- بقلم :ميساء أبو زيدان.
أسابيع عديدة هي المدة التي مكث خلالها أفراد قوة عسكرية إسرائيلية خاصة في قطاع غزة عام 2018 على اعتبار أنهم فلسطينيو الهوية مارسوا بها دور أسرة تحيا حياة اعتيادية كباقي الأسر في القطاع، وانتحلوا النزعة الإنسانية عبر تزويد بعض الأسر هناك بخدمات صحية تحت غطاء جمعية خيرية تُساهم في التخفيف من وطأة الأوضاع المزرية التي يعانيها الفلسطينييون في غزة! عبر "عملية معقدة" تم انقاذ أفراد القوة الإسرائيلية التي كُشف أمرها فور الاشتباه بتحركاتهم من قبل عناصر أمنية في حركة حماس قُتل خلالها ضابط القوة الخاصة وجُرح آخر، لكن بقيتهم تم تهريبهم من القطاع بعملية عسكرية واسعة استخدم فيها الإسرائيليون الطيران الحربي وبمتابعة مباشرة من قادة أركان في وزارة الجيش الإسرائيلي.
خلافاً لما تم تداوله في الإعلام عن حيثيات تلك العملية الأمنية التي تمت أحداثها في عمق قطاع غزة وعن مدى نجاحها أو فشلها بالنسبة لحماس أو للإسرائيليين، فإنه من الجليّ هنا هو حجم الإمكانات والقدرات التي امتلكها الجانب الإسرائيلي لتنفيذ تلك العملية الأمنية في غزة وبمستوى مكّنهم كوحدات عسكرية مختلفة من التسلل والمكوث طيلة تلك الفترة الزمنية اللافتة في ميدان (العدو)؛ في قطاع غزة الذي شهد بناء حركة حماس لقدراتها المختلقة كقوة مسيطرة منذ العام 2007 خاضت ثلاث حروب مع الجانب الإسرائيلي وحرصت وحداتها الأمنية والعسكرية إحكام قبضتها على كل ما يدب فوق أرض غزة وما في باطنها. وللآن لا يزال الغموض يكتنف كل ما يتصل بالعملية؛ مجالها وأهدافها ومدى إنجازالقوة الخاصة للمهام الموكلة لها من عدمه ولِما أفضت إليه التحقيقات الإسرائيلية حولها.
لم تمضِ مدة زمنية طويلة على عملية خانيونس تلك حتى تم الإعلان قبل أيام قليلة وبذات السياق عن خرقٍ أمني كبير طال منظومة كتائب القسام لواء شرق غزة تحديداً؛ حيث اعتقلت حركة حماس حسب المصادر التابعة لها خلية عملاء أحدهم قائد لكتائب القسّام في حي الشجاعية بمدينة غزة توكل له مهام أمنية متعددة منها التحقيق مع مَن يتم اتهامهم بالعمالة وإصدار الأحكام بحقهم، بالتلازم مع متابعته لأهم مفاصل العمل العسكري بذات الوقت الذي كان فيه متورطاً بالعمل مع المخابرات الإسرائيلية منذ أحد عشر عاماً. بالتزامن مع فِرار قائد وحدة الضفادع البشرية في كتائب القسّام بواسطة عملية عسكرية نفذتها البحرية الإسرائيلية قبالة شواطى غزة لتهريبه وقد كان بحوزته معلومات سرية هامة للغاية وأجهزة مختلفة زُوِّد بها لتنفيذ مهام تجسسية طيلة فترة قيادته لتلك الوحدة .
اللافت فيما تقدم هو أن الجانب الإسرائيلي ومنذ انسحاب قواته من قطاع غزة في آب عام 2005 انتهج مساراً مختلفاً فيما يخص عمليات التجنيد بحيث انتقل لتجنيد العشرات ضمن مجموعات بل نجده واستناداً لما تم تسريبه حول الوحدة الخاصة التي نفذت تلك العملية المعقدة في خانيونس قد امتلك المناخات المُهيِّئة لدخول أفراداً من وحداته العسكرية لتنفيذ المهام التي تتطلب مستويات أعلى من السرية والمهارات والقدرات المتخصصة. ما يدفعنا هذا كله للتساؤل حول الآليات التي يتبعها الإسرائيليون لإحداث مثل تلك الاختراقات وبهذا المستوى وعن مدى سهولته فالحديث هنا ليس عن أفراد بل مجموعات منظمة تتطلب الامكانات والتكاليف الضخمة، ما يقودنا لِتساؤل آخر حول مصادر التمويل والكيفية التي يتم عبرها إيصال الأموال والمعدّات لهذه المجموعات المرتبطة سيما وأن الإسرائيليون لا يلتقون العميل مباشرةً أم أنهم يستطيعون ذلك!! بل كيف نفذ الإسرائيليون عملية عسكرية كبيرة شاركت بها وحدات متخصصة مختلفة تابعة للجيش الإسرائيلي لتهريب قائد وحدة الضفادع لدى كتائب القسّام ومن على شواطئ غزة ! في إشارةٍ منهم لمدى أهميته كصيدٍ ثمين وإلا لما اكترثوا به.
كلُ ما تقدم يضعنا أمام ضرورة فتح الملف المتعاظم في غزة التي لا يتجرأ (كما يصرح قادة حماس دوماً) الإسرائيلي على دخولها أو اجتياز منظومتها وأن الإسرائيليون لا يمتلكون القدرة على اختراق الحصانة الأمنية والعسكرية فيها، وإلا فكيف يتم تجنيد مثل تلك المجموعات وإحداث الاختراقات بتلك المستويات المتقدمة والعميقة ميدانياً! إذ أن الإسرائيليون لا يمتلكون حرية الحركة على الأرض في قطاع غزة كما يمارسونها عربدةً في الضفة الغربية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت