مناشدات ومبادرات استغاثة لمساعدة الفقراء والمرضى في قطاع غزة، تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري وخاصة «الفيسبوك» و«الواتساب»، تختلط بين الصدقيّة والتضليل، استغلت من البعض لتحقيق مآربه في الثراء على حساب احتياجات الفقراء وقوت يومهم، بل وألحقت الضرر بتمويل بعض المشاريع الخارجية.
لا يختلف كثيرون أن التسول أصبح ظاهرة مزعجة لسكان قطاع غزة ناهيك عن الإساءة لغزة وجمالها، حيث ينتشر المتسولون في الشوارع الرئيسة وفي الأسواق العامة وأمام المولات وبيوت العبادة يستعطفون المارة ويستخدمون أساليباً شتى للحصول على المال.
تعددت أدوات التسول في قطاع غزة، ولكن الهدف واحد، فلم يكتف المتسولون بملاحقة المارة والوقوف أمام المحال التجارية طلباً للمال، بل تعدت ذلك عبر مواقع السوشيال ميديا والبريد الإلكتروني أو ما يعرف بـ«التسول الإلكتروني»، والذي تعاظم بشكل واسع من خلال اللعب بعواطف الناس ومشاعرهم بروايات مفبركة وأساليب احتيالية من أجل جمع المال لأشخاص ربما يكونوا غير محتاجين، ما يترتب عليه حرمان من يستحقون المساعدة في بعض الأحيان.
عصابات منظمة
فكما تدير «التسول الوجاهي» عصابات منظمة، تدير «التسول الإلكتروني» عصابات إلكترونية منظمة أيضاً، تحاول بطرق وبرسائل عدة الاستجداء والتلاعب بعواطف المواطنين ومشاعرهم لطلب المساعدة المالية.
وحذر عدد من متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي من التسول الذي أصبح ظاهرة مجتمعية تسيء لنضالات الشعب الفلسطيني وتهدر كرامة الإنسان وربما تدفع ببعض المتسولين إلكترونياً للوقوع في فخ الاحتلال. ودعوا الجهات المختصة لمكافحة جمع التبرعات بطرق احتيالية، وكذلك المتبرعين لتوجيه مساعداتهم عبر الجمعيات المرخصة رسمياً حتى لا يقعوا في فخ النصب والاحتيال.
يختلط الحابل بالنابل بين «التسول الإلكتروني» و«المبادرات الإلكترونية» تدفع ببعض المتبرعين عن الإحجام عن تقديم الدعم والعون لأسر فقيرة بحاجة لمساعدة ماسة. ويقول المواطن محمود حسين، إنه «يتلقى على حسابه الفيسبوكي الكثير من الرسائل والمنشورات تتضمن طلب مساعدة مالية بذريعة مساعدة مريض سرطان بمبلغ بسيط». مستدركاً «لكن اكتشفت لاحقاً أن الشخص المعني ليس مريضاً للسرطان عندما طلبت من صاحب الرسالة عنوان المريض واسمه، فرفض ذلك».
ونشرت إحدى الحسابات الفيسبوكية مناشدة لأهل الخير مرفقة بورقة علاج «روشتة» محذوف منها اسم المريض، قالت فيها «مريضة محتاجة 6 حقن، كل حقنة تصل لـ(15) دولاراً، سارعوا لكسب الأجر، فالأسرة وضعها المادي صعب جداً..»، تاركة رقما للتواصل.
فيما تنشر الناشطة (ه.م) مناشدة على صفحتها «سيدة محتاجة للمساعدة بعملية ابنها زراعة حلقات داخل القرنية». فيما نشرت صفحة «أجرة ولا هجرة» مناشدة قالت فيها «الأخت من أهل غزة ووضعها المادي سيء، ووالدتها مريضة بفشل كلوي وبتغسل مرتين في الأسبوع وتعاني من أمراض...». فيما نشرت مناشدة على موقع الواتساب «أنا بناشد أهل الخير يمدوا يد العون، نحن في أمس الحاجة للمساعدة، والدي رجل مشلول شلل رباعي، وضعه كثير تعبان، وأمي ست كبيرة.....».
ويستخدم بعض المتسولين تقنيات حديثة للترويج لأعمالهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام مقاطع فيديو ورسائل مصورة تنتشر كالنار في الهشيم لاستعطاف ضمائر الناس.
تجريم التسول
ويجرم قانون العقوبات الفلسطيني «التسول» باعتباره شكلاً من أشكال الكسب غير المشروع، وفق الفقرة (ب) من المادة (193) المعنونة بالنص «من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعاً إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو بأية وسيلة أخرى، سواء أكان متجولاً أم جالساً في محل عام، أو وجد يقود ولداً دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك»، كما وحدد لها عقوبة غير رادعة وهي «الحبس لمدة شهر في المرة الأولى، وفي حالات تكرار السلوك، يحكم عليه بالسجن لمدة سنة».
من جهته، أوضح الدكتور درداح الشاعر أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى بغزة أن «التسول الإلكتروني» أصبح ظاهرة مزعجة على غرار «التسول الوجاهي»، كونها ظاهرة لا أخلاقية ولا حضارية ومرفوضة مجتمعياً بغض النظر عن الدوافع والأعذار التي يلجأ إليها المتسول.وأضاف الشاعر لمجلة «الحرية»: «التسول هو تسول أياً كانت دوافعه وأدواته، يعبر عن انهيار المجتمع أخلاقياً وقيمياً والذي يصبح المتسول عندما يتحلل من أخلاقه وقيمه خطراً على المجتمع». منوهاً إلى أن «التسول الإلكتروني» يأخذ أشكالاً عدة منها التسول العلاجي أو دفع أقساط سكنية نظراً لتخفي المتسول خلف معاناته من ظروف صعبة، وفي بعض الأحيان يكون تسلية وتلبية احتياجات ذاتية ويستهدف بعض الشباب الباحثين عن علاقات عاطفية بدفعهم لإرسال أموال لفتاة «مجهولة الهوية».
وشدد الشاعر على أن التسول تحول عند البعض إلى مهنة للحصول على المال دون جهد، والحد منه بحاجة إلى وعي المجتمع. مضيفاً: «ليس كل المعروض إلكترونياً هو تسول، فهناك مبادرات أصحابها معروفون».
وأكد الشاعر غياب الجهات الرقابية لكبح جماح «التسول الإلكتروني» في قطاع غزة، داعياً الجهات المختصة والأجهزة الأمنية في غزة لملاحقة ومتابعة المتسولين إلكترونياً لتأمين المجتمع من شرورهم وأفعالهم الإجرامية، وتحمل مسؤولية الفقراء والمحتاجين للتخفيف من معاناتهم.
ووفق تقارير رسمية، فإن نحو (80%) من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، فيما تبلغ نسبة البطالة (46%)، فيما ترتفع نسب الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي لتسجل ما نسبته (73%)، وتبلغ نسبة المستخدمين بأجر شهري في القطاع الخاص ويتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور ما نسبته (81%) والبالغ في غزة (641) شيكلاً أي ما يعادل (185) دولاراً، فيما أرجعت أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية في القطاع إلى الحصار الإسرائيلي المشدد والانقسام الفلسطيني الداخلي المتواصلين للعام الرابع عشر على التوالي.