د. طلال الشريف
الإقصاء والإستئصال لا ينتج أي منظومة كانت، سياسية، أو، فكرية، أو، إقتصادية، أو، مهنية، أو تحررية ناضجة، فما بالك، كيف سينتج منظومة تحدي، ونضال لشعب يرزح تحت الإحتلال، يرفع شعار التحرر، ومجابهة مؤامرات الضم وتصفية القضية الوطنية في فلسطين.
قضيتنا الفلسطينية، قضية وطنية بإمتياز، وليست قضية عائلية، أو، تجارية، لكن، حواملها، من، أحزاب، وحركات، ومجموعات، وتيارات، وأجسام، وحتى، مؤسسات تمثيلية، مارست، وتمارس، الإقصاء، والإستئصال، داخلها، وخارجها، بلا، تردد، أو، مراجعة، حتى اليوم، ونحن، على مفترق طرق خطير، أمام مؤامرات الضم، والتصفية، وقد تتضح لاحقا مؤامرات تهجير، أي، أننا على مرمى حجر من حقائق مؤلمة، إن طبقت تلك المؤامرات، فلماذا نتمادى في الإقصاء والإستئصال؟
التربية أولاً ، وأزمة النظام والأخلاق أي(الفهلوة) ثانياً، والحروب وهي عملية إقصاء واستئصال أصيلة في ماهيتها ثالثاُ.
العناصر الثلاثة متداخلة في التجمعات الفلسطينية، أينما وجدت، ومنها تتشكل الشخصية الفلسطينية الواحدة، منتجة ثقافة الإقصاء، والإستئصال في المجموع، أو، بصورة أكثر دقة، في الغالبية العظمى، من المجموع. هذه العناصر الثلاثة، لإنتاج ثقافة، الإقصاء، والإستئصال، قد يصعب، وضعها تراتبياً، لنقول هذا العنصر، هو الأساس في توليد العنصرين التاليين، وهكذا، لأن ذلك يحتاج دراسة مقارنة لموضوع التربية بالذات، إذا أردنا أن ندرس تلك الظواهر التي نعتقد بوجود حد فاصل، يمكن الحديث عنه، في عنصري النظام والأخلاق، والحرب، ما بعد النكبة في العام 1948، وما قبلها، وحتى لو فرضنا جدلا أن الإقصاء والإستئصال هي ظواهر تعمقت أكثر بعد النكبة، فهل كانت تلك الثقافة غير موجودة قبل العام 1948، أم كانت أقل عمقا؟ أم أكثر عمقاً؟ الإجابة عن السؤال من واقع العمل السياسي في تلك الأوقات يشير بوضوح، من أين جاء الخلل في النظام والأخلاق والحرب؟
ولكن، يبقى للبحاث، أن يصلوا بدراساتهم في موضوع التربية قديما أي قبل الحسيني والنشاشيبي، إلى نتائج، لنعرف لماذا وكيف نشأ ونتج الخلاف الذي زرع بذور الإقصاء والإستئصال من قبل السياسيين الفلسطينيين، خاصة النشاشيبي والحسيني، ونتأكد من أصل الإقصاء والاستئصال، وهل هو صفة أصيلة في المجتمع الفلسطيني، أم بدأ بظهور المناصب أثناء الإحتلال التركي، والانتداب البريطاني، وهما السبب؟ أم أن التربية الفلسطينية بشكل خاص، والعربية، بشكل عام، هي إقصائية إستئصالية في مكنونها، هي السبب، وهي منتجة ثقافة الإقصاء والإستئصال، وأن استحداث الكراسي والمناصب وتشكل قيادات تلك المرحلة، كان كاشفاً لتلك التربية؟؟
نقول كان واقع العمل السياسي منذ العام 1920- 1948، يشبه كثيراً واقع العمل السياسي الآن، في عمق ظاهرة الإقصاء، والإستئصال، وتلك الخارطة السياسية الممتدة حتى الآن، هي الأقرب، أو، الأكثر تطابقاً مع حالتنا السياسيةالراهنة، وإذا ما رجعنا للوراء سنجد أنها تحتوي على صراع الإقصاء والإستئصال، بين عائلتي، النشاشيبي، والحسيني، وما نتج، وتطور، بعدها من أحزاب، مؤسسات، أو لجان، أو إتحادات، أو أطر شعبية أو، مجالس تمثيلية.
الباحث، جلال سلمي، الباحث السياسي في مركز الشرق للسياسات في مقاله المنشور ، في، موقع، ن بوست، بتاريخ 17/5/2017، تحت عنوان "" فتح وحماس وانقسام الحسيني والنشاشيبي قبل 100 عام"" يقول : هذا التنافس البارز بين الطرفين، أي "النشاسيبي والحسيني" منح بريطانيا فرصة تطبيق سياسة "فرق تسُد"، حيث ظهرت هذه السياسة من خلال تعيينها "راغب النشاشيبي" كرئيسٍ لبلدية القدس عام 1920، ومنحها منصب "مفتي القدس" المرموق وذي النفوذ السياسي الاجتماعي الملموس إلى "الحاج أمين الحسيني" عام 1921، وبدت ملامح الانقسام المؤلم بالظهور للسطح عبر تصريح راغب النشاشيبي بأنه ومؤيديه سيعترضون على كل قرار يصدره الحاج أمين الحسيني، وإستنتج الباحث بقوله ""ربما لم يوقن النشاشيبي أو الحسيني حينها أنهما أخطر على قضية الفلسطينية من تحيز الانتداب البريطاني لصالح اليهود، إلا أن التاريخ كشف أنهم كذلك فعلاً"" ..إنتهى الإقتباس
نعود لمقالنا لنقول، إن ما يهمنا هنا، هي هذه الفقرة الأخيرةبالذات، التي استنتجها الباحث جلال سلمي، في بعدها السياسي، ولكنه لم يتطرق لبعدها الأهم من وجهة نظر علم الإجتماع السياسي، في أن خطورتها، كانت، أنها مثلت بذرة التأسيس لمجتمع الإقصاء والإستئصال الفلسطيني، التي أتحدث عنها في مقالي هذا. ولذلك من هنا أقول: لقد تغيرت الشخصية الفلسطينية في كل مناحي حياتها السياسية، والإجتماعية، وأضفت الحروب، والهجرة، والمعاناة، والصراع، على المصالح، المناصب، من ذاك الوقت، وتعمقت، وامتدت تتعمق حتى، وصلنا لحالة التشرذم، والتيه، والضياع، والإنقسام، وعدم القدرة على وقف المشروع الصهيوني، في أي محطة، من محطاته، حتى الآن، وأخطرها، مصيريا،صفقة ترامب، وضم الأراضي الفلسطينية، والقدس، لدولة إسرائيل، وضرب القوانين الدولية بعرض الحائط، وكل ذلك التراجع بني على ما نما من بذرة الخلاف والإقصاء والإستئصال السياسي الإجتماعي بين النشاشيبي والحسيني.
الإقصاء والإستئصال ظاهرة ممتدة في التجمعات الفلسطينية بتدرج ، وفي كل مناحي حياتنا السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية، والعلمية، والمؤسساتية، والحقوقية، والصحية، والرياضية، وحتى العائلية منها، وكل، عمل، أو، نشاط، أو، شراكة، أو، حتى صداقة، فيما، يجتمع فيه، أكثر من شخصين فلسطينيين، في كل زمان، وفي كل مكان، تظهر ظاهرة الإقصاء والإستئصال.
لاحظوا معي أن الفلسطيني دائما عند كل خلاف، مهما كان بسيطا، يصبح الخلاف، وكأنه، المعركة الأخيرة في حياته، بشعور، أو، بدون شعور، هو يقامر بحياته، حتى، أبعد الحدود، وهذا نتاج تراكم الإقصاء والإستئصال، الذي تعرض له، من الأسرة، ومن المجتمع، ومن المسؤولين، ومن الحكام، ومن الأعداء، وحتى، من كوارث الطبيعة، لأنه يعتبر كل معركة، هي، معركته النهائية، والأخيرة، يا قاتل، يا مقتول،، وهذا ما نراه في كل المجالات.
لذلك أي فلسطيني يحصل على موقع سياسي، أو، مهني، أو، حتى لو عريف فصل، أو، كابتن فريق رياضي، أو، وقيف عمال، أو، مختار، أو، كبير عائلة، أو زعيم حارة، أو حتى زعيم عصابة، أو، حتى، بدون أي منصب، فإن لديه نظرة أنا أكبر من كل هؤلاء، دون إعتبار للخبرة، والمعرفة، والمؤهل والكفاءة، لإنه يرى كل شيء، دون نظام، ودون أخلاق، حتى وإن تجمل بالسلوك، فعند المصلحة تنتفي كل قواعد الأخلاق، واللي بيزاحم بيملي على رأي المثل، لأن في داخل كل فلسطيني نزعة عدم مغادرة المصلحة، أو الموقع، المنصب، مهما صغر، أو كبر، الموقع، أو العمر، وذلك بسبب، ما مورس عليه، من، إقصاء، أو، إستئصال، في مسيرته، وخاصة، أولئك القادة السياسيين، الذين لا يغادرون مواقعهم إلا بالموت أو الإغتيال، وتولد لديه أن أي شخص بالفهلوة ودون حق ودون كفاءة يمكن أن يصبح ذو شأن ومنصب وجاه ودون وجه حق...
تلك الحقيقة التي تبقي الفاشل وغير الكفؤ في المكان وتطرد تلك الثقافة القادرين على نقل المجتمع لخطوات أفضل وضاع كل شيء في هذه الدائرة المغلقة، فكيف ومتى تكسر هذه الدائرة المغلقة لتتغير حال المجتمع والقضية؟؟!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت