بارتياح شديد، ينظر الفلسطيني يحيى أبو جريبان (43 عاما) إلى أرضه بمدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، بعد أن شارفت مركبة آلية لحصاد القمح ولتحويل القش إلى أعلاف خشنة (تبن)، على الانتهاء من عملها بوقت قصير.
هذه العملية كانت تستغرق أكثر من 20 يوما، لحقل مساحته نحو 20 دونما (الدونم ألف متر مربع)، حينما كان أبو جريبان يعتمد على الحصاد اليدوي، وطحن التبن أو "درّسه" بالطاحونة التقليدية.
لكن اليوم، وفّرت هذه "الحصّادة" المطوّرة الوقت والجهد، واختزلت العمليتين (الحصاد والطحن) في وقت قياسي يقدّر بـساعتين، كما قال أبو جريبان لمراسلة الأناضول.
كما وفّر أبو جريبان، هو وشركاؤه في الحقل، مبلغا ماليا يقدّر بنحو 3 آلاف دولار أمريكي، كان يُصرف على الأيدي العاملة في الحقل والتكاليف التشغيلية من آلات وغيرها، على حدّ قوله.
وبحسب مُطوّر الحصّادة، محمد الفرا (60 عاما) وهو مزارع، فإن هذه الآلة توفر بين 60 و70 بالمئة من التكلفة المادية على صاحب حقل القمح، مقارنة بحصاد ودرّس التبن بشكل يدوي.
وأوضح الفرا لوكالة الأناضول أن تكلفة حصاد ودرّس القمح من دونم واحد تبلغ نحو 34 دولارا، بينما تبلغ تكلّف عملية الحصاد التقليدية للمساحة ذاتها 86 دولارا.
وفي الوقت ذاته، تستغرق الآلة أقل من نصف ساعة لإنجاز حصاد الدونم الواحد ودرّس قشّه، بينما في حال الاعتماد على الأيدي العاملة فإن العملية نفسها تتطلب يوما كاملا، بحسب الفرا.
** تطوير الآلة
في 2018، بدأ الفرا في تطوير هذه الآلة، وبعد تجارب كثيرة وفشل متكرر، تمكن بالفعل، في العام التالي، من تطوير "الحصّادة"، لتجمع عمليتي الحصاد والطحن في آن واحد.
ويعمل الفرا في مجال آلات الحصاد منذ 1988، وقال إنه بدأ آنذاك بإدخال هذه الآلات إلى غزة.
وتابع: "عدد هذه الآلات وصل إلى 4، وهي الآلات الوحيدة العاملة في القطاع، وواحدة من بينهن تحوّلت بعد مجهود كبير إلى حصّادة ودرّاسة".
والحصّادة غير المطورة هي مركبة آلية تختص فقط بحصاد محصول القمح وفصل بذوره عن القش.
أما طحن القش لتحويله إلى تبن، فكان وما زال يتم عند غالبية المزارعين في غزة، عبر طاحونة خاصة، وهو ما يحتاج تكلفة مالية وعمّال آخرين.
وقال الفرا إن هذه الفكرة راودته منذ عام 2000، إلا أن عدم توفر قطع الغيار الخاصة بهذا التصميم الميكانيكي وارتفاع التكلفة المادية، أعاقا تطوير الآلة آنذاك.
وبلغت تكلفة تطوير هذه الآلة، وفق الفرا، ما يزيد عن 6800 دولار، ساهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتمويل جزء منها.
ووفق شريكه في تطوير الآلة، نصر الله الفرا (52 عاما)، فإن جميع قطع الغيار الخاصة بتطوير الحصّادة تم تصنيعها محليا في غزة.
وتتسع الدرّاسة، التي تحملها الحصّادة المطورة، لطحن نحو 600 كيلو غرام من القش، كما قال الفرا للأناضول.
وأوضح أن هذه الفكرة لاقت استحسانا من المزارعين في غزة، بحيث لم تتمكن الآلة خلال موسم الحصاد الحالي، من تغطية كافة طلباتهم لحصاد أراضيهم.
ويعاني المزارع الفلسطيني من وضع اقتصادي صعب؛ لتأثره بشكل كبير بالحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ أكثر من 13 عاما، والانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحقّهم، والوضع الاقتصادي العام، على حدّ قوله.
وأفاد بأن التوفير في عملية الحصاد والطحن هو لصالح أصحاب حقول القمح، رغم أنها تحرم عددا من العمّال من الحصول على فرصة عمل في هذا المجال، وهذه الأعداد تكاد تكون ضئيلة؛ فالآلة لا تغطّي جميع حقول القمح في الموسم الواحد.
وبفعل الحصار الإسرائيلي، المفروض منذ صيف 2006، يعاني قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني، أوضاعا اقتصادية ومعيشية متردية للغاية.
ومع بداية 2020، ارتفع مؤشرا الفقر والبطالة في غزة إلى 52 بالمئة و50 بالمئة، على التوالي.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، إن نصف سكان غزة فقراء، ويتلقى 4 من بين كل 5 أشخاص مساعدات مالية.
** فكرة إبداعية
قال أدهم العكشية، المشرف الميداني في دائرة الأمن الاقتصادي باللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن "هذه الآلة أحد المشاريع الإبداعية التي تم تنفيذها العام الماضي في الدائرة، بدعم مزارعين، لحل مشكلات زراعية يواجهها المزارعون".
وتابع العكشية للأناضول أن "هذا مشروع من بين 30 فكرة إبداعية، نجح في الحصول على تمويل من اللجنة الدولية عام 2019".
وأوضح أن "عملية الحصاد، وفرز الحبوب، ومن ثم تجميع القش، وضمّه في أكوام، ومن ثم طحنه إلى تبن، كل هذه الخطوات تم اختصارها في خطوة واحدة".
وأفاد بأن لجنته ساهمت في دعم فكرة الفرا بجزء من التمويل يقدّر بنحو 3 آلاف دولار.
** الأولى من نوعها
وفق أسامة المخلّلاتي، مهندس زراعي في الدائرة التابعة للجنة الدولية، فإن هذه الحصّادة المطّورة هي الأولى من نوعها في المناطق الفلسطينية.
وأوضح للأناضول أن "هذه الآلة تم تصنيعها بعقول وأيدٍ فلسطينية، معتمدة على قطع غيار مأخوذة من آلات سابقة أو مصنّعة محليا".
ولا تقتصر فوائد هذه الآلة على توفير الوقت والجهد والمال، بل تعمل أيضا على زيادة أمان المزارع في المناطق الحدودية.
ويوميا، تتعرض مزارع حدودية، ممتدة على طول شرقي قطاع غزة، لاعتداءات من قوات الجيش الإسرائيلي، المتمركز على الجانب الآخر من الحدود، بينها: إطلاق نار، وتجريف أراضٍ زراعية وإتلاف محاصيل ورشّها بمبيدات كيميائية سامة.
وقال المخلّلاتي إن اختصار الوقت والجهد في هذه المنطقة الحدودية يوفر عامل أمان للمزارع ولمنتجاته الزراعية، بحيث يتم نقلها سريعا إلى مكان بعيد وآمن.
وختم بقوله: "كلجنة دولية يتركز عملنا في المناطق الحدودية، كما تتركز زراعة القمح في هذه المناطق، ويكون من الصعب على المزارعين عادة الوصول إلى أراضيهم".