- فؤاد محجوب
أقدمت الحكومة الانتقالية في السودان على إقرار تعديلات قانونية جريئة، في خطوة يمكن أن تسترضي الشارع وتطمئنه على مصير «مدنية الدولة» واستكمال أهداف «ثورة ديسمبر». وأثارت حزمة التعديلات التي دخلت حيز التنفيذ (10/7)، بتوقيع رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بعدما أجازها مجلسا الوزراء والسيادة، ارتياحاً في أوساط حقوقية وسياسية عدة لتضمّنها إصلاحات غير مسبوقة تتعلق بالمنظومة الحقوقية والعدلية.
ورمت القوانين الجديدة إلى تعزيز الحريات العامة والشخصية في البلاد، بعد أن طالت مواد حدّت من قدر المرأة وكرامتها، وهي التي شاركت بفاعلية في إنجاح الثورة. ووجّهت بذلك رسالة إلى الخارج تهدف إلى تحسين صورة البلد، وتفيد أنّ السودان ماضٍ في بناء دولة مدنية وإرساء تحول ديمقراطي حقيقي، لكنه بحاجة إلى الدعم لتجاوز أوضاعه الاقتصادية الصعبة. وألغت الحكومة السودانية نهاية العام الماضي قانون «النظام العام والآداب العامة» الذي كان يتيح جلد العديد من النساء أو سجنهنّ لشتى الأسباب مثل ارتداء ملابس «فاضحة» أو استهلاك الكحول.
تعديلات جريئة
وتضمنت التعديلات الجديدة، إلغاء حكم الردة المنصوص عليه في القانون الجنائي لسنة 1991، بإعدام المرتد عن الدين الإسلامي. كما نصّت على إلغاء عقوبة الجلد في كل الأحكام القضائية، باستثناء العقوبات في النصوص الحديّة (المستمدة من الشريعة الإسلامية)، وإعفاء غير المسلمين من أي عقوبة لشرب الخمور والتعامل بها. هناك سودانيون مسيحيون يعيشون في الخرطوم وفي جبال النوبة قرب حدود جنوب السودان، إضافة إلى وجود قبائل إفريقية تقتنع بمعتقدات خاصة بها.
ودافع وزير العدل السوداني، نصر الدين عبد الباري، عن التعديلات بوصفها تأتي في سياق سيادة حكم القانون وبسط الحريات العامة، وعدم التمييز بين المواطنين، وحقهم في اعتقاد ما يريدون. علماً أنّ المواد التي شملها التعديل وضعت خلال حكمي الرئيسين جعفر النميري وعمر البشير، وهي مواد مفصلة على مقاس تيار «الإسلام السياسي»، بحجة أنها «مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية».
وتعهدت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بنظام عمر البشير العام الماضي، بقيادة السودان إلى الديموقراطية وإنهاء التمييز وتحقيق السلام مع المتمردين. وكان تطبيق النميري للشريعة الإسلامية عاملا محفزاً أساسياً لحرب دامت قرابة 22 عاما بين شمال السودان (المسلم) وجنوبه (الذي يقطنه مسيحيون وقبائل تؤمن بمعتقدات أفريقية تقليدية)، وأدّت في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب عام 2011. وواصل نظام البشير العمل بالشريعة الإسلامية بعد توليه السلطة عام 1989، وعزّزها بمواد إضافية أكثر تشدّداً.
وقال محمد الحسن عربي، عضو اللجنة القانونية لتحالف الحرية والتغيير الحاكم، إن البلاد ورثت من النظام البائد ترسانة من القوانين المقيدة للحريات والمهدرة للكرامة الإنسانية، وكانت بحاجة إلى الإلغاء أو التعديل لتتوافق مع المعايير المعتمدة للحقوق والحريات وفق أحكام «الوثيقة الدستورية» المعتمدة، ولتتواءم أكثر مع التزامات السودان الدولية.
وأشار عربي إلى أنّ إلغاء جريمة الردة والجرائم التي تحاكم الشخص وضميره ومعتقداته في الحياة، واعتماد نص بديل يُجرّم التكفير، «تقدم مهم في طريق رعاية الحقوق الإنسانية وإقرار بحق الإنسان في الاعتقاد دون وصاية ودون خوف من محاكم التفتيش». وأشار مراقبون إلى أنّ موضوع الردة لم يكن في يوم من الأيام من المسائل المتفق عليها بين المذاهب وعلماء المسلمين.
وشملت القوانين تجريم ختان الإناث والإقرار بحق المرأة في اصطحاب أطفالها في حال السفر خارج السودان، وإلغاء المادة الخاصة بالزي الفاضح، وقيّدت تطبيق حكم الإعدام، ومنعته على من لم يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره، واستثنت منه أيضا من بلغ سن السبعين، فيما عدا جرائم الحدود والقصاص والجرائم الموجهة ضد الدولة وجرائم المال العام. وتضمنت التعديلات كذلك قوانين مكافحة جرائم المعلوماتية، وشدّدت العقوبات الخاصة بحماية حقوق المستخدم والحفاظ علي الخصوصية، ومنع النشر الضار والشائعات.
تكريس التحول الديمقراطي
ورأى مراقبون أن القوانين الجديدة تأتي ضمن حزمة قرارات، وعد رئيس الحكومة عبدالله حمدوك باتخاذها خلال مدة أسبوعين من تظاهرات الـ30 من حزيران/ يونيو الماضي، بعد أن طالت حكومته انتقادات واسعة جراء «بطء اتخاذ القرارات الخاصة بمدنية الدولة، التي تعد جزءاً أساسياً ضمن مبادئ الوثيقة الدستورية، وأحد أوجه التغيير التي طالبت بها الثورة».
كما ربط المراقبون بين إقرار التعديلات وتطورات مفاوضات السلام مع الحركات المسلحة في عدد من مناطق السودان، في سبيل ضمّها إلى المفاوضات وتمثيلها في الاتفاق الشامل المنتظر، علماً أن مطلب «فصل الدين عن الدولة» يشكل أحد مطالب بعض تلك الحركات.
واعتبرت رئيسية تحرير صحيفة «الميدان»، الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني، أنّ التعديلات الجديدة بداية لإحداث «ثورة تشريعية على قوانين عديدة مازالت قائمة وتقيّد الحريات»، وأن الفترة المقبلة سوف تكون بحاجة إلى إجراءات سريعة وأكثر حسماً، للتعامل مع قوانين الأحوال الشخصية التي من الواجب إلغاؤها بالكامل، وإعداد أخرى بدلا منها.
وخلصت إلى أن «المضي قدما لتأسيس دولة مدنية، يقترن بإقرار السلام الشامل غير المنقوص، الذي يشمل جميع الحركات المسلحة في الأطراف المهمشة، وأن وجود أيّ ثغرات في هذا الملف يهدد جميع المكتسبات التي حققتها الثورة السودانية حتى الآن».
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت