- بقلم : ميساء أبو زيدان.
يخال العديد الفلسطيني أن تحرك أي بلدٍ عربي تجاه المستجدات على الساحة الفلسطينية مردّه إلى مصلحة تلك الدولة فقط؛ في اجترارٍ عقيم لتلك العقلية المُصابة بالجمود والتي سيطرت ولا زالت على مدارك وتوجهات العديد. كما جاء بتفسير البعض لحراك الأردن والمواقف التي أبداها مؤخراً الملك الأردني (عبد الله الثاني ابن الحسين) تجاه رؤية الرئيس الأميريكي دونالد ترامب بخصوص تحقيق السلام والازدهار في المنطقة! التي تعكس حقيقةً توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف وتسعى لتنفيذ مشروعه الإقتلاعي التوسعي. وهنا يحضُرنا كيف أكدّ الفلسطينيون ومنذ انطلاقة ثورتهم المعاصرة على أن المصالح والقضايا العربية هي مصالح وقضايا الفلسطينيين كون فلسطين هي قضية العرب المركزية إدراكاً لا شعاراً.
الأمر الذي لا يقل أهميةً هو أن الفلسطينيين كما العرب راكموا من التجارب خلال القرن المنصرم ما يدفعهم لمراجعة مرتكزات سياساتهم وتوجهاتهم، خاصةً بظل ما تشهده المنطقة العربية منذ بداية العقد الأخير من أحداثٍ عصفت بها تحت مسمياتٍ عديدة حملت مضموناً واحداً ألا وهو استباحتها لصالح قوى عالمية وأطرافٍ في الإقليم. في المقابل ورغم سوداوية المشهد المخيّم على أقطارنا بِفعِل الأحداث والمآسي التي تعانيها ومستوى التردي في الأداء حيث الجميع منغمس بالأزمات إلا أنه العديد من المواقف تؤشر لبداية تبلور حقبةٍ جديدة في تاريخ منطقتنا العربية باتجاه تطويرٍ سيطال لا محالة الإرادة والسياسات المرتبطة بتحديد العلاقة مع المحيط إقليمياً ودولياً تجاه مختلف القضايا، الحال الذي نلمسه عبر مواقفٍ شعبية عديدة تُرجمت بمختلف الوسائل والمناسبات وكانت فلسطين حاضرة فيها.
من الطبيعي أن يُصاب الفلسطيني كما العربي بجبالٍ من الإحباطات حيث إنسانه هو المُستهدف الأول من هذا كله؛ فهو المُستهلِك لِما تنتجه تلك القِوى والأطراف الطامعة في منطقتنا من سلعٍ على اختلاف مجالاتها ومكوناتها بظل أداءٍ ذاتيّ ركيك، لكنه لا يعكس أبداً فقدان الإرادة والإيمان بالحق وقدسية كرامة الإنسان، الأمر الذي أبرزته مثلاً إدارة الأزمة الناتجة عن جائحة الكورونا. عديدةٌ هي المشاهد التي تُدلل على ذلك ابتداءًا من العراق النازف شرقاً مروراً بلبنان المصلوب وصولاً للمغرب العربي الصامد في وجه المخطط الجديد الإقليميّ الصبغة، إلا أن تلك المشاهد لم ترق لهذا اليمين الإسرائيلي المتطرف فكراً ونهجاً المتخلف إنساناً وقيماً ولَداعميه لهذا تتدفق حملاتهم عبر الماكينات المختلفة لتأتي على هذا الإنسان المُستّنزف. ومع ذلك يدرك القادة العرب كما النخب والشعوب بأنه لا يمكن للمُكوّن الغريب بينهم بأن يأتي على حساب كرامة الفلسطيني وحقوقه الوطنية أو أن يتمدد. ذات الرسالة حملها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في زيارة سريعة إلى رام الله، معتمراً صدره بالإيمان الراسخ بأنه لا يمكن لوحدة الموقف تجاه قضايانا المشروعة أن تُهزم مهما بلغ حجم الأثمان التي ستُدفع.
لفلسطين أكد الأردن ثبات موقفه الرافض لكل ما من شأنه المساس بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني عبر زيارة وزير خارجيته التي جاءت تجسيداً حاسماً لمواقف الملك (عبد الله الثاني ابن الحسين) وتتويجاً لمجموع الجهود التي تبذلها القيادة الأردنية وفي كافة المحافل تصدياً للمخططات التي أعلنتها إدارة البيت الأبيض وصاغتها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف. في رام الله اجتمعت القيادتين الفلسطينية والأردنية اليوم بعيداً ببضعة كيلومترات عن مستعمرة (بيت إيل) لتؤكدان على أن الجهود المشتركة بين الجانبين ستستمر وبأن كافة الخطوات المُتخذة لِوقف الانتهاكات الإسرائيلية ولجم محاولات اليمين الإسرائيلي المتطرف إدامة الصراع والنزاع في منطقتنا العربية، ستمضي وبذات المستوى من التنسيق بين القيادتين في فلسطين والأردن.
رسالة الملك (عبد الله ابن الحسين) حملت في طياتها تأكيداً على أن ما يبذله الأردن من مساعٍ يأتي بالتلازم مع جهود الأشقاء العرب التي تعمل لإرساء السلام الشامل والعادل في المنطقة المُرتكز على تلبية الحق الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية الكاملة بعاصمتها القدس المحتلة على حدود الرابع من حزيران 1967، اليوم تسلم الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) رسالة الأردن للشعب الفلسطيني بأنه مهما بلغت الضغوط والمحاولات لضرب علاقة الفلسطينيين بأشقائهم إلا أن المصير مشترك والصمود سيكون أيضاً مشترك ففلسطين ليست وحدها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت