لا صوت يعلو فوق صوت القانون.. تعليق على حادثة اغتيال الأسير المحرر: جبر القيق

بقلم: بسام أبو عليان

جبر القيق
  • بسام أبو عليان

 (1) لا يوجد في أي مجتمع من المجتمعات، ولا في أي حقبة زمنية على مر التاريخ أنها كانت صفحة بيضاء خالية من الممارسات السلبية والخاطئة. ينطبق هذا الكلام على المجتمع الفلسطيني.
في فترة الانتفاضة الأولى (1987-1993م) كانت فصائل المقاومة الفلسطينية هي إحدى مؤسسات الضبط الاجتماعي في المجتمع مع غياب المؤسسات الوطنية الرسمية، وقد وقع على عاتقها الحفاظ على سلامة البنية الداخلية للمجتمع، وتعزيز صمود الناس؛ لمواجهة محاولات الاحتلال الصهيوني تفتيت وتمزيق نسيج وحدة المجتمع، فحاربت الكثير من الظواهر السلبية، من بينها ظاهرة "العمالة مع الاحتلال الصهيوني"، فكانت تلجأ إلى ردع أو إعدام العملاء إما في الميادين العامة أو بعيدًا عن الأنظار، كل حسب مستوى جرمه، وأحيانًا ترفق سجلًا أعماله الإجرامية والتخابرية مع الاحتلال الصهيوني التي ساهمت في استشهاد أو اعتقال مقاومين، أو أفشلت عمليات مقاومة... إلخ.
 (2) لا يمكن لذي لب عاقل أن ينكر وجود بعض الأخطاء التنظيمية في قرارات الردع والإعدام التي نفذت في الانتفاضة الأولى. لكن في كل الأحوال يعتبر القرار قرارًا تنظيميًا جماعيًا، وليس قرارًا فرديًا، ـ فمن ميزة القرارات الجماعية بأن الذي يتحمل تبعاتها إيجابًا أو سلبًا المجموعة كلها وليس فردًا بعينه ـ، فحين يأخذ التنظيم قرارًا بإعدام العميل فلان، أو ردع المنحرف فلان لم يكن يأخذه فرد لوحده، بل يؤخذ بقرار جماعي.
 بمعنى آخر لم تكن توجد فوضى وعبثية في عمليات الإعدام والردع، فالشخص الذي ينفذ قرار الإعدام أو الردع هو مجرد أداة تنفيذ للقرار التنظيمي، وليس هو متخذ القرار ومنفذه لوحده.
 (3) اتفقنا بأن القرارات التنظيمية في الانتفاضة الأولى لم تكن كلها معصومة من الخطأ. أحيانًا يجتهد التنظيم وفق ما توصل له من أدلة وقرائن تثبت عمالة فلان، فيتخذ بحقه القرار الرادع الذي يراه مناسبًا، ثم يتبين للتنظيم بعد مدة من الزمن خطأ قراره الأول، فيتراجع عنه بالاعتذار علنًا لأهل المقتول، وتوضيح الأمر للرأي العام بعدم صوابية القرار المنفذ بحق فلان عبر مكبرات الصوت في المساجد، أو المنشورات المكتوبة، أو الكتابة على الجدران، أو الملصقات الجدارية، ـ وسائل الإعلام التي كانت متوفرة وقتئذ ـ.
 (4) نفترض أن إحدى الحالات أعدمت بتهمة العمالة من الاحتلال ثم تبين براءة المقتول، وأهل المقتول يعرفون منفذ قرار القتل. هل في هذه الحالة يُحَمَّل منفذ قرار القتل الخطأ والمسؤولية وحده؟! بالطبع لا؛ لأنه مجرد أداة تنفيذية لقرار تنظيمي. فأي محاولة للمساس به وأذيته، هي محاولة للمساس والأذى بالتنظيم ككل.
سؤال آخر: ما الذي يمكن لأهل المقتول خطأ فعله؛ حتى يتم إنصافهم ورد الاعتبار إليهم؟ لا يوجد أمامهم إلا سبيل واحد، وهو: اللجوء إلى مؤسسات السلطة الرسمية (الشرطة، والنيابة، والقضاء)؛ ليأخذوا حقهم وفق القواعد والأصول القانونية المعمول بها في المجتمع، ولا يجوز لأحد بأي حال من الأحوال أن يأخذ الثأر بطريقة فردية، تهدف في نهاية المطاف إلى نشر الفوضى في المجتمع.
 فلو سمح لكل من كان له قريب أعدم أو ردع في الانتفاضة الأولى ليأخذ ثأره بنفسه، سيعيش المجتمع حالة من الانفلات الأمني، وعدم الاستقرار الاجتماعي، وغياب السلم الأهلي.
 إن قرار الثأر الفردي يضيع حق صاحبه إن كان له حق، ويحرض المجتمع عليه بدلًا من إنصافه والوقوف بجانبه.
 (5) وعليه، فإن قرار قتل الأسير المحرر: جبر القيق، يعتبر قرارًا خاطئًا بكل المقاييس منذ لحظة التفكير فيه حتى تنفيذه، فهذه جريمة منظمة، ومدبرة، ومخطط لها بإتقان، ولا أظنها عمل فردي، بل هي عمل جماعي مشترك، نفذ بطريقة بشعة يرفضها المجتمع بكافة أطيافه السياسية، وشرائحه الاجتماعية، ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية.
 ويقع على عاتق وزارة الداخلية في غزة مسؤولية كبيرة في محاسبة منفذي الجريمة، وكل من ثبت تورطه فيها؛ ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع وسلامته.
 في المقابل لكل صاحب مظلمة اللجوء إلى القضاء لإنصافه ورد الحق والاعتبار له.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت