- بقلم: فراس ياغي
أذكر انه كان لنا بوصلة وكان لنا مركز، أذكر يوما وقفت على مسرح الجامعة وقلت "فلسطين اكبر من كلّ الأحزاب...إهتفوا لفلسطين...وإرفعوا علم فلسطين ..بوصلتكم لتكن فلسطين...هي أكبر منكم كأحزاب وهي تجمع الكل الحزبي وغيره"، ذكريات إنتابتني وأنا أتابع حالتنا التي تشبه لحد بعيد قصة فيروس "كوفيد 19" ينتشر بسرعة ويكتنفه غموض طبي ولا دواء له حتى الآن، لكن الفرق بينه وبين الحالة السياسية الفلسطينية أن هناك أمل قادم بإختراع دواء شافي "فاكسين"، بينما حالتنا لا "فاكسين" لها، وحتى الآن لا أحد يفكر بأنها بحاجة عاجلة للدواء الشافي الذي يُشفي مرضى الإنقسام ومرضى الفكر الواحد، فكر الهيمنة والتفرد، فكر المطلق الإلهي الذي لا يشوبه شائبة...
نعم حالة واقع النظام السياسي الفلسطيني الراهنة ميئوس منها ما دامت متشرذمة ومنقسمة على نفسها وتحكمها مصالح شخصية وحزبية وأيديولوجية.
في رام الله تنطبق عليهم قصة صديق لي أرسل لي عن أخرس ذهب ليشتري من "سوبرماركت" وحين سألوه ماذا تريد؟ قال "هيبوهوهبيو"، لم يفهموا عليه، فجاء أخرس ثاني يعمل في السوبرماركت وتفاهم معه وباعه ما يريد، وحين سألوه ماذا أخذ؟، قال لهم "هيبوهوهبيو"، وهذا بالضبط ما نحن عليه في مواجهة الضم، حتى الآن لم نفهم ما هي الخطط؟ وكل ما نسمعه "نحن في حِلْ من كل الإتفاقيات" و "أوقفنا التنسيق مع دولة الإحتلال"، ولن نقبل وسنقووول "لا" كبيرة، وتحركاتنا الشعبية والجماهيرية ستكون تدريجية.
أما في غزة فيتم مواجهة الضم بالذهاب إلى بيت "إم وشاح جابر" إم عمداء الأسرى وكل الأسرى، الحاجة الشريفة الأصيلة أيقونة فلسطين كلها كشعب وكأرض، ويعتدون عليها تعسفا دفعا أم ضربا، لكن النتيجة نقلها وبنتها مريضة السرطان إلى المستشفى، كل ذلك يتم بحجة تطبيق قرار قضائي منقوص ويحابي آخرين ويجافي "إم وشاح جابر"، وفي نفس الوقت يتبجح البعض "ألإخواني" بأنه أدخل الإسلام الصحيح إلى غزة بعد فتح الجامعة الإسلامية في غزة عام 1978، وهنا يقولون بمليء الفم، إسلام الإخوان هو الحل لا غيره!!!!!
وهنا تحضرني قصة سيدنا موسى عليه السلام كليم الله عندما كان في سيناء وسمع راعي يقول لله " يا رب بدك حليب بعطيك، بدك سمن بعملك...الخ"، حينها سأله كليم الله عليه السلام ماذا تفعل؟ رد الراعي "أصلي لله"، فقال له: ليست هكذا الصلاة؟ وعلّمه طريقة الصلاة الصحيحة، وحين عاد بعد عدة أشهر، رأى الراعي واقف ويصلي ويقوم بحركات الصلاة وفق ما تعلّم من الرسول موسى عليه السلام، لكن كانت صلاته مرتبكة وتنم عن حركات لا أكثر، حينها جاءه صوت من الله تعالى قائلاً: ماذا فعلت بعبدي يا موسى؟ رد موسى: لقد كان كافرا فعلمته كيف يؤمن ويصلي، فأجابه المولى عزّ وجل: "لقد كان كفره حلواً"، ليس الإسلام وفق رؤية لا الإخوان ولا غيرهم من أحزاب الأسلمة السياسية والدعوية، فالإسلام متعدد من حيث التفسير وليس الجوهر، لأن جوهره الكل متفق عليه ولا يشوبه شائبة، جوهرة الله ومحمد رسول الله عليه ألف صلاة وسلام والمصحف الشريف والصلاة والصوم والزكاة والحج كشعائر إيمانية، رغم أن الحج لكل الناس وفق المصحف الشريف، أما تفسير الآيات المتشابهات فهناك معضلة فيها من حيث تعدد التفسير، والآيات المحكمات واضحة لا لبس فيها ولكن يرى البعض أن القصص القرآني جزء من التشريع والبعض الآخر يراها عِبرْ وليس تشريع. أصبحنا في البقع الجغرافية التي كانت موعودة للدولة الفلسطينية وفق "أوسلو" نعيش سياسات غريبة عن الشعب الفلسطيني، فهناك سياسة أل "هيبوهوهبيو" وسياسة ألإسلام الإخواني الذي يفرض نفسه على المجتمع بالقوة والإرهاب الفكري وبالسلاح تحت مسمى حماية "المقاومة"، وهنا أود فقط الإشارة أن لا أحد ضد المقاومة ولا أحد يريد أن ينال منها فهي فخر للكل الفلسطيني وهي تشمل معظم الشعب الفلسطيني كأساس لمواجهة الإحتلال، وهنا أقصد أيضا "المقاومة" الشاملة وليست العسكرية فقط التي من الضروري أن تكون وفق إجماع فلسطيني وتحت عنوان ومفهوم المشاركة للكل في المؤسسة والخطة والسياسات. ماركس مؤسس الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر قال: القذارة لا يبيعها إلا المجرمون، ولا يشتريها إلا الأقذار، لأنها قذارة"، ويبدو أننا في عصر فلسطيني مليء بالسياسات التي لا يشتريها إلا من يتوافق معها كمصلحة شخصية قبل أن تكون وطنية أو حتى دينية، وشعارات أننا قادرين على مواجهة الضم أو الإلحاق أو فرض القانون الإسرائيلي أو فرض السيادة "مسميات لمعنى واحد" مشكوك فيها واقعيا وتحتاج لإعادة تقييم وإعادة لرسم الخطط بما يجمع الكل الفلسطيني عليها.
التناقض الرئيسي هو الإحتلال وسياساته التي آخرها صفقة "ترامب" وخطة الضم، وما عدا ذلك يتم التعامل معه بطريقة تجعل منه وكأنه الأولية لأن المطلوب خدمة الخطط الموضوعة للتنفيذ بطريقة غير مباشرة للحفاظ على المصالح الشرائحية في الأحزاب ولدى بعض الطبقات الزبائنية، إنهم التجار هنا وهناك من يحولون البوصلة ويجرّوننا نحو الهاوية، فلا سياسة "هيبوهوهبيو" ولا الإعتداء الآثم على "إم وشاح" قادرة على مواجهة الضم، وفقط عندما يكون الكل فرداً والفرد كلاً وتحت خطة عمل واحدة وبناءاً على قرارات الرئيس أبو مازن السياسية الأخيرة المُعلنة، نستطيع وبالتنسيق مع الأخوة الأردنيين أن نفشل مخطط الضم.
الإعتماد على الشعب وشراكة شاملة وتفعيل القيادة المؤقتة للمنظمة وفق الإتفاقيات السابقة ودفن الإنقسام للأبد هو القادر على جلب الأمل، وغير ذلك فهو طحن في الهواء. قال إبن الرومي " وقهوةٍ رقّتْ عن الهواءِ..أدفَعَ للداء من الدواءِ، عذراءَ لاحت في يدِيْ عذراءِ...أحسنُ من تِظاهُرِ النِّعْماءِ"
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت