- بقلم : محمد علوش *
في غفلة من هذا الواقع الاستثنائي والمنعطف التاريخيّ الذي تمر به القضية الفلسطينية ، وحالة القلق والترقب والاستعداد للمواجهة المفتوحة مع الاحتلال ، وفي ظل تنامي الهجمة الاحتلالية المسعورة التي تستهدف الأرض الفلسطينية والوجود الفلسطيني عليها وتقويض حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس ، والتي قدم الشعب الفلسطيني التضحيات الجسام في سبيل الوصول إلى هذا الهدف الوطني المنشود ، ومن أجل تحقيق الحرية والاستقلال الناجز ، فان أكثر ما أخشاه هذه الأيام بأن تضل الدروبُ دروبها ، وأن يتم إحداث أي تراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ارتباطاً بالأحداث السياسية العاصفة وسياسات الاحتلال الرامية إلى ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية .
إن أخطر ما يواجهنا اليوم من تحديات متتالية ، عدا عن التحدي الأكبر المتمثل في الاحتلال وسياساته وإجراءاته ، يكمن في التساوق مع المشاريع التي تريد أن تنقلب على أي منجز وطني له علاقة بالحياة الاجتماعية والأهداف الاجتماعية التي تعنى بقضايا المرأة والمجتمع وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والنضال من أجل الحريات العامة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمطلبية وبناء أسس العدالة الاجتماعية .
علينا أن نؤكد بشكل واضح تمسكنا بما تم انجازه من تراكمات على صعيد التطور الاجتماعي وصون القيم الاجتماعية وترسيخها ، وأن تكون هناك قوانين وتشريعات عصرية تتعلق بالأسرة ، ورفض كل أشكال التمييز والعنف وتليق بالمجتمع المدني الفلسطيني الذي يمثل نموذجنا في هذا المقال .
فما هو العنف الذي نحذر منه وندعو لرفضه ومواجهته بالطرق القانونية المشروعة وبشكل سلمي يعزز من دور ومكانة المجتمع ككل ؟؟
يُعرّف العنف على أنه : " سلوك إنساني أو نمط من أنماط هذا السلوك يوصف بأنه عدواني يلحق ضرراً مادياً ومعنوياً بمن يقع عليه هذا السلوك ، غير أن ما يهمنا هو الوقوف عند ظاهرة السلوك العنيف تجاه النساء التي أصبحت ذات أولوية على المستوى المجتمعي والمؤسساتي والدولة لما تلقي بظلالها على تنمية الأفراد وتطور المجتمعات " .
ويواجه المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات تحديات كبيرة في مواجهة هذه الظاهرة ، ويزيد الاحتلال الإسرائيلي والعنف الممنهج الذي يمارسه ضد أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم وجنسهم عبئاً كبيراً على السياسات والإجراءات التي تحاول المؤسسات الفلسطينية المختصة رسمها للحد من هذه الظاهرة ، فما ينتهجه الاحتلال من سياسة تفقير وعوز وقهر وتدمير للأفراد ، تجعل من حدة العنف وتركيبته أمراً يصعب مواجهته ، حيث تتعرض النساء في ظل الاحتلال إلى عنف متزايد ، أهمه يكمن في التهديد بالأمن وفقدان الحماية ، الأمر الذي ينعكس في حرمان النساء من الكثير من الحقوق الأساسية في حياتهن ضمن مجتمع فلسطيني يضع حماية النساء وصونهن منذ بداية مقاومته للاحتلال بمقام الأرض والتحرر ، فما يقوم به الاحتلال من إجراءات وسياسات عدوانية ، كلها تؤثر بشكل كبير على حرية الحركة والتنقل للمرأة الفلسطينية وتمتعها بحقوقها في التعليم والصحة والعمل وغيرها من القضايا الحياتية اليومية للمرأة التي تحجم وتحدد دور المرأة في المشاركة مع الرجل في الحياة العامة .
والى جانب واقع الاحتلال ومرارته هناك قضايا مجتمعية تتعلق ببنية المجتمع وتقسيماته ، وهي تساهم بشكل واضح في تصاعد العنف ضد المرأة ، كالعوامل الثقافية والتنشئة الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعاتنا ، في ظل مجتمع يؤمن باختلاف الأدوار (( الحقوق والواجبات )) ، وينعكس ذلك في العلاقات والمسؤوليات ومكانة المرأة والرجل والتي تحدد اجتماعياً وثقافياً ، حيث نجد أن هناك (عقد) غير معلن بين النساء والرجال (( اتفاق قائم على أساس النوع الاجتماعي )) ، فالنساء " مقابل ما يسمى بطاعتهن لأزواجهن يحصلن على (النفقة ) وتوفير احتياجاتهن ضمن إطار الزوجية ، أما النساء المقيمات لدى عائلاتهن ممن لم يرتبطن بعلاقة زوجية أو انتهت هذه العلاقة وعدن إلى بيوت أهلهن كما هو متعارف عليه ، فإنهن يقدمن الولاء والتنازل عن حقوقهن في الميراث مقابل توفير الحماية ، وبكل الحالات النساء يفرض عليهن التنازل ليعشن ، وفي حالة خرجن عن هذا العقد يكون مصيرهن القتل ، حيث لا زال قتل النساء في مجتمعنا أحد أهم المخاوف التي تواجهها النساء وتتحدها على المستوى الاجتماعي والتشريعي ، الذي يتسامح مع هذه الظاهرة ومرتكبها دون إيجاد رادع قانوني يوقف هذه الجريمة " .
ويقودنا ما سبق إلى حقيقة واقع الاختلاف الذي يفرض على المرأة بسياق مجتمعات تسودها (الذكورية المطلقة) بكل معاني التمييز والتفضيل ، وعليه فان العنف القائم على نوع الجنس (( النوع الاجتماعي )) هو انتهاك لحقوق الإنسان وشكلاً من أشكال التمييز وعدم المساواة ، ويساهم بعلاقات القوة الغير متكافئة بين الرجل والمرأة وتعزيز الأدوار التقليدية للجنسين ، وبالتالي ازدياد العنف القائم على النوع الاجتماعي ، ومن هنا يبدأ إنتاج الكثير من المشاكل المجتمعية التي تعمل على تحديد ما هو مناسب للمرأة وما هو مناسب للرجل ، وبالتالي تحديد ما يقومون به ، وينعكس ذلك من خلال السيطرة على أدوار النساء ليصل لحد المنع والإجبار إلى جانب الحرمان .
العنف المبني على النوع الاجتماعي حقيقة عالمية تعيشها المجتمعات بغض النظر عن الطبقة والتداخل والثقافة وهو ينبع من النظام الأبوي السائد في مجتمعاتنا حيث يشكل الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي محددات تساهم بنوعية التحكم في العلاقة بين الرجل والمرأة والأدوار الاجتماعية التي تكون بالغالب المرأة مضطهدة وثانوية لكونها امرأة .
هناك أهمية كبيرة لإطلاق حوار شامل يرتقي إلى مستوى النقاش والبحث المعمق للوصول إلى أرقى القوانين والتشريعات الناظمة للمجتمع بما فيها قانون ((حماية الأسرة من العنف)) والذي يشكل إقراره انجازا وطنيا مهماً ومساراً في الاتجاه الصحيح لتصويب الأخطاء الجسيمة التي ترتكب في المجتمع بحيث يستند القانون للمعاهدات الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني وإعلان الاستقلال كمرجعيات أساسية لأي قانون فلسطيني .
آن الأوان أن تتحلى القوى السياسية والاجتماعية والحركات والقوى النسوية والمؤسسات الحقوقية بالمسؤولية وان تتضافر الجهود لتحقيق منجزات عملية ملموسة يستحقها الشعب الفلسطيني وتستحقها المرأة الفلسطينية .
- عضو اللجنة المركزية في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت