- بقلم: جودي أبو سنية/ الخليل
الذي دفعني للكتابة ،مقالة كتبها السفير الامريكي في تل ابيب "فريدمان" وهو يهودي الديانة ،ردا على "بيتر بينارت" وهو خبير يهودي الديانة ايضا ويعيش في الولايات المتحدة ، وهو من أصحاب فكرة الدعوة الى قيام دولة ثنائية القومية مع الفلسطينيين كخيار متاح لانهاء حالة الصراع وإحلال السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط وفقا لذلك.
ويبدو ان السفير الامريكي في رده غارق في أصولية متطرفة فقد هاجم الرجل ووصفه بانه رافض للقيم الامريكية التي خدمت اليهود على مدى اجيال ،معتبرا أن طروحات "بينارت" هشة وخطيرة ومن شانها حسب زعمه تدمير "اسرائيل" بل هي توازي في خطورتها تدمير الهيكل في المرة الاولى والثانية.
ويصف السفير "فريدمان" الدولة الثنائية القومية بالخطر الاكبر والذي يفوق برأيه خطر حماس، حزب الله،ايران ،الجهاد، داعش الخ..، كما ويشعر بغرابة شديدة برفض بعض اليهود الامريكيين وعدم ارتياحهم تجاه فكرة الدولة اليهودية ، بينما العشرات من الدول العربية والإسلامية والمسيحية توافق على ذلك ولا تمانعه حسب زعمه.
السفير "فريدمان" ينطلق بإيمان، ان الدولة اليهودية ما هي الا نتاج وتتويج ل "2000" عام من الصلاة والتضحية، لترميم شعب قديم ، وتحقيق لنبوئة النبي "حزقيال" وعبارته المشهورة : "وادي من العظام الجافة يعود الى الحياة" .
السفير المتطرف، يعلم تماما ان قيام الدولة اليهودية، وبناء الهيكل الثالث المزعوم، ما هي الى علامات وشاهد على نبوءات الاخرين وصدقها، بل هي شرط لكي تتحقق.
قيادات الحزب الجمهوري، والكنيسة الانجيلية (المسيحية الصهيونية) تعمل على ترسيخ الدولة اليهودية، من اجل التسريع في بعث سيدنا "المسيح" عليه السلام لخلاص العالم، وحسم معركة الزمان (هارمجدون) حيث يُقتل الجميع وتصعد الارواح المخلصة الى السماء، في حين يبقى من اليهود 160 الف يؤمنون بالمسيح حسب زعم رواياتهم، والباقي يدانون باللعنة الأبدية ، وهكذا تتحقق رؤيا "يوحنا" الف عام من السعادة والهناء، أو ما يسموه (الفية السعادة).
في منطقتنا ايضا أصولية تبدو غارقة في الاعتقاد والمسلمات، فأتباع المذهب "الاثنى عشري" يدعون ليل نهار لصاحب الزمان :اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه, و (جيش القدس ) رهن اشارة منه لاعلان حرب الخلاص ليملأ الدنيا قسطا وعدلا ،بعدما مُلئت ظلما وجورا، في حين الأصولية السياسية عند اهل الجماعة والسنة، ترى أن الوقت قد حان، ووعد الله قد اقترب، وأن الخلاص قادم ، وان النصر قاب قوسين أو أدنى، وهذا الاعتقاد قد يدفعها ويعطيها مبررات لمجازفات سياسية ليس من شانها الاضرار بشكل مباشر بالمصلحة الوطنية،بل وستكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية .
السفير الامريكي "فريدمان" على يقين بان دولة "اسرائيل" اضافة لوجودها بدوافع بعضا من الأيديولوجيا والاساطير ، فهو يعلم ايضا انها وجدت بدوافع السياسة، والفكر البراغماتي والمصلحي، وأن الدولة اليهودية ما هي الا دولة وظيفية، الهدف منها كولونيالي استعماري هدفه تسهيل السيطرة على كل موارد المنطقة ومقدراتها وثرواتها وإخضاعها للغرب الرأسمالي .
سعادة السفير "فريدمان" يعلم ان على اسرائيل ان تستغل كل تلك المنطلقات الاصولية والتي تؤمن كل الايمان بفكرة تجميع اليهود ،وإقامة دولتهم، وبناء هيكلهم الثالث المزعوم، لتتحقق نبوءاتهم وتصيدق رؤياهم . وعلى اسرائيل ايضا ان تستغل دورها الوظيفي على اكمل وجه، وبما يخدم مصالحها هي فقط.
في ظل هذا الطرح الغيبي والمتطرف والذي من شانه ان يجر المنطقة الى مزيد من الصدام والعنف بإصراره على السير في دروب الوهم، وإنتهازية سياسية تنطوي على افكار عنصرية هي تعبير خطير من شأنه ان يجر المنطقة الى حرب دينية، سيحترق الجميع بمن فيهم "فريدمان" نفسه في اتونها ،ولن يكون فيها أحد منتصرا.
وقولي للسيد "فريدمان" : لكل دين ومذهب مخلص ، ولكنك باثارتك الغيبيات لا تنشد الخلاص لكم، بل إنك تُعلن حرب الخلاص من الآخرين، في حين السيد"بيتر بينارت" انسان متوازن ينشد العيش والحياة والسلام للجميع من خلال رؤية تتضمن تسوية مقبولة على كل الاطراف، وتحقق السلام على اساس حل الدولة الواحدة، أو على اساس الشرعية الدولية الداعي إلى الحل على أساس مفهوم الدولتين لشعبين.
إلهي وإلهك هو إله الجميع، هو رب واحد، رحمان رحيم بعباده لطيف بهم، هو السلام ، وهو المحبة، ورب الكون العظيم وهو من يقرر وعده ويحقق مشيئته متى اراد، لأنه سيد الزمان وسيد المكان. فلنعش جميعا بسلام وعلى ارض السلام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت