لم يستطع ذوو الأسير الشهيد المسن سعدي الغرابلي من احتضان جثمان الشهيد في منزله في حي الشجاعية بمدينة غزة وتشييعه ودفنه في مقبرة الشهداء، بعد أن قضى نحو ثلث عمره متنقلاً في سجون الاحتلال الإسرائيلي جراء رفض ما تسمى «المحكمة الإسرائيلية العليا» تسليمه لذويه، لينضم إلى خمسة من الأسرى الشهداء قضوا في سجون الاحتلال تُصر المحكمة على إكمال مدة محكوميتهم بعد موتهم.
ولم يكتف الاحتلال بقتل الأسرى في سجونه نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب والتنكيل بل باحتجاز جثامينهم في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز. فالموت للسجين والأسير لا ينهي عقوبة السجن في نظر الاحتلال ومحاكمه. وعقبَّ سهيل سعدي الغرابلي على احتجاز الاحتلال جثمان والده بالقول: «من حقنا استلام جثمان والدي الشهيد لدفنه في مسقط رأسه بغزة، لكن الاحتلال يرفض ذلك». وأضاف الغرابلي أن «الاحتلال يُصر على احتجاز جثمان والدي، في جريمة إسرائيلية تضاف لجرائم السجن والحرمان من الزيارة والإهمال الطبي والعزل الانفرادي لعدة سنوات، وأخيراً سجن جثمانه بعد الموت».
من جانبه، أوضح المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة أن (12) أسيراً فلسطينياً استشهدوا داخل سجون الاحتلال خلال العامين الأخيرين إلى جانب (4) سجناء فلسطينيين جنائيين جراء الإهمال الطبي والاستهتار الإسرائيلي المتصاعد.
وقال فروانة إن «الاحتلال لم يعد يكترث لردود الأفعال التقليدية وبيانات الشجب والاستنكار «المستنسخة» ولا لمفردات تحميله المسؤولية ومناشدات إطلاق سراح الأسرى المرضى ومطالبات المؤسسات الحقوقية بتشكيل لجنة تحقيق». داعياً لخطوات وأدوات ضغط جديدة أكثر تأثيراً، وتوظيف كافة الآليات الدولية للإفراج عن الأسرى المرضى وإنقاذ حياتهم، وحياة كافة الأسرى من خطر الموت أو الإصابة بفيروس كورونا.
معاقبة الشهداء
وأضاف فروانة:«إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تُصر على إكمال الأسير مدة سجنه حتى بعد موته، فهي لا تكتفي بعقاب الأسير بداخل السجن، بل تريد عقاب جثمانه بعد الموت». واعتبر فروانة سياسة احتجاز جثامين الشهداء واحدة من أكبر الجرائم الإنسانية والأخلاقية والقانونية التي تمارسها دولة الاحتلال. كاشفاً أن الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم هم، أنيس دولة من قلقيلية، وعزيز عويسات من مدينة القدس، وفارس بارود من غزة، ونصار طقاطقة من بيت لحم، وبسام السايح من نابلس وأخيراً سعدي الغرابلي من غزة.
وأشار المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف السفير إبراهيم خريشة (16/7)، إلى معاناة الأسرى في سجون الاحتلال جراء سياسة الإهمال الطبي، خاصة في ظل انتشار «كورونا»، ومعاناة الأسير كمال أبو وعر من سرطان الحنجرة والمُصاب بـ«كورونا».
ودعا خريشة لإطلاق سراح الأسرى خاصة المرضى منهم والأطفال وكبار السن، مندداً باستمرار احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين.
المحاسبة الدولية
من ناحيتها، أوصت ثلاث مؤسسات حقوقية في تقرير قدمته لخبراء الأمم المتحدة (27/6) بإعادة جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزة بصورة فورية، ورفع كافّة التقييدات المفروضة على مراسم تشييع الشهداء والتي تنتهك حقوقهم الأساسية المكفولة في القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة. ودعت المؤسسات الحقوقية لتفعيل آليات المحاسبة الدولية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ووفق التقرير، فإن سلطات الاحتلال احتجزت منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2015 جثامين أكثر من (250) فلسطينياً استشهدوا أو أعدموا ميدانياً برصاص قوات الاحتلال، وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامين (62) شهيدًا لغاية أيار(مايو) 2020 بحجّة استخدامها للتفاوض في صفقة تبادل أسرى محتملة.
وبالمقابل، ما زالت جثامين حوالي (253) شهيدة وشهيدًا قابعة في «مقابر الأرقام» أقدمهم أنيس دولة أحد القادة العسكريين في القوات المسلحة الثورية، التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والمحتجز منذ العام 1980، بينما ترفض الاعتراف بمصير (68) مفقوداً.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن احتجاز جثامين الشهداء في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز، انتهاك فاضح لمبادئ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وشرعة حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية.
جرائم حرب
وطالب المراقبون القيادة الرسمية بتعجيل إحالة قضايا الأسرى الشهداء، وملف جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبارها جرائم حرب وفق القانون الدولي، لمقاضاة الأفراد والجهات المسؤولة عن هذه الجرائم.
الجسد الفلسطيني يُشكل هدفاً أساسياً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي لم يتوقف على أجساد الأحياء بل طال أجساد الشهداء بالاحتجاز في ثلاجات الموتى تارة وفي «مقابر الأرقام» تارة أخرى، كورقة ضغط تفاوضية لاستخدامها كوسيلة ردع، وهو الادعاء «القانوني» الذي استندت إليه الهيئة الموسعة للمحكمة العليا الإسرائيلية بقرارها في ملف احتجاز الجثامين المرفوع أمامها منذ تموز (يوليو) 2018، على قانون الطوارئ (133) لعام 1945 وصيغته المعدلة لعام 1948، والقاضي بمنح صلاحية للقائد العسكري باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتاً لغرض استغلالهم في عمليات تبادل للأسرى.