- أسامة نجاتي سدر
ونأتي لقصة طلحة؛ طلحة الخير أم طلحة الجود أم طلحة الفياض؛ وأنت تعلم أنه كلّهم معاً؛ كنت أعلم أنك ستذكره لأنه خامس الخمسة؛ نعم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله؛ أولى ثمرات الدعوة لأبي بكر رضي الله؛ وهو ابن عمه وصاحبه وتاجر مثله وعلى صغر سنه من أشجع الصحابة وأكثرهم تضحية في سبيل الله.
كان طلحة من المقربين لأبي بكر الصديق؛ ولعله برأيي قد تربى على يديه وتعلم منه التجارة وكان يحرص على حضور مجلسه، وكان أبو بكر يحب محمدا ويحب من يحبه، ويغرس حب النبي في قلب كل من يحبه ويحضر مجلسه، ونصر الله الإسلام بالشباب كأمثال صاحبنا والزبير وسعد رضي الله عنهم واختلف الرواة في سنهم، ولكن مكانتهم بين الناس ووجودهم في مجلس أبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف يشير إلى أنهم حول العشرين وإن تعددت الروايات التي تجعلهم أقل. كان السوق مزدحما في بصرى الشام وكانت قافلة قريش تكاد تشد الرحال راجعة إلى مكة، فأراد طلحة أن يطل على السوق لآخر مرة ويودعه فلقي طلحة فتى ينادي: أمنكم أحد من أهل الحرم؟ فقال طلحة: نعم، أنا فرافقه إلى راهب في صومعته: - هل ظهر أحمد؟ - ومن أحمد؟ - ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرّة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه.
واستأذن طلحة منه وخرج ليلحق قافلته وهو يفكر بأحمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأي أرض ذات نخلٍ بعضها حجارتها سوداء وبعضها ذات نزٍ وملح يهاجر إليها، ولم يهاجر!!! ووصل مكة متلهفا يسأل أهله: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة، فخرج مسرعا لبيت أبي بكر فسأله: - أتَبِعتُ هذا الرجل؟ (يسأله لينزع آخر ذرة شك في قلبه) - نعم، فانطلق إليه، فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق.
وفي الطريق أخبره طلحة بما جرى معه في سوق بصرى فحمد أبو بكر الله وأوصاه أن يخبر النبي بالأمر، فسر عليه السلام بما سمعه منه.
وأمره النبي أن يخفي إسلامه وأن ينظر من يستجيب لأمر الله فيدعوه، وأطاع طلحة أمر النبي وبقي يخفي إسلامه إلى أن أرادت قريش أن تستهزئ بأبي بكر وتظهر سفاهة ما اتبعه فقالت قيضوا لأبي بكر رجلا يأخذه، فقيضوا له طلحة بن عبيد الله، فأتاه وهو في القوم فقال: - يا أبا بكر قم إليّ. - إلام تدعوني؟ - أدعوك إلى عبادة اللات والعزى. - من اللات؟ - قال بنات الله. - فمن أمهم؟ فسكت طلحة لساعة ثم قال - أجيبوا صاحبكم" فسكتوا" - قم يا أبا بكر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
وهكذا أعلن طلحة إسلامه أمام مكة كلها لا يخشى بالله لومة لائم بعد أن أقام عليهم الحجة أمام الناس وأمام الله، ورآه الناس في اليوم التالي يطوف حول البيت الحرام مربوطة أيديه بعنقه بحبل ويجره أخوه وأمه وراءه تسبه وتدعو عليه فصبر واحتسب اشتد غضب مكة عليه وعلى أبي بكر حتى سمحت لنوفل بن خويلد بن العدوية أن يشدهما بحبل واحد فأطلقت عليهما الناس لقب القرينين.
طلحة الخير البدري الذي لم يقاتل في بدر، ودرع النبي الأخير في أحد، الشهيد الذي اهتز به أحد مع النبي والصديق والشهداء، ومن سره أن ينظر شهيدا يمشي على الأرض ينظر إليه، رضي الله عنه وغفر له وجعله قدوة لشبابنا ومصباحا ينير دروبهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت