- أسامة نجاتي سدر
والده هو ابن عم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وأمه صفية بن عبد المطلب رضي الله عنهما، أنعم به من نسب وأكرم، قتل والده يوم العبلاء من حرب الفجار وترك قتلته جرحا في قلب الزبير ووجدانه حين ذكره القتلة من ثقيف بشعرهم: منا الذي ترك العوام منجدلا تنتابه الطير لحما بين أحجار عاش في كنف أمه تربيه ليكون صورة من أخواله حمزة والعباس وأبي طالب، وكأنما شعرت بما هيأه الله له، فصُنع على عين أمه وبرعاية الله، وتذكر كتب السير أن قصتنا بدأت وعمره ثمان أو اثنا عشر ولا يستقيم ذلك مع موت والده في حرب الفجار لأن الرسول قد شارك فيها وعمره أربعة عشر عاما وعشرون في روايات أخرى وقد بعث عليه السلام وعمره أربعون عاما فيكون عمره 20 سنة على الأقل، ويعزز ذلك رواية تقول بأنه وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعلي بن أبي طالب ولدوا في عام واحد.
كان الزبير يعتز بأخواله ويفتخر بهم وكان محمد عليه السلام يحب عمته ويحترمها فقد خصها مع ابنته بندائه حين أنزل الله تعالى الأمر ("وأنذر عشيرتك الأقربين") وهي الأخت الشقيقة لحمزة عمه وأخوه من الرضاعة، ولقد كان الزبير يبادله حبا بحب ولقد سمع ورأى وتعلم مكارم الأخلاق وحسن فعاله، وصحب النبي إلى مجلس أبي بكر الصديق لينهل من علمه ويتعرف على خير شباب مكة وشيبها وكان على صغر سنه يحظى بمنزلة بينهم، جعلت أبا بكر يحدثه بأمر النبوة فورا ويدعوه لله عزوجل فيستجيب دون تردد.
وكأنني أراه يعد الساعات حتى يقرر أبو بكر ساعة اللقاء مع النبي، فينطلق بصحبة عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدٌ بْنُ أَبِي وَقّاصْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ولعله جلس بجانب النبيّ صامتا لأنه رأى أن واجبه مساندة النبي وحمايته، حين جلس الباقون يسألون ويناقشون ليعلنوا جميعاً إسلامهم وخضوعهم لله جل وعلى. ولما بدأ نور الإسلام يتسرب في مكة علم عم الزبير نوفل بإسلامه فأتاه يسأله - هل أسلمت؟ - نعم أسلمت لله رب العالمين. - دعك من هذا وعد إلى دين قومك فهو خير وأفضل.
واستمر الجدال حتى أحس الزبير بإصرار عمه على ثنيه عن دينه ولو بالقوة فقال له: - لن أعود وافعل ما تشاء فاشتد غضبه وقرر أن ينتقم من الزبير بن العوام فأمسكه وقيد يديه ورجليه بالحبال ولفه فى حصير وعلقه على الحائط وأوقد تحته نارا فاندلعت ألسنة الدخان إلى رأس الزبير ونفذت إلى عينيه فسالت منها الدموع وكاد الدخان أن يكتم أنفاسه. وبلغ الزبير بأن النبي قد أخذ بأعلى مكة ( تعرض للخطر) فما فكر لحظة وإنما شهر سيفه ومر بين نوادي مكة ومجالسها مستعرضا حتى استغرب الناس أنى له الجرأة حتى لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - : - ما لك؟ - أخبرت أنك أخذت. - فكنت صانعا ماذا؟ - كنت أضرب به من أخذك. فدعا له ولسيفه؛ فكان سيفه أول سيف شُهر في الإسلام كما كان سهم سعد بن أبي وقاص أول سهم في نصرته وعاش الزبير بن العوام (حواريّ الرسول) درعا للنبي ودينه، ورجل المهمات الصعبة في فترات الخلافة المختلفة، وأحد رجال الحل والعقد لاختيار خليفة عمر بن الخطاب، وأدرك فتنة عليٍّ ومُعاوية ووقف مع الأخير حتى استشهد عمار بن ياسر فعلم الفئة الباغية، واعتزل الحرب لولا أن اختاره الله شهيدا بسيفٍ غادرٍ بشّره علي بن أبي طالب بقول النبي صلى اللع عليه وسلم:(" بشر قاتل بن صفية بالنار") رحمه الله وأحسن إليه وجمعنا وإياه في مستهل رحمته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت