الوصمة الاجتماعية في إطار حقوق الإنسان: بين الدعم النفسي والاستبعاد في ظل انتشار فيروس كورونا (COVID-19)

بقلم: تامر صرصور

تامر صرصور
  • د. تامر صرصور
  • محاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية- جامعة الخليل

مقدمة
بينما يشهد العالم اليوم حالة طوارئ بسبب انتشار فيروس الكورونا، والذي أصبح جائحة (Pandemic) حسب إعلان منظمة الصحة العالمية (WHO) في 11 آذار 2020، نظرا  لتفشيه وانتقاله من شخص إلى آخر في عدد من البلدان في العالم في الوقت نفسه، ظهرت بعض الممارسات التمييزية بين التنمر والكراهية والعنصرية ضد مصابي فيروس كورونا وعائلاتهم وضد المشتبه في اصاباتهم.
لوحظ منذ بداية الأزمة العديد من المواقف السلبية ضد مصابي الفيروس، لا سيما تناول سيرة هؤلاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث ان مجرد الاعلان عن الشخص بحمله للمرض تبدأ العبر التمييزية والوصمة المجتمعية ضده، الأمر الذي ينتهك حقه في المساواة وعدم التميز. وتشير كلمة الوصم (Labelling)، إلى أن الـشخص الموصوم يكون غير مرغوب فيه، ومحروم من التقبل الاجتماعي وتأييد المجتمع له، لأنه شخص مختلف عن بقية الأشخاص.
ان انتشار الفيروس في معظم دول العالم التي صادقت على الاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم التمييز، بين الفجوة الحاصلة بين القوانين والتطبيق على أرض الواقع، فمن حالات التنمر في العالم ضد الصينيين بوصفهم منشأ الفيروس، إلى سياسة بعض الدول التمييزية ضد اللاجئين في مخيماتهم، إلى تعامل الاحتلال الاسرائيلي مع العمال الفلسطينيين.
 بالاضافة إلى مواقف المجتمعات نفسها ضد حاملي الفيروس أو المشتبه باصاباتهم، فلم تقتصر معاناة الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا أو خضعوا للحجر الصحي، على هذا الحد، بل تمتد بعد شفائهم وخروجهم من حجر 14 يومًا، إذ تتغيّر نظرة المجتمع إليهم ويتعامل معهم بحذر شديد.
تعالج هذه المقالة المتخصصة تأثير الوصمة الاجتماعية على حقوق الانسان في ظل انتشار جائحة (COVID-19)، من خلال التطرق إلى مفهوم الوصم، والحق في معاملة متساوية من الناحية الصحية.

مظاهر الوصم وعلاقته بالوضع الصحي
يرتبط الوصم بصفة أو ميزة أو هوية تعتبر دونية، اذ يقوم على تركيبة اجتماعية تستند الى معيار كياني (نحن) و (هم)، وترمي الى تثبيت الحالة الطبيعية للأكثرية من خلال تحقير الآخر ، وهو بذلك عملية تجريد مجموعة من الأشخاص من صفة الإنسان واهانتهم وتشويه سمعتهم وتحقيرهم داخل المجتمع.
ويدخل في اطار الوصم رد فعل تجاه الظروف الصحية كالإصابة بفيروس نقص المناعة البشري وفيروس كورونا، وفي هذا الاطار فقد دعت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدول الى اعتماد تدابير للتصدي لانتشار وصم الأشخاص بسبب حالتهم الصحية .
تتجلى مظاهر الوصم من خلال تهميش الأفراد داخل المجتمع ونبذهم، بالاضافة إلى تهديد حقهم في الخصوصية والسلامة اذ يتعرضون للـشتائم والمـضايقات، مما ينتج عنها عواقب بالغة الضرر على صحتهم وكرامتهم، وفيما يخص الكثير من الموصومين، يكون للوصم أثر سلبي على حقهم في الخصوصية أثناء حجرهم الصحي .
يرتبط وجود الوصمة بمجموعة من ردود الأفعال في التشهير ضد المصابين إلى استخدام الشائعات، والإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نقل وتبادل المعلومات المضللة، ونشر وبث الفزع بين أوساط الناس، بالإضافة إلى إطلاق رسائل مفادها إهدار الحياة.


حق المصابين في معاملة غير تمييزية
بتمدد رقعة انتشار فيروس كورونا في فلسطين وارتفاع أعداد المصابين، زادت مخاوف الناس، واتسعت معها ظاهرة الوصم المجتمعي على المصابي بالفيروس وذويهم، بل إن الأمر امتد ليصل حتى للمشتبه في إصاباتهم به.
يُعرف التمييز بأنه "أي تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل، أو غير ذلك من أوجه المعاملة التفضيلية المبنية بشكل مباشر أو غير مباشر على أسباب تمييز محظورة، بقصد إبطـال أو إضعاف الإقرار بالحقوق أو التمتع بها أو ممارستها علـى قـدم المساواة، أو بما يؤدي إلى ذلك".
يمثل الحق في المساواة وعدم التمييز جزءا رئيسيا من أسس القانون، وهو بمثابة حق عام تتفرع عنه حقوق الانسان الأخرى حيث نص القانون الأساسي الفلسطيني على أن "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة" .
كما يفرض القانون الدولي لحقوق الانسان معايير الحماية المتساوية وعدم التمييز، وتأتي أهمية هذا الحق بكونه أساسي في تمتع الأفراد بالحقوق والحريات الأخرى، مثل الحق في الحياة والتعليم والتنقل والصحة وغيرها من الحقوق المكفولة دوليا ومحليا.
نصت المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان في جوهرها علـى عـدم التمييز والمساواة، وتتضمنت أحكاماً واسعة النطاق للحماية من التمييز وضمان المساواة، وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن."لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر" .
يلاحظ من خلال المادة المذكورة أنها تحظر وتمنع "التمييـز مـن أي نـوع" وهو ما يمكن أن يعني أنه لا يمكن التغاضي قانونا بأي حال من الأحوال عن أي فروق بين أفراد المجتمع.
كما تحمي أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 الحق في المساواة وعدم التعرض للتمييز، وتمثل المادة "26" منه الحماية من الممارسات التمييزية مبينة بذلك الأسباب المحظورة، حيث نصت على أن "الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غيـر ذلك من الأسباب" .
تجدر الاشارة أن قائمة الأسباب الواردة في المادة "26" غير شاملة، حيث سعت الهيئات المنشأة لمعاهدات حقوق الانسان في توضيح عبارة "أو غيـر ذلك من الأسباب"، وشملت لها الإعاقة ومكان الاقامة والوضع الاقتصادي والاجتماعي والوضع الصحي .
يربط مفهوم الوصم علاقة وثيقة بمجموعة من الحقوق المدنيـة والثقافيـة والاقتـصادية والـسياسية والاجتماعية، والدول ملزمة بإعمال حقوق الإنسان في الحماية من التمييز وعدم المساواة، أي أن عليها التحرك لإعمال هذه الحقوق على النحو التام. وعليها أن تتخذ خطوات هادفة من أجل إعمال حقوق الإنسان.

خاتمة
يقع على عاتق الدول التزامات بعدم ممارسة الوصم وحمايـة الأفراد من أفعال الأطراف الأخرى أو تقصيرها، وعلى الدول حماية الأفراد من انتـهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جهات خاصة، بما في ذلك التنمر الالكتروني، عن طريق تفعيل أدوات القانــون ضــد حــالات التمييــزالعنصـري.
ويمكن للتشريعات حماية الأشخاص وتمكينهم من المطالبة بحقوقهم، وينبغي للدول إعداد القوانين والسياسات وتعديلها لـضمان عدم التمييز والمساواة. وعليها سن تشريعات حمائية وضمان تطبيـق القـوانين وإعمالهـا، حيث وكلما تناولت التشريعات بمزيد من الوضوح حالات تمييز بعينها، كلما ساهمت في مكافحة الوصم المرتبط بها.
ومن الأمور الأساسية لمكافحة هذه الظاهرة التمييزية تنظيم حملات توعيـة ودعـوة واسعة النطاق بشأن مختلف المسائل، وقد يشمل ذلك الملصقات والكتيبـات والإذاعـات والتلفاز والمواقع الالكترونية وغير ذلك من وسائل الإعلام.
بالاضافة إلى ضرورة اعتماد سياسة لمناهضة الوصمة الاجتماعية ضمن جملة التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، بما في ذلك تقديم برامج الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين.
مما لا شك فيه أن التعليمات الخاصة بعدم مخالطة الشخص الحامل للمرض ليس معناه أنه موصوم أو ارتكب ذنبا، ويجب أن يعاقب عليه، ولكن الغرض هو حماية أنفسنا من العدوى على أن تكون هذه الإجراءات مؤقتة إلى أن يزول خطر نقله للآخرين، ووجوب تقديم الدعم النفسي للمرضى والمخالطين لهم وللمجتمع أجمع.

 

المراجع: Erving Goffman, Stigma: Notes on the Management of Spoiled Identity (New York, Simon & Schuster, 1963), p. 138.
  E/C.12/GC/20, 2 July 2009.

 الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948.
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966.
  القانون الأساسي الفلسطيني المعدل 2005.
  اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 20 ،الفقـرة 7 .انظـر أيـضاً الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، المادة 1؛ اتفاقية القضاء على جميـع أشـكال التمييز ضد المرأة، المادة 1؛ الاتفاقية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المادة 2؛ التعليق العام رقم 18 للجنة المعنية بحقوق الإنسان 1989 بشأن التمييز، الفقرة 7.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت