- الكاتب والمحلل والمفكر السياسي د. رائف حسين
حالنا في العالم العربي، فرد ومؤسسة، مواطن ومسؤول، عامل واكاديمي، رجل وامراة، شاب وعجوز هو كحال الانسان الجالس وراء مقود السياره ويريد ان ينطلق الى سفرته الطويله لكنه 90% من وقته يقضيها في النظر بمرأة السيارة الخلفيه… في هذه الحالة يكون الاحتمال كبير جدا ان يتسبب في حادث جسيم هدام او لا ينتبه الى المخارج والمداخل او ان ينحرف عن الطريق الصحيح… وهكذا تكون النتيجة الحتمية والبديهية ؛ بان الشخص لن يصل الى الهدف!
نظرتنا الاجتماعيه والسياسيه والثقافيه معظمها تتوجه الى الماضي. الشرقي العربي يحلم بالماضي ويقضي وقته في التمني ان يعود هذا الماضي … يحلم ان تدور عقارب الساعة الى الوراء.
نحن بالشرق نواجه التحديات بالتمني ؛ الفلسطيني يتمنى زمن عرفات وصلاح الدين والعراقي زمن صدام وهارون الرشيد والليبي زمن القذافي وعمر المختار والمصري زمن عبد الناصر والفراعنة والمسلم زمن الرسول والخلفاء والمثقف زمن المتنبي وابن سينا… بالتمني وحده لا تبنى اوطان ولا ثقافات ولا حضارة.
الاسباب لبحث العربي عن مستقبله بماضيه متنوعه منها ما يلي :
- ثقافتنا ما زالت شبه منحصرة بالشعر والنثر وكأننا ما زلنا في سوق عكاظ. منذ ذاك الزمان والعلم والمعرفه سلع نستوردها باكثريتها الساحقه من الخارج. مدارسنا وجامعاتنا وتحصيلنا العلمي يحط مكانه منذ قرون. التلقين ما زال عنوان الوصول الى المعرفه وليس البحث.
- استثمارنا بالعلم والمعرفه يأتي في مرتبه اخيره في اولويات دولنا وحكامنا… النتيجه هي هجرة العقول بحثا عن امكانيات التطور والتطوير بالغرب "الملحد". وان عادت هذه العقول لاوطانها فانها تُقَزَّم بقفص المحسوبيه والولاء الاعمى.
- مجتمعاتنا ذكورية بطريركية وما زالت تعتمد الوراثه بالسياسه والاقتصاد. منذ الخلافه الاموية وحتى يومنا هذا لم نخلص من قاعدة " كلب الشيخ شيخ".
- نتغنى بالماضي لاننا اجتماعيا لم نحافظ على ارثنا الحضاري من التزوير الداخلي والخارجي ولم نطور عاداتنا وتقاليدنا لتتمشى مع العصر. ما زلنا سياسيا نبايع الرئيس والقائد كاننا في عصر الخلافة. وعلاقاتنا الاجتماعيه ترتكز على مفهومها العشائري الضيق وكأننا في القرن السابع واقتصادنا استهلاكي بامتياز وعلمنا حدث ولا حرج! نعيش يومنا وكأننا في القرن الثاني والعشرون لكن عقولنا ما زالت اسيرة عصر الرسول والخلفاء.
- نخشى التغيير والتجديد بالمفاصل المركزية لاننا نعيش التقليد ونرسخه في معظم مجالات حياتنا… لا نجدد حكمنا ولا قيادتنا الا اذا طلبها الله الى جانبه. لم نجدد علاقتنا بالدين ولم نطورها وما زلنا اسرى فقهاء العصر العباسي… ونسينا ان المعرفة اسيرة ادواتها.
- دحرنا الاستعمار منذ عقود، لكن حافظنا على ارثه ثقافيا وسياسيا واقتصاديا وجغرافيا واصبحنا ندافع عنه . بنينا دولا مدججة بالسلاح ونسينا ان نبني اوطانا.
- لا نملك استراتيجية تقدم واستقلال واكتفاء… القيادات بمعظمها تعمل في تكتيك المحافظة على العرش وتوريثه… والمواطن يركض وراء لقمة العيش. نخشى المواطنه والديمقراطيه كونهما "بدع غربيه". لكن نربط مصيرنا بمصالح هذا الغرب.
باختصار نحن نبحث عن مستقبلنا بماضينا لاننا نخاف مواجهه واقعنا. تمنينا بالنجاة بقارب من الماضي لنصل الى شاطىء الحضارة المستقبلي ليس مبني على فهم هذا الماضي وتمحيصه. نحن في الشرق القينا عباءة القداسه على الماضي وقمنا بتحنيطه... مما ادى بنا الى عدم دراسة ماضينا بنظرة مراجعه نقدية علميه بل بنظرة اعجاب ساذجة صبيانيه ترى ما نريد ان نراه فقط… الشرق يعيش في نوستالغيا "السلف الصالح".
التحضير للمستقبل والتخطيط لبناءه يتطلب امران: اولا مراجعة نقدية علمية للماضي واخذ العبر من تجارب السلف الايجابيه وتحديد العطب والخلل بها وثانيا تمحيص الواقع الذي نعيشه وتحديد امكانياتنا لنستطيع وضع استراتيجيه لبناء وتطوير مستقبلنا.
المعادله اذا هي: من اراد البقاء عليه ان يتجدد ويتطور .
Von meinem iPad gesendet
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت