تهدّد خطة إسرائيل لضمّ أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة بخرق معاهدة السلام مع الأردن الذي قد يوضع أمام خيارين: إلغاؤها أو تعليق العمل ببعض بنودها، بحسب محللين.
لكن الأردن الذي يعتمد على مساعدات أميركية سنوية تفوق المليار دولار لن يتمكن من وقف خطوة أعطتها واشنطن الضوء الأخضر.
ويفترض أن يعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اعتبارا من الأسبوع المقبل تفاصيل وضع خطة ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة تشمل غور الأردن والمستوطنات، قيد التنفيذ.
ويحذّر الأردن من أن ذلك سيقوّض فرص السلام ويقتل حلّ الدولتين الذي يتمسك به والمجتمع الدولي كحلّ وحيد لضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة. ويعتبر أن أي حل لا يضمن قيام دولة فلسطينية وحق عودة اللاجئين، يشكل خطرا على أمنه الوطني.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأمم المتحدة في الأردن اكثر من 2,2 مليون لاجئ، في حين يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني أكثر من نصف عدد السكان البالغ نحو عشرة ملايين.
وحذّر الملك في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهر الماضي، من أن الضم سيؤدي إلى "صدام كبير" مع الأردن الذي "يدرس كل الخيارات".
وقال رئيس الوزراء عمر الرزاز إن المملكة ستكون مضطرة "لإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل بكافة أبعادها".
- "رسالة قاطعة" -
ويرى محللون أن لدى الأردن خيارات أبرزها إلغاء معاهدة السلام أو تعليق العمل ببعض بنودها، على الأخص التعاون الأمني والاستخباري، وإغلاق سفارة إسرائيل في عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب.
ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي لفرانس برس "يجب توجيه رسالة قاطعة لإسرائيل وللأميركيين مفادها إذا ذهبتم في هذا الطريق فسنذهب الى إلغاء معاهدة السلام".
ويرى أن "لا قيمة لها إن لم يكن هناك سلام دائم وشامل في المنطقة".
ويؤكد وزير الإعلام الأسبق محمد المومني لفرانس برس أن ضمّ إسرائيل أراضي في الضفة الغربية "خرق لمعاهدة السلام".
ويذكّر بأن المعاهدة تنصّ على "عدم قيام أي طرف بإجراءات أحادية تمسّ مصالح الطرف الآخر"، مؤكدا أن الضمّ "يمس مصالح الأردن بشكل مباشر"، لأن هذه المصالح "مرتبطة بقيام دولة فلسطينية".
ويضيف "هذا تهديد مباشر للأمن الوطني والمصالح العليا (...) لن يكون بلا تكلفة" على العلاقات.
- "خطر وجودي" -
ويقول محلّلون إن الأردن وقّع معاهدة السلام على أساس تصوّر شامل يمهّد لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأ مئات الآلاف منهم إلى المملكة عام 1948 وعام 1967.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية التي كانت تخضع للإدارة الأردنية، بما فيها القدس الشرقية، في حزيران/يونيو 1967 إضافة الى قطاع غزة وهضبة الجولان وسيناء.
وشرعت منذ احتلالها ببناء مستوطنات مخالفة للقانون الدولي، وتوسّع الاستيطان معقدا حلّ الدولتين الذي يدعو له المجتمع الدولي.
ويرى الفلسطينيون أن ضمّ الأراضي سيجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا.
ويشاركهم الملك عبدالله مخاوفهم فيصر على لاءاته الثلاث: لا للوطن البديل ولا لتوطين اللاجئين ولا للتنازل عن القدس.
ويقول تاجر الأدوات الكهربائية عبدالله موسى (44 عاما) "الضم خطر وجودي على الأردن كما هو على فلسطين. لن يبقى شيء لتقام عليه دولة فلسطينية".
ويضيف "دون دولة فلسطينية الأردن مهدّد بمشاريع تهجير الفلسطينيين والوطن البديل".
ويرى أن الغاء معاهدة السلام أو تعليق العمل بها "أهمّ قرار قد يتخذه الملك منذ توليه العرش" عام 1999.
أما لؤي ملحس (41 عاما) الذي يعمل في التصوير والمونتاج التلفزيوني، فيرى أن الضم "خطير سيؤدي إلى تهجير الآلاف من سكان الضفة الغربية".
ويضيف "الأردن يرفضه بشده لأنه نهاية مشروع حل الدولتين، ويقضي على مشروع إقامة دولة فلسطينية وهذا سيدخل الأردن في مأزق الوطن البديل والتوطين".
ووصف عاهل الأردن مرات عدّة السلام مع إسرائيل بأنه "سلام بارد"، واعتبر الخريف الماضي أن العلاقات معها "في أدنى مستوياتها على الإطلاق".
وأعلن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فرض سيادة بلاده الكاملة على أراضي الباقورة (نهارييم بالعبرية) (شمال)، والغمر (تزوفار) (جنوب) بعد عام على إبلاغ إسرائيل بعدم تجديد ملحقين في معاهدة السلام خاصين بهذه الأراضي الأردنية التي كانت تستغلها اسرائيل.
وفاجئ بذلك إسرائيل التي بقيت حتى آخر لحظة تأمل بالتوصل الى تفاهم حول المنطقتين الزراعيتين.
وحاولت اسرائيل عام 1997 اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل في عمان عبر حقنه بمادة سامة، فهدّدها الملك الراحل حسين حينها بإلغاء معاهدة السلام، فأحضرت الترياق وتمّ إنقاذ حياة مشعل.
- خيارات محدودة بسبب واشنطن -
لكن مقابل هذا الضغط في الداخل، قد لا يكون سهلا على الأردن اتخاذ قرارات في شأن معاهدة السلام.
ويرى مدير مركز "الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض أن "علاقات الأردن الاستراتيجية مع واشنطن ووجود ملفات عديدة مشتركة واعتماده على مساعدات أميركية، ستقلص من خياراته".
ويقول المحلّل السياسي كيرك سويل من "يوتيكا ريسك سيرفيسز" المتخصص بدراسة المخاطر خصوصا في الشرق الأوسط "يمكن دائمًا تعليق المعاهدات أو إلغاؤها".
ويضيف أن الأردن "لن يفعل أي شيء ملموس لوقف الضمّ، سيكون هناك الكثير من الخطابات حول معارضة ذلك"، لكن
الأردن سيكون متضررا مثلا من وقف التعاون الأمني، أو وقف التعاون في مجال الغاز، أكثر من إسرائيل.