- تامر عوض الله
«لا مكان آمن في غزة» .. هذا هو حال قطاع غزة قبل ست سنوات، طائرات ودبابات وبوارج حربية اسرائيلية تلقي حمم نيرانها وأطنان قنابلها على أحياء ومخيمات وأزقة غزة، رائحة الموت والبارود تفوح من كل مكان، جثث متفحمة وأجساد متناثرة هنا وهناك، أطفال وشيوخ ونساء أصبحوا بلا مأوى، نازحين من مناطق سكناهم المدمرة، ولاجئين نحو مدارس وكالة «الأونروا» التي لم تنجو هي الأخرى من القصف الاسرائيلي الهمجي.
لم يتغير الحال على غزة، التي شنت اسرائيل عليها حرباً ضروساً في صيفها الحار عام 2014، دون أن تستثني أحدا، ودون أن تأخذ إذناً من أحد، تركت واقعاً مأساوياً لسكانها بعد أن ارتكبت مجازر وحشية فاقت الخيال، موقعة آلاف الضحايا من الشهداء والجرحى، ناهيك عن تدمير مناطق وابراج سكنية بأكملها، فيما شُطبت عائلات بأكملها من سجل السكان لإخفاء معالم جريمته، ولكن مشاهد العدوان بقيت شاهدة على نفسها.
ووفق الاحصائيات الرسمية، فإن اسرائيل قتلت خلال عدوانها الهمجي أكثر من 2300 فلسطينياً من بينهم 579 طفلاً و263 امرأة و102 مسن، فيما أصابت أكثر من 11 ألف فلسطيني بجراح متفاوتة، وتسببت بإعاقات دائمة للكثير منهم، فيما أعلن عن فقدان 19 فلسطينياً لم يعرف مصيرهم بعد، فيما بلغ عدد المنازل المدمرة حينذاك 13217 منزلاً وعدد المنشآت المتضررة 5427 منشأة.
مقاومة باسلة
ورغم فظاعة العدوان ووحشيته`، الا أن المقاومة الفلسطينية تصدت له، ودافعت عن حاضنتها الشعبية ببسالة في مواجهة جيش الاحتلال، وتكبيده خسائر بشرية ومادية ومعنوية، واستطاعت كسر شوكته رغم ادعائه بأنه «الجيش الذي لا يقهر».
وتوحدت كافة الأجنحة العسكرية المقاتلة في الميدان وفي مقدمتها، كتائب المقاومة الوطنية وسرايا القدس وكتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى وألوية الناصر صلاح الدين وغيرها من الأجنحة والتشكيلات، وتميز أداؤها وقدرتها على إيلام جيش الاحتلال عبر تنفيذها للعمليات النوعية التي حققت انجازات عسكرية كبيرة من جهة، وفي التصدي لعمليات التوغل البري التي شهدتها الأحياء الشرقية والشمالية للقطاع، فيما قصفت المستوطنات والمدن المحتلة والمواقع العسكرية الاسرائيلية برشقاتها الصاروخية المكثفة وقذائف الهاون، الأمر الذي أدى إلى هروب الآلاف من مستوطني ما يسمى «غلاف غزة»، فضلاً عن أسرها لعدد من الجنود الإسرائيليين.
واوقعت المقاومة خلال تصديها للعدوان 72 قتيلاً من الجنود الاسرائيليين، وأصابت أكثر من 700 آخرين، منهم 300 جندي اصيبوا بإعاقات دائمة، وهروب مئات الجنود من خدمتهم العسكرية، وتعرض الآلاف من الجنود والمستوطنين لصدمات نفسية شديدة.
ولم تقتصر خسائر الاحتلال على الخسائر البشرية بل تعدت ذلك إلى خسائر مادية بلغت تكلفتها ما بين 3-4 مليار دولار منها 2.5 مليار دولار خسائر في الاسلحة والذخائر، أما في صفوف المستوطنين فقد بلغت أكثر من 450 مليون دولار، وفي قطاع السياحة وصلت إلى650 مليوناً، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة بحوالي مليار دولار.
القرار الموحد
وفي خضم المعارك الضارية بين المقاومة وجيش الاحتلال، كانت تدار مفاوضات غير مباشرة بين الوفد المفاوض الفلسطيني الموحد وبين الاحتلال الإسرائيلي من أجل «التهدئة»، قدم خلالها الوفد الفلسطيني الموحد نموذجاً فريداً في وحدة القرار الذي استند إلى قوة المقاومة في الميدان، متمسكاً بمطالب وحقوق الشعب الفلسطيني، ولم يساوم عليها، ما عزز موقفه في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والإقليمية من خلال تمسكه بمطالبه وشروطه لاتفاق وقف إطلاق النار الذي ابرم بتاريخ 26 آب (أغسطس) 2014.
انت هذه الجولة من العدوان على غزة، لكن الاحتلال كعادته لم ينفذ أي شرط من شروط التهدئة « اتفاق وقف اطلاق النار»، ضارباً بعرض الحائط كافة القرارات التي تنص على وقف العدوان ضد الفلسطينيين، ورفع الحصار عن غزة، بل واصل عدوانه بقتل المزيد من الفلسطينيين، وتنفيذ عمليات توغل بري محدود المدى، وشن غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، فضلاً عن التضييق على الصيادين في عرض البحر، واستهداف المواطنين في «مسيرات العودة وكسر الحصار»، قبالة الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع وأراضي الـ 48، وغيرها من الاعتداءات الاسرائيلية.
وشكلت معارك الصمود في قطاع غزة 2014، حالة وطنية موحدة ميدانياً وسياسياً، وعمدت المقاومة على صونها وتطويرها من خلال بناء «غرفة العمليات المشتركة» في تموز (يوليو) 2018، والتي تضم الاجنحة العسكرية المقاتلة، والتي خاضت العديد من جولات القتال مع جيش الاحتلال، رغم الحاجة الماسة إلى تطويرها ومعالجة الثغرات التي تعتريها، للوصول إلى جبهة مقاومة موحدة، لمواجهة التحديات الجسام التي تواجه شعبنا وقضيته الوطنية، وفي مقدمتها صفقة «ترامب – نتنياهو» ومشروع الضم الاستعماري.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت