تعليق: التعاون الصيني - العربي في مكافحة "كوفيد-19" نموذج حي لمجتمع المصير المشترك

إضاءة ثلاثة من أشهر المعالم الأثرية في مصر بألوان علم الصين، تضامنا مع الأخيرة في مواجهة فيروس كورونا الجديد، أول مارس 2020. (شينخوا)

شكل الإطار التعاوني بين الصين والدول العربية في مكافحة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) آلية فعالة لمنتدى التعاون الصيني - العربي، ويعتبر نموذجا حيا لما يمكن أن يمثله مجتمع المصير المشترك للبشرية.

ومثل ذلك ترجمة واقعية وصادقة لمقولة "الصديق وقت الضيق"، وتأكيدا على أن العلاقات القوية تفرزها الشدائد، وقد قدمت الصين والدول العربية الدليل تلو الأخر على عمق وقوة ومتانة العلاقات بينهما عمليا وبصدق نية وليس مجرد شعارات أو إجراءات دبلوماسية.

ويعتبر الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني - العربي، الذي عقد  الإثنين عبر تقنية الفيديو كونفرانس، برئاسة عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الأردني أيمن الصفدي، وبمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزراء الخارجية العرب، دليلا على حرص الجانبين على استمرار التعاون بينهما في أحرج الظروف وأصعبها، كما أنه دليل على أن التعاون بينهما خلال أزمة (كوفيد-19) وتجسيد لروح مجتمع المصير المشترك لهما.

لقد كان الاجتماع فرصة ليعبر كل جانب عن امتنانه وتقديره لما بذله الطرف الأخر من جهود وما عبر عنه من مشاعر صادقة ومخلصه إزائه خلال الأزمة، وبحث كيفية الاستفادة من هذه التعامل والتعاون المشترك لمواجهة مرض فيروس كورونا الجديد، في المستقبل.

أعضاء فريق طبي صيني يلتقطون صورة جماعية قبل مغادرتهم إلى الجزائر في مطار جيانغبي الدولي في بلدية تشونغتشينغ بجنوب غربي الصين، 13 مايو 2020. (شينخوا)

 

وتقول الحكمة الصينية "في كل مشكلة فرصة"، ولعل أزمة كورونا كانت فرصة حقيقية لتتعرف الصين والدول العربية على حقيقة صداقة كل منهما للآخر، كما أن كانت فرصة تبرز أهمية التعاون المشترك في كافة المجالات وفي مقدمته التعاون الطبي والعلمي والتكنولوجي، في إطار المصير المشترك للبشرية.

واستشعر المشاركون بالاجتماع الوزاري للمنتدى أهمية رسالة التهنئة التي بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ بها إلى الاجتماع، والتي أكد فيها على أهمية أن يستغل الاجتماع لبحث فرص التعاون في مختلف المجالات وخاصة فيما يتعلق بمواجهة أزمة مرض كورونا، والمضي قدما في بناء مجتمع المصير المشترك بين الصين والدول العربية.

لا شك أن التعاون العربي - الصيني في مواجهة (كوفيد-19) لا يشكل نموذجا يحتذي للدول الأخرى فحسب، وانما تعتبر أيضا تجربة ملهمة للتعاون بين الدول العربية والصين في مختلف مجالات العمل الأخرى.

إن أهم ما ميز التعاون الصيني - العربي خلال أزمة كورونا أن كل منهما بادر بتقديم يد العون والمساعدة دون أن ينتظر طلب الطرف الأخر، ودون أن يقيم حسابات للمكسب والخسارة، يتساوى في ذلك الجانب المعنوي والمادي.

فعندما يبادر قادة الدول العربية في بداية الأزمة بالتواصل مع القيادة الصينية سواء عبر الرسائل أو المكالمات الهاتفية لإبراز المساندة والدعم، وعندما تضاء المواقع الأثرية التاريخية الرئيسية المصرية مثل قلعة صلاح الدين الأيوبي ومعبد الأقصر ومعبد أبو سمبل، بعلم الصين ونفس الشيء بالنسبة لبرج خليفة بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتتناقلها كل وسائل الإعلام العالمية لم يكن هذا بالأمر الهين.

وعندما ترسل الدول العربية بالمساعدات الطبية المختلفة على رمزيتها، فمن المؤكد أن ذلك الأمر كان مقدرا من الصين إدراكا منها بصدق المشاعر العربية تجاهها، وهو مادفع الصين رغم أنها لم تتخلص تماما من المرض أن ترسل بأطقم طبية وخبراء إلى أغلب الدول العربية لتقديم يد العون المساعدة، فضلا عن العديد والعديد من شحنات المساعدات الطبية، وتوفير بروتوكولات علاج المرض المتنوعة، وعقد الكثير من الاجتماعات بين الخبراء الصينيين والعرب عبر الفيديو كونفرانس لنقل الخبرات والتجارب وتحقيق الاستفادة القصوى منها.

 

 

وصول الدفعة الثالثة من الإمدادات الطبية المقدمة من الحكومة الصينية، والتي تزن أكثر من 35 طنا، إلى مطار القاهرة الدولي، 16 يونيو 2020. (شينخوا)

 

لقد كان من الطبيعي بعد كل هذه المشاعر الطيبة والتي ترجمتها الأفعال المخلصة أن تنعكس إيجابا على الاجتماع التاسع لمنتدى التعاون العربي - الصيني، الذي سيطرت عليه أجواء إيجابية للغاية، عبرت عنها كلمات ومداخلات الوزراء المشاركين، والتي عكست رغبتهم في استثمار هذه الروح الإيجابية في تحقيق المزيد من التعاون المثمر الذي يصب في صالح شعبي الأمتين الصينية والعربية.

لم يأت ترحيب المشاركين بالاجتماع بإقامة مجتمع المصير المشترك للصين والدول العربية من فراغ، فقد كان نموذج التعاون المشترك لمواجهة (كوفيد-19) ماثلا أمام أعين الجميع، ليتأكد لهم أهمية إنجاز مجتمع المصير المشترك ليحقق طموحات التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، ويساعد على توطين التكنولوجيا وتشجيع الابتكار وتحسين القطاعات الصحية والتعليمية والثقافية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للثروات سواء البشرية أو الطبيعية.

ولعل ما تمتلكه الصين والدول العربية من قدرات جيوسياسية واقتصادية وتكنولوجيا وبشرية ووفورات مالية ومساحات شاسعة من الأراضي ورؤى وخطط مستقبلية طموحة، بالإضافة إلى مخزون هائل من الطاقة سواء التقليدية أو الجديدة والمتجددة، حافزا مهما للتعاون المشترك بينهما، بما يحقق الفوز المشترك والمنافع المتبادلة بين الطرفين الذين تربطهما علاقات صداقة وطيدة ضاربة في جذور التاريخ وممتدة من حضارتين وثقافتين عريقتين.

المصدر: - القاهرة (شينخوا) - بقلم/ عماد الأزرق