين القوى الشبابية وفي العلاقة بين القوى السياسية الفلسطينية داخل الخط الأخضر. وهي لغة تشير إلى تعمق الوعي باستحالة التعايش مع الصهيونية كأيديولوجية عنصرية وكنظام استيطاني عنصري ينكر ويجرّم الرواية التاريخية الفلسطينية.
ولأن بناء حركة سياسية جديدة لن يكون أمرا سهلا نتيجة نمو مصالح فئوية، وبسبب الخشية من ممارسة الديمقراطية (كإجراءات وقيم)، فلا بد من إعادة تقييم مرحلة أوسلو والخروج من الفئوية وأصحاب المصالح والإمبراطوريات ألاقتصادية بمشاركة أوسع لكل القوى وأفراد المجتمع ومؤسساته ضمن رؤيا وطنيه تحتكم لاستراتيجية وطنية جامعة ببرنامج سياسي يقودنا جميعا للتحرر من الاحتلال وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال والتحلل من عقد العداء والفئوية الحزبية والفصائلية الضيقة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت