نظمت مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية بالشراكة مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، جلسة حوار بعنوان "الاردن وخطة الضم الإسرائيلية.. الموقف والتداعيات"، حيث استضافت من الأردن عبر برنامج الزوم عريب الرنتاوي مؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان، بحضور نخبة من الكتاب والباحثين والسياسيين والشباب، لتعزيز الحوار المجتمعي حول القضايا التي تهم حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني.
وافتتح الجلسة مدير "بال ثينك" عمر شعبان بالترحيب بالحضور، وقال: خطة الضم لم تتم ولم تنتهِ، وما زالت تستحوذ على اهتمام صناع القرار في أمريكا وأوروبا وإسرائيل ودول الجوار العربي وفلسطين طبعاَ. وهناك اتفاق على أن الموقف الأردني كان متشدداً في رفضه للخطة، لأن الأردن متضرر بشكل كبير على الصعيد السياسي والجغرافي، لأن انهيار الدولة الفلسطينية يؤثر بشكل مباشر عليه، وأعتقد أن أحد الأسباب التي دفعت الحكومة الإسرائيلية لتأجيل الضم، بعد قوة الموقف الفلسطيني للرفض ، كان موقف الأردن".
بدوره، رحب أسامة عنتر مدير برامج مؤسسة "فردريش إيبرت" في قطاع غزة بالحضور، وقال: "خطة الضم الإسرائيلية حتى لو تأجلت ستتحقق جزئياً، وأكثر المتضررين بعد فلسطين هي الأردن، ومعرفة الموقف الأردني السياسي والمجتمعي مهم جداً، لمعرفة كيفية توحيد الجهود في الأردن وفي فلسطين من أجل إيقاف الخطة، وللحد من تأثيرها على حل الدولتين، وعلى التركيبة السكانية الفلسطينية الأردنية".
من جهته، قال مدير مركز "القدس" عريب الرنتاوي: "هناك عدة عوامل تدفع صانع القرار بالأردن لرفض خطة الضم، وهذه العوامل تمس الأردن وكيانه ومستقبله، فمنذ مجيء الملك عبد الله جرى تفاهم على مصالح الأردن في الحل النهائي وهذا التعريف استقر على أن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية لا يخدم فقط الفلسطينيين وإنما يشكل خط دفاع أول عن أمن الأردن وهويته. وهي الوسيلة لإنهاء مخططات بعض اليمينيين الإسرائيليين لتحويل الصراع بدلا من أنه فلسطيني إسرائيلي إلى إسرائيلي أردني".
وأضاف: "صفقة القرن وتداعياتها تركت الأردن وحيداً في التعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وهم 4.4 مليون. ولولا جهود الأردن لربما خسرنا معركة الحفاظ على الأونروا بوصفها رمزا للجوء ولأنها تقدم الخدمات للاجئين. عامل آخر وهو الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس الي تكاد ألا تستطيع القيام بواجباتها بسبب السياسيات الإسرائيلية. أما الضم: فهو يضرب معاهدة السلام التي رسمت الحدود بين إسرائيل والأردن، باستثناء الحدود بين الضفتين والتي استُبعدت لمفاوضات الحل النهائي. وجرى التوافق على الحفاظ على مكانتها القانونية إلى تلك اللحظة".
وتابع: "في حالة تم الضم، قد لا تبقى السلطة الفلسطينية قادرة على إتمام وظيفتها ولربما تنهار وبالتالي نذهب لسيناريوهات مفتوحة: كالانتفاضة أو العمل العسكري أو العنف الاجتماعي، أو الترانسفير، ولربما سيطرة حركات دينية على الضفة الغربية وهذا غير مرحب به في عمان. أيضاً الأردن لديه خبرة واسعة في التعامل مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لكن الجديد مع إدارة ترامب أنها منحازة ليس فقط للرواية الإسرائيلية إنما منحازة لرواية اليمين الإسرائيلي، وأبدت هذه الإدارة لأول مرة تسامحاً حيال إلحاق الضرر بمصالح أردنية جوهرية. ولأول مرة في تاريخ الأردن أن مهدداته الكبرى تأتي من معسكر الحلفاء وليس من معسكر الخصوم التقليدين، وهذا أمر لا يتكرر كثيرا في التاريخ، ولكنه يحصل الآن".
وأردف: "أضف إلى ذلك حالة الانكشاف العربي الذي يقلق الأردن، خاصة وأن دوره على الصعيد الإقليمي يتراجع خلال السنوات الماضية، وهذا عنصر تحسب للموقف الأردني، وعلينا أن نقف على جملة الملك الأردني للكونغرس الأمريكي وهي Don't take Jordan for granted أي ألا تأخذوا موقف الأردن على أنه مضمون. وهذا الموقف جرى التعبير عنه عملياً، إذ أجّل الأردن توقيع مبادرة الغاز في شرق المتوسط بسبب أجواء الضم وصفقة القرن، واستطاع الأردن بجهده الدبلوماسي - الشبيه بخلية النحل - أن يمنع إسرائيل من استخدام مطار تمناع الذي يهدد سلامة مطار العقبة".
وأضاف: "التنسيق الأردني الفلسطيني في أحسن أيامه، ولا أذكر أن كان كذلك حتى في اتفاق شباط 1985، فالآن العلاقات مفتوحة والاتصالات شبه يومية، وهناك زيارات رسمية متبادلة".
وأشار الرنتاوي إلى أن هناك تغييرات مطلبية وضرورية مثل: انتقال الأردن من الاعتمادية إلى الاعتماد على الذات، وعليه أن ينظر إلى الداخل وأن يعزز المشاركة الشعبية، وانتخاب برلمان متعدد الأحزاب، وإيجاد حكومة قوية.
وقال: "أما ما يقلقني فهو موقف الإمارات، لأننا نعلم أن الإمارات تتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل بخطى حقيقية كون الإمارات وإسرائيل هما أقوى اقتصادين وجيشين في المنطقة، وتتمتعان بأقوى علاقة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهذه نقاط قد تؤدي لإضعاف موقف الأردن. أما أوراق القوة في يد الأردن فكثيرة، فللأردن أصدقاء مهمون في الولايات المتحدة، كما أن وسائل الإعلام ومؤسسات صنع القرار ومؤسسات صناعة الرأي العام، تبدي تفهماً كبيراً للموقف الأردني. والأهم أن الأردن يرتكز على موقف فلسطيني صلب، إذ أن الفلسطينيين توحدوا في رفضهم لصفقة القرن رغم انقسامهم العميق. أما صاحب الموقف الشعبي القوي الذي يضغط تجاه موقف الأردن من خطة الضم والسياسية الأمريكية والإسرائيلية الجديدتين فهم عشائر الأردن. فإن أجاد الأردن استخدامها وإن سمح للشعب بالتعبير عن نفسه، فستحسم الأمور".
وأوضح الرنتاوي أن على الأردن فعل عدة أمور، أهمها: النظر للداخل الأردني واللعب بأوراق القوة، وتوثيق العلاقات الفلسطينية الأردنية، وتكثيف التحرك على الساحة المحلية والدولية.
وتابع: "هناك يقظة عالمية ضد العنصرية بدأت بمقتل جورج فلويد في أمريكا، وعلى الفلسطينيين أن يستغلوها كما أراد شارون أن يفعل عندما أراد أن يدرج الفلسطينيين ضمن الإرهاب الدولي عام 2001. ويجب أن يكون هناك تحرك فلسطيني واعي ومدرك ويستخدم الأدوات المناسبة والخطاب المناسب في مواجهة العنصرية والاستعباد والاحتلال".
واختتم بالقول: "أعتقد أن المنطقة العربية بعد جائحة كورونا ستشهد موجة جديدة من ثورات الربيع العربي، فالدول الفاشلة ستزداد فشلاً، والدول ذات الاقتصاد المنزلق ستنزلق، والفجوة بين الأغنياء والفقراء ستتسع، وجيوش العاطلين عن العمل ستتوسع، والفقر سيتفشى أكثر. فمن الواضح أن كل العوامل التي أشعلت ثورات الربيع العربي موجودة".
هذا ودارت أسئلة الحاضرين حول ردود الفعل الأردنية في حال تنفيذ خطة الضم، وتأثير خطة الضم على العلاقات الأردنية الفلسطينية، وتأثيرها على العلاقات الأردنية الأمريكية.