- محمد السهلي
قبل نحو ثلاثة أشهر، رأى معظم المراقبين أن نتنياهو نجا من محاولة إقصائه على يد الخصوم، بعدما أقدم غانتس على شق «كاحول لافان» والتحق به في الحكومة التي تجمعهما اليوم. وعلى إثر هذه الخطوة وقعت تغيرات في خريطة المواقف بالكنيست مكنت الائتلاف الحكومي من الحصول على أغلبية مريحة.
ومع ذلك، لم يقلع قطار الحكومة، وبقي عالقا وسط خلافات الشريكين. واتضح لنتنياهو أن غانتس الذي فشل في أن يكون ندا له في الصراع على رئاسة المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، يستطيع أن يخلق له الكثير من المتاعب وهو إلى جانبه في الحكومة.
وربما يمكن القول إن ما نشهده من ملاسنات بين الطرفين لايخلو من نبرة الدعاية في معركة انتخابية قد تكون على الطريق.
وفرت الموجة الثانية من «كورونا» لـ«كاحول لافان» خطابا اعتراضيا على سياسات نتنياهو في مواجهة الجائحة، وحاول غانتس أن يجمع في خطابه ما بين نقد تقاعس خصمه في الحد من انتشار الفيروس واستخدامه لتبرير تعزيز صلاحياته في حالة الطوارئ، وما بين معارضة فرض قيود مشددة بما فيها الإغلاق لمواجهة تداعيات الموجة الثانية من الجائحة. وهو هنا ينضم إلى احتجاجات المتضررين من هذه الإجراءات، مما أثار غضب الليكود ورئيسه، الذي اعتبر هذا الموقف مزايدة على الحكومة بهدف نيل تأييد المحتجين.
قبل هذه الموجه، لم يستطع «كاحول لافان» سوى التنويع على خطاب الليكود بخصوص مخطط الضم من زاوية التشبث بنصوص خطة ترامب من جهة، واستمرار التأكيد على الجاهزية التامة لتنفيذ المخطط على لسان غانتس (وزير الأمن)من جهة أخرى. لكن كلا الخطابين (كورونا والضم) لم يشفعا له لدى استطلاعات الرأي وبقيت شعبيته تنحدر باضطراد، لأن خطابيه المذكورين لايعبران عن سياسة واضحة بقدر مايعبران عن ردات فعل آنية تجاه السياسات النافذة لليكود ورئيسه.
على هذا، شكل «كاحول لافان»، أكثر من أي وقت مضى، عبئا على الليكود، وبات الخلاص من هذا العبء الشغل الشاغل لليكود ورئيسه. ولتحقيق ذلك ليس أمام نتنياهو(عمليا) سوى الدفع باتجاه انتخابات مبكرة ، التي تقول المؤشرات أنها ستأتي بـ«كاحول لافان» ضعيف، لايشكل وزنا مؤثرا في حسابات تشكيل الحكومة القادمة، لدرجة أنه يمكن الاستغناء عنه، ويشكل نتنياهو بالتالي حكومة برئاسته المطلقة دون قيود التناوب، وشروط الشريك في حكومة وحدة. لكن خيار الانتخابات المبكرة الآن بات محفوفا بالمخاطر بالنسبة لرئيس الوزراء، مع بروز المؤشرات الآتية:
• تراجع شعبية الليكود ورئيسه، على خلفية سوء أدائه في مواجهة الموجة الثانية من انتشار «كورونا». فبعدما منحته استطلاعات رأي سابقة 40 مقعدا لليكود، منحه آخرها 36 فقط.
• غضب الحريديين على نتنياهو وتقربهم من خصومه («كاحول لافان»)، على خلفية قرار الليكود تأييد مقترح سموتريتش،من «يمينا»، بشأن تشكيل لجنة تحقيق ضد قضاة المحكمة العليا، ومحاولة زج الحريديين في مواجهة مع «كاحول لافان»، وتهرب نتنياهو وعدد من نواب الليكود من جلسة التصويت على مشروع القرار. وهذا يهدد وحدة صفوف معسكر نتنياهو الذي كان أحد أسباب منع سقوطه. ماسبق يؤشر إلى أن نتنياهو يخشى من مفاجآت غبر سارة بخصوص ملفه القضائي، وربما هذا كان وراء هذه المناورة الفاشلة.
• انزياح قسم مهم من جمهور الليكود إلى تحالف أحزاب اليمين المتطرف «يمينا»، برئاسة نفتالي بينيت، الذي ضاعف قوته في استطلاعات الرأي وحصل على 12 مقعدا في الكنيست. وهذا في حال استمرار تقدمه سيشكل منافسا مزعجا لرئيس الوزراء، كما كان سابقا في الحكومات التي شارك فيها برئاسة نتنياهو.
• ويرى مراقبون أن هناك احتمالا واردا في إعادة تشكيل ائتلاف قوي ضد نتنياهو في حال تم إقرار انتخابات مبكرة، في ظل تزايد المتضررين من مناورات نتنياهو، بمن فيهم بعض مكونات معسكره. وقد لفت الانتباه ما صرح به مصدر في«يهدوت هتوراة» للصحافة العبرية متحدثا عن «محور جديد وجيد مع بيني غانتس». وهذا مؤشر لايستهان به حتى لوكان هدف التصريح الضغط على نتنياهو.. لا أكثر.
بالمقابل، مايزال نتنياهو يملك الكثير من أوراق القوة القائمة على روافع عدة:
• تمسك الليكود به في منصبي رئاسة الحزب والحكومة. وهو الحزب الأكبر والأكثر استقرارا والذي يمتلك برنامجا سياسيا ـ اقتصاديا واضحا يعبر عن مصالح اليمين الصهيوني.
• مايزال المعسكر المتحلق حول الليكود يجد في نتنياهو وحزبه «ضامنا» لتحقيق مصالح أطرافه، بمن فيهم الحريديون، الذين يدركون، على الرغم من غضبهم منه مؤخرا، أنه الأكثر «سخاءً» في عقد الصفقات المصلحية معهم حتى لو كانت على حساب حزبه، الليكود.
•غياب الشخصيات القيادية «المركزية» في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي التي يمكن أن يشكل أحدها منافساً قوياً في مواجهة نتنياهو. وهذا يعود إلى ضعف مكونات هذا المشهد، واضمحلال الأحزاب والقوى التي كانت تطرح نفسها سابقا كبديل سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي عن حكم الليكود، وفي مقدمة هؤلاء حزب العمل الذي بات هامشيا وربما في طريقه إلى التلاشي.
• لكن العامل المحوري الذي يستند إليه نتنياهو في استقطاب جمهور الليكود، ويبني على أساسه تحالفاته الحكومية، هو مشروعه الاستيطاني الاستعماري الذي يسعى الآن إلى تطبيق فصله «الحاسم» المتمثل في مخطط الضم. وقد مكنه استمراره على رأس الحكومة منذ العام 2009 حتى اليوم ، دونما انقطاع، من مراكمة نتائج عمليات نشر الاستيطان وحملات التهويد والتطهير العرقي وفق الإيقاع والمسار الذي خطط له.ولذلك ، كان من الطبيعي أن يشارك الرئيس الأميركي ترامب منصة الإعلان عن الشق السياسي لـ«الصفقة»، ويركز جانب الضم في هذا الإعلان. وبات معروفا للجميع أن الخطة الأميركية المطرحة اليوم للتداول تقوم في أحد أسسها على خطة نتنياهو المسماة «السلام الاقتصادي».
لذلك، سيبقى مشروعه الاستعماري يشكل مدخل تعويمه على رأس المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل. ويمكن القول إنه على الرغم من أن إدارة ترامب شريك وراع لمخطط الضم،إلا أن تقدير المراقبين أن نتنياهو لن يتراجع عنه في حال فشل ترامب في تجديد ولايته على رأس الإدارة الأميركية، وقد سبق أن أشار أحد منظري اليمين الصهيوني إلى أن إسرائيل تمكنت من القيام بعدد من الخطوات أحادية الجانب بخصوص القضية الفلسطينية، على الرغم من عدم «رضى» الكثير من الأطراف بمن فيها الولايات المتحدة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت