أوقفوا اللعب باليرموك

بقلم: علي بدوان

اليرموك واستدلالاته

أوقفوا اللعب باليرموك

مخيم اليرموك وإستدلالاته الرمزية ...

وأهمية الحفاظ عليه وعلى خريطته التنظيمية الأساسية

  • بقلم علي بدوان

يملك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين مُتسعاً حياً، نابضاً، متألقاً، وافراً وغنياً، في الذاكرة الفلسطينية، وفي  موسوعة الكفاح الوطني الفلسطيني المعاصر، وفي مسيرة المقاومة الفلسطينية.

مخيم اليرموك، ليس مكاناً جغرافياً بحتاً، أو موئلاً لمجموعات أو كتل بشرية من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، إنه جزءاً أساسياً من التاريخ والفعل، الذي يُلخص دراما النكبة الفلسطينية وتحولاتها، كما يُلخص سطوة وقوة وحضور الفلسطيني في وجه الرواية الصهيونية، كما يُلخص إنسانية ونبل هذا الشعب الذي رمت به أقدار النكبة خارج وطنه التاريخي فلسطين.

إنه المخيم الذي ينبض في الحياة ليل نهار، لاتعرف صباحه من مسائه، بأسواقه العامرة المدينية، وبنواديه الثقافية ومراكز المؤسسات الوطنية الفلسطينية المنتشرة على إمتداده، والمجتمعية المحلية ومراكز وكالة الأونروا والهيئة العامة للاجئين، ليضم بين ثناياه العدد الأكبر من مثقفي فلسطين وكتابها، وأُدبائها، وفلاسفتها، ومنظريها، ومناضليها، وكوادرها، وفعالياتها، وحتى أطبائها، ومهندسيها، ومدرسيها، ومشاكسيها. فهو أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين على الإطلاق، إذ تقارب أعداد المواطنين الفلسطينيين داخله بحدود ربع مليون مواطن فلسطيني من أصل أكثر من ستمائة وخمسين ألف مواطن فلسطيني مقيم فوق الأرض السورية قبل المحنة، منهم مايقارب النصف مليون لاجىء منذ العام 1948 وهم من يطلق عليهم إسم "فلسطيني سوري" أو "فلسطينيو سورية ـ سوريو فلسطين". حيث يتمركز اللاجئون الفلسطينيون في مايعرف بـ (لب المخيم) بينما يًسكُن فيه ويحيط به أكثر من مليون مواطن سوري من مختلف مناطق سورية من أقصاها الى أقصاها.

لقد صنع الفلسطينيون في مخيم اليرموك، مدينة جديدة باتت كأنها مدينة عريقة في قدمها وتاريخها، تسود فيها حالة التأخي والإندماج الهائل بين أبناء الشعبين الشقيقين التوئمين السوري والفلسطيني. حيث الحياة المشتركة بكل جوانبها الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية.. الخ. مع وجود حالات واسعة من الزواج المتبادل بين أبناء وبنات الشعبين الشقيقين، والأهم في هذا المجال أن الزواج المتبادل يتخطى المنطق الطائفي، لنجد بأن المئات من الشبان الفلسطينيين يقترنون بفتيات سوريات من كل المناطق والطوائف من موزاييك المجتمع السوري، مجسدين بذلك رؤية وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية تتعدى منطق الطوائف المقيت، وتعطي صورة ناصعة عن الشعب الفلسطيني. 

وفي التأخي والإندماج، ومنذ العام 1948، يذهب السوري والفلسطيني معاً إلى المدرسة، ويذهبان للجامعات السورية معاً، ويتقدمان للمسابقات الوظيفية معاً، ويذهبان لخدمة العلم (خدمة الجيش) معاً، في مواقع واحدة وفي كليات ومدارس عسكرية واحدة، وفي مهاجع وأسرة نوم وقاعات تدريب واحدة، ليصار بعضها إلى نقل وفرز الفلسطينيين بمعظمهم إلى جيش التحرير الفلسطيني بعد إنجاز الدورات التدريبية، ويبقى منهم البعض ممن لايتوفر لهم من إختصاص عسكري في جيش التحرير ليخدموا (العسكرية) في القطعات العسكرية السورية وخاصة منهم الجامعيين (ضباط مجندين)، وهو ماوقع لي عندما خدمت كضابط مجند في صفوف الجيش العربي السوري قبل سنواتٍ طويلة (قبل 39 عاماً).

وفي التأخي السوري الفلسطيني، كان السوري على الدوام معنا في قواعد ومقرات ومكاتب ومؤسسات المقاومة والفصائل الفلسطينية، منذ العام 1965، مدوناً شهادة كبيرة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني الذي باتت فيه أعداد الشهداء السوريين تقارب ثلث شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة بعموم فصائلها المعروفة.

هذا التأخي الودود واللصيق، كان من المنطقي ومن الطبيعي أن تتوالد إنطلاقاً منه، تلك الهبة الهائلة والسريعة جداً، من قبل أبناء مخيم اليرموك وشبابه وشاباته وحتى من نسائه وكبار السن فيه، الذين إنتشروا في الشوارع، معلنين تشكيل اللجان الشعبية، من أجل مساعدة إخوانهم السوريين من الذين إتجهوا نحو المخيم من المناطق المحيطة به والتي باتت تعرف باسم مناطق وبؤر التوتر خلال الفترات الماضية قبل محنة اليرموك.

فالشعب الفلسطيني لن يكون جاحداً أو ناكراً، ولا يمكن له أن ينسى اليد البيضاء لسورية والشعب السوري، الذي إستقبل جزءاً كبيراً منه عام النكبة، وشاركه بالمأكل والملبس والماء والدواء والعمل.

إن اقتلاع اليرموك، او تقزيمه خريطته واللعب بها من حينٍ لأخر، مساس بهذا التاريخ، من قبل أناس لايعرفون سوريا سوى اليوم فقط، ولايعرفون تاريخها المديد، البلد الواحد، الذي يعتبر فلسطين جزءاً منه. فالحفاظ على اليرموك، يعني الحفاظ على تلك الشوكة المغروسة بعين الإحتلال، الذي لايريد أن يرى فلسطينيي الشتات، سوى مجموعات يتم تهجيرها آنياً، وصولاً لمحو ومسح تجمعاتهم، خاصة منها اليرموك، الذي يُعتبر أكبر تجمع فلسطين في الشتات خارج سوريا، وتحويله الى سوق تجاري عند المستفيدين من المأساة السورية، الذي ترعرعوا على مصائب البلد، والذي لايرون أبعد من أرنبة انفهم، معتبرين الوضع (جمعة مشمشية) على حد التعبير الدمشقي.

سيبقى مخيم اليرموك، وفق خريطته التنظيمية المقررة عام 2004، خاصة وأن اراضيه مدفوعة الثمن وليست (اراض طبب)، وستبقى مدوّنة على جدران مخيم اليرموك، وفي شوارعه خربشات أقلام أبناء فلسطين وملصقاتهم ورسوماتهم، تلك الخربشات والملصقات والرسومات التي تعبّر عن ثقافة وطنية بطريقة عفوية، لتحكي دراما اللّجوء، فتدمع جدران المخيم عند التحليق عليها، لوحات العودة الى حيفا ويافا وعكا وصفد وطبريا واللد والرملة، العودة هناك الى الوطن السليب، وإلى الهوية التي مازالت تعيش في وجدان كل لاجىء فلسطيني. إن تلك الكلمات ليست شاعرية، أو لغة خشبية أو متقادمة، كما يعتقد البعض، إنها كلمات "قوة الحق في مواجهة حق القوة" تتأجج كل يوم عند تلك الأجيال التي توالدت في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سورية، لتكسر ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة فترة الخمسينيات من القرن الماضي جون فوستر دالاس "الكبار يموتون والصغار ينسون". 

إننا نناشد الأخ الكبير، بوزنه وقيمته، وعلو شأنه ومقامه، السيد علي مصطفى المدير العام للهيئة العام للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وعضو القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني للحزب، للتدخل بما له من مكانة، ومعه مجموع القوى والفصائل الفلسطينية ذات الحضور.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت