نشرت الجمعية التونسية لدعم الأقلّيات بيانًا مقتضبًا على صفحتها في فيسبوك أعلنت فيه وقفها التعامل مع منظمة The Foundation for ethnic understanding الصهيونية الأمريكية، مبرّرة ذلك بجهلها بالمواقف السياسية لرئيس المنظمة، ومعتبرة أنّها تتعارض مع مبادئ المنظمة.
ويتعلّق الأمر بندوة تحت عنوان "موقف الأديان من نقد الفكر الديني"، كانت الجمعية تنوي تنظيمها يوم الإثنين 27 جويلية بالشراكة مع هذه المنظمة، ودعت إليها بعض رجال الدين وناشطين ومفكّرين. وذلك قبل أن تتفطن لها الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع إسرائيل والحملة التونسية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، التي بادرت بالاتصال ببعض المشاركين الذين عبّروا عن نيّتهم الانسحاب من الندوة رفضًا منهم لتوريطهم في التطبيع.
وهو ما دفع كذلك اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل إلى إصدار بيان دعت فيه إلى مقاطعة هذه الندوة .
نص البيان:
ونحن إذ نتقدّم مجدّدا بجزيل الشكر والتقدير للأستاذين المفكّر يوسف الصدّيق والشيخ محمّد بن حمّودة على موقفهما الوطني والأخلاقي النبيل، فإنّنا نأخذ علمًا بالمنشور الصادر عن الجمعية التونسية لدعم الأقلّيات. إلّا أنّه يهمّنا أن نبدي بعض الملاحظات الأساسية بخصوصه:
نستغرب جهل الجمعية للخلفية الصهيونية الواضحة لهذه المنظمة، خاصّة وأنّها ليست هذه المرّة الأولى التي تنظّم فيها الجمعية نشاطًا مشتركًا معها. بل حصل ذلك العديد من المرّات خلال السنوات الفائتة، في ظلّ الصمت والتواطؤِ المعهودين من السلطات التونسية. كما نستغرب محاولة الجمعية الفصل بين مواقف رئيس المؤسسة ومؤسسها ومواقف المنظمة التي تخصّص على موقعها الرسمي ركنًا رئيسيًا لأنشطة رئيسها الحاخام مارك شناير، الذي لا يخفي جهوده المكثّفة لاحتضان تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية والنظام الصهيوني.
فهذه المنظمة التي تعلن أنّها تأسّست قبل ثلاث عقود من أجل مدّ الجسور في الولايات المتحدة بين المواطنين اليهود والسود، تنشط بشكل بارز خلال السنوات الأخيرة في احتضان "الحوار بين العرب والمسلمين واليهود الإسرائيليين"، وهو أحد المجالات التطبيعية التقليديّة التي يسهر على تنفيذها ودعمها كيان العدو الصهيوني عبر مختلف أذرعته الجمعياتية والإعلامية حول العالم. ولا يحتاج المرء لمصادر معلومات خاصّة ليكتشف مدى صهيونيّة هذه المؤسّسة، اذ يكفي البحث السريع على "غوغل" ليكتشف مثلا أنّ رئيسها ومؤسّسها الحاخام مارك شناير هو نائب الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي العالمي. بل وأنّ هذا الرجل ينشط بشكل مكثّف في مجال الكوْلسة (اللوبيينغ)، لصالح الأنظمة الرجعية العربية، كالنظام القطري مثلا، من خلال وساطته بينها وبين اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة من أجل تلميع صورتها لدى الإدارات الأمريكية.
كما سبق للصحافة الإسرائيلية أن احتفت عديد المرّات بالدور الذي يلعبه هذا الرجل في التطبيع بين العرب والمسلمين والصهاينة. إذ يفاخر مثلا في مقال لصحيفة جيروزاليم بوست بأنّه أقنع المسؤولين الخليجيّين بأنّه لا فرق بين انتقاد "إسرائيل" ومعاداة السامية، قائلاً: " لقد اعتادوا على التفرقة بين اليهودية و"إسرائيل"، قائلين "لا مشكلة لدينا مع اليهود، مشكلتنا مع الإسرائيليين والصهاينة"، الآن هم يفقهون أنّ "إسرائيل" توجد في قلب الإيمان اليهودي، وعليه فمن المستحيل التفرقة بين العالم اليهودي وإسرائيل". ويكفي هذا الموقف لوحده لتبيان العقلية العنصرية، والمعادية للسامية، لهذا الرجل. إذ أنّه بقوله البغيض يفتح الباب لتحميل كلّ يهود العالم مسؤولية جرائم نظام الأبارتهايد الصهيوني في فلسطين المحتلّة. وهو بذلك يتماهى مع الخطاب الفاشي الكلاسيكي الذي طالما دأب على تحميل اليهود مسؤولية كلّ الشرور في العالم.
كما يكشف في تصريح آخر له عن جوهر فكره الاستعماري ورؤيته العنصريّة للفلسطينيّين. اذ يقول محتفيا بوصول أول رحلة مباشرة من الإمارات إلى "إسرائيل"، تحت ستار مكافحة وباء الفيروس التاجي، كنجاح للتطبيع الزاحف بين دول الخليج والكيان الصهيوني : " هناك حاجة للحفاظ على بعض المرتكزات الضرورية للحياة البشرية وبعض الحاجيات الأساسية للناس. ولهذا السبب يمكن لدول الخليج أن تلعب دورًا جدّ مهمّ لا فقط في غزّة، بل كذلك في (مناطق) السلطة الفلسطينيّة. البعض يرى أنّ محاربة الإرهاب (الفلسطيني) تكون أسهل عندما تعالج المشاكل الإنسانية والاقتصاديّة".
وبالتالي فإنّ هذه المؤسّسة التي يتزعّمها شخص بهذا الفكر العنصري، تسعى بوضوح إلى نشر ثقافة التطبيع والاستسلام في بلادنا، بعد أن نجح كما يقول في بيعها لحلفائه من طغاة الخليج. وما الشعارات الرنّانة حول "التسامح الديني" و"الحوار بين الشعوب" سوى عناوين زائفة لتسهيل دسّ السمّ بالحليب.
وعليه فإنّنا، وإذ نسجل بارتياح نسبي المنشور الأخير من جمعية دعم الأقليات، الّا أنّنا نطالبها بالتعهّد بشكل واضح بوقف التعامل مع أيّ طرف يروّج للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتأكيد التزامها الفعليّ بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقّ العودة إلى كامل أرضه. ونعلن أنّنا سنبقى حريصين في حملتينا على متابعة نشاط هذه الجمعية، وغيرها، مستقبلا. كما أنّه بإمكانها التعويل علينا في حال احتاجت للمشورة والمعلومات بخصوص معايير التطبيع مع العدوّ الصهيوني وفاعليه، وذلك حتّى لا تجد نفسها مجدّدا في هذه الوضعيات المحرجة.
وختامًا، نجدّد مطالبتنا السلطات التونسية بتشديد الرقابة على عمل بعض الجمعيات المتورّطة في التطبيع مع العدوّ، وندعو وسائل الإعلام إلى التحرّي وعدم الانخراط في الترويج للجمعيات والأنشطة المشبوهة.
كما نهيب بكلّ القوى الحيّة في تونس إلى مزيد التجنّد والتنسيق لكشف واحباط سياسات التطبيع وفضح ممارسيها، وإلى مزيد العمل من أجل فرض سنّ قانون يجرّم كافة أشكاله