- أسامة نجاتي سدر
(جمع وترتيب) قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد العَبدَريّ، عن أبيه، قال: قال عثمان بن طلحة:" لقيني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، فدعاني إلى الإسلام فقلتُ: يا محمد العجبُ لك حيثُ تَطمَعُ أن أتّبعك وقد خالفتَ دينَ قَوْمِكَ وجئتَ بدينٍ مُحدَثٍ، فَفَرّقتَ جماعَتَهم وأُلْفَتَهُم، وأذهَبتَ بهاءهم فانصرف. وكنا نفتح الكعبةَ في الجاهلية يوم الاثنين والخميس، فأقبل النبي صَلَّى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فَغَلَّظتُ عليه ونلت منه، وَحَلُمَ عَنِّي؛ ثم قال:"يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يومًا بِيَدِي أَضَعُه حَيْثُ شِئْتُ " فقلت: لقد هلكت قريشُ يومئذٍ وَذَلَّت.
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بل عَمِرَتْ وعزَّت يومئذٍ" ودخل الكعبة فَوَقَعَتْ كلمتُه مني موقعًا ظننتُ يومئذٍ أن الأمر سيصير إلى ما قال. قال: فأردتُ الإسلام ومُقاربةَ محمدٍ صَلَّى الله عليه وسلم، فإذا قومي يَزْبُرُونني زَبْرًا شديدًا ( يصدونه عن الأمر ويمنعوه) ويُزْرُونَ برأيي(يستنكرونه ويحتقرونه) فأمسكت عن ذكره.
فلما هاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة جَعلتْ قريشٌ تُشفِقُ من رجوعه عليها فَهُم على ما هم عليه حتى جاء النفيرُ إلى بَدْر، فخرجْتُ فيمن خرج من قومنا، وشهدتُ المشاهدَ كُلَّها معهم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فلما دخَل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مكة عام القَضِيَّة (عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة) غَيَّر الله قلبي عَمَّا كان عليه ودخلني الإسلام، وجعلت أفكر فيما نحن عليه، وما نعبدُ من حَجَر لا يسمعُ ولا يبصرُ ولا ينفعُ ولا يضرُّ، وأنظر إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأصحابه، وظَلَفِ أنفسهم عن الدنيا(رغبتهم عنها وزهدهم فيها)فيقع ذلك منّي فأقول: ما عمِلَ القومُ إلا على الثواب لما يكون بعد الموت، وجعلتُ أحبُّ النظر إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى أَنْ رأيتُه خارجًا من باب بني شَيْبَة يريد مَنزِلَهُ بالأَبْطَح، فأردتُ أن آتِيَه وآخُذَ بيده وأُسلِّم عليه فلم يُعْزَمْ لي على ذلك، وانصرفَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم راجعًا إلى المدينة، ثم عُزِمَ لي على الخروج إليه (جاءه خالد بن الوليد يعرض عليه الإيمان والهجرة فقال له: - أما ترى ما نحن فيه، إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر ، لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج، إنما نحن أكلة رأس ، وقد ظهر محمد على العرب والعجم ، فلو قدمنا على محمد واتبعناه ، فإن شرف محمد لنا شرف.
فأجابه عثمان: إني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو ، وهذه راحلتي بفخ مناخة. وكان قد عرض الإسلام والهجرة قبله على صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي الحكم)، فأدْلجتُ إلى بطن يَأَجَج لألقى خالدَ بن الوليد، فاصطحبنا حتى وصلنا الهَدَةَ، فما شعرنا إلا بعمرو بن العاص، فانقمعنا منه وانقمع منّا، (هبنا منه وهاب منا) ثم قال: " أين يُريدُ الرجلان؟" فأخبرناه، فقال: "وأنا أريد الذي تريدان"، فاصطحبنا جميعا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، (بايع خالد أولا ثم عمرو وعثمان) فبايعته على الإسلام، وأقمت حتى خرجت معه في غزوة الفتح، ودخل مكة فـ(بعث إلى أم عثمانَ بن طلحةَ أن ابعثي إلىّ بالمفتاح، قالت: لا. واللاَّتِ والعُزَّى لا أبعث إليه بالمفتاح.
فأراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أن يبعث إليها فيأخذُه منها قَسْرا. فقال عثمان بن طَلحة:" يا رسول الله، إنها حديثةُ عهدٍ بالكفر فابعثني إليها"، فأرسَلَه إليها، فقال:" يَا أُمَّهْ، إنه قد حدث أمرٌ غيرَ الذي كان، فاعلمي أنك إن لم تدفعي إليه المفتاحَ قُتِلْتُ أنا وأخي"، فأعطتهُ فجاء به مسرعًا، فلما دنا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَثرَ ووقع المفتاحُ، فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فحَنَى عليه بثوبه ووصف حماد: غطاهُ بثوبه، ففتح الباب فدخل فقام عند أركان البيت وأرجائه يدعو، ثم صلَّى ركعتين بين الأسطوانتين، فلما فرغ خرج فقام على البابِ وتطاول علىّ بن أبي طالب (والعباس عم الرسول) رجاء أن تجمع له (وبني عبد مناف) السقاية والحِجَابة<<من رواية أخرى>>( فقال لي: "يا عثمان ائْتِ بالمفتاح"، فأتيتُهُ بهِ، فأخذه مني ثم دفعه إليّ مُضْطَبِعًا عليه (مغطيا إياه) بثوبه، وقال: "خُذها تالدةً خالدةً، لا ينزعُها منكم إلا ظالم: يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصلُ إليكم من هذا البيت بالمعروف".
قال عثمان: فلما وَلَّيتُ ناداني، فرجعت إليه فقال: "ألم يكن الذي قلتُ لك؟" قال: فذكرت قوله صَلَّى الله عليه وسلم، لي بمكة قبل الهجرة: "لعلك سترى هذا المفتاح يومًا أضعه حيث شئت" فقلت: بلى أشهد أَنَّكَ رسولُ الله. منقول من عدة روايات بتصرف الطبقات الكبير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت