كيف أسلموا(الحلقة السادسة عشر): سعد بن أبي وقاص

بقلم: أسامة نجاتي سدر

أسامة نجاتي سدر
  •  أسامة نجاتي سدر

تسعة عشر ربيعاً مضت منذ أن دبت الحياة في صحابينا الجليل صاحب الفضل الكبير ومن شفى من الفرس في القادسية الغليل حتى قصة إسلامه، جده أهيب هو عم آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سعد من أفضل الرماة والصيادين، صانعا لنصل السهام يبيعها في أسواق مكة لأهلها وزوارها، وكان يلتقي بقوافل التجار ويستمع إلى أحاديثهم ليطل على العالم ويسمع أخباره، وهو من رواد مجلس أبي بكر يجالس فيه التجار والعلماء والشيوخ وينهل من علمهم ويرتقي بأدبهم، ولقد كان سعد يعتز بخؤولته للنبي عليه السلام لعظم ما يسمعه من أخباره فقد سمع كيف حل النزاع بين سادة مكة حين أرادوا وضع الحجر الأسود في مكانه، ونجاح تجارته بمال زوجه عائشة ومكارمه من إغاثة الملهوف وإكرام الضيف ولقبه (الصادق الأمين) التي انتشر بين الناس بمكة سادتها وعبيدها.
قال سعد: "رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاثٍ كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا، إذ أضاء لي قمر فاتَّبعتُه، فكأني أنظر من سبقني إلى ذلك القمر؟ فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى ههنا، قالوا الساعة؟"، ولم يطق انتظار الصباح حتى يرى أبا بكر ليسأله عن حلمه فيسعد به وكأنه يقول له "هنيئا لك يا سعد وكأن الله اختارك لنصرة نبيه، والله إن محمداً بدرٌ يضيء ظلامَ الجهل وأفلح من اتبع هدى الله بين يديه" وأخبره عن الإسلام وضرب له موعداً للقاء النبي عليه السلام بعد أيام عسى أن يصطحب معه صحبه ورواد مجلسه كالزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف ليسمعوا منه معه، لكن همّة الشباب وشوقه للخير لم تسعه صبرا فبحث عنه، يقول "فلقيته في شِعب أجياد يصلي العصر فقلت له: إلامَ تدعو؟ قال: «تَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله".، وبدأ يتلقى تعاليم الدين الجديد مع صحبه الذين لم يتخلف منهم أحد ويعد نفسه لتلقي مهماته الأولى.
 وبدأ الإسلام يرسم شخصية سعد ويغير عاداته وصفاته، فأحست أمه بذلك وواجهته فأخبرها ودعاها للإسلام فأبت وقالت له:" يا سعد، أما وقد صبأت، فوالله لا يظلني سقفٌ من الحرِّ والبَردِ، وإنَّ الطَّعامَ والشَّرابَ عليَّ حرامٌ حتى تَكْفُرَ بمحمدٍ"، قال: فناشدتُّها أوَّلَ يومٍ، فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها، فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: "والله، لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا"، فلما رأت ذلك وعرفت أني لستُ فاعلًا وتدخل أخ لي اسمه عمارة أَكَلَتْ، فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشكا إليه أمر أمِّهِ، فنزل في ذلك تعليمًا قولُ الله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. هذا خال النبي عليه الصلاة والسلام وصاحب أول سهم في سبيل الله، زعم أنه لبث سبعة أيام وهو ثلث الإسلام لم يسلم غيره فيهنّ، وهو الوحيد الذي قال له عليه السلام: "ارم سعد فداك أبي وأمي" شهد المواقع كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاد معركة القادسية والمرض يقعده وانتصر بعون الله وفضله، واعتزل الفتنة بين المسلمين رافضاً أن يختلط دم كفار بدرٍ وأُحدٍ بدماء المسلمين، وحفظ جبةَ القتال في بدر ليكفّن بها ومات على أطراف المدينة ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت