حين يكون «الغضب الرسمي» مناورة للارتماء في أحضان الرباعية الدولية

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة
  • معتصم حمادة

تمسك السلطة وإصرارها على «المقاومة السلمية» كان المقدمة الضرورية للعودة البائسة إلى الرباعية الدولية

حملة «الغضب الرسمي» ضد «ترامب ـ نتنياهو»، والإعلان الإسرائيلي في 17/5/2020 عن الشروع بتطبيق خطة الضم، وضعت لها المؤسسات الرسمية الفلسطينية في السلطة واللجنة التنفيذية، والأجهزة الأمنية، معايير بما يكفل أن تبقى المقاومة الشعبية، وأن يبقى «الغضب» الفلسطيني في إطاره «السلمي». وألا يتحول، حسب معايير السلطة إلى «الفوضى» و«الإرهاب». لذلك بادرت الأجهزة الأمنية إلى التحذير، بل وحتى التهديد، بالعصا الغليظة، لكل من يحاول أن يتجاوز حدود «الغضب الرسمي» وحدود «المقاومة الشعبية السلمية»، وإلا حوكم بتهم تضعه في مصاف آخر، باعتباره يمارس «الفوضى» و«الإرهاب» في الوقت الذي تحرص فيه السلطة في كل مناسبة على التشديد على التزامها بمقاومة «الإرهاب» وفق المعايير المتفق عليها مع وكالة المخابرات الأميركية المركزية.

انطلق «الغضب الرسمي» في مهرجانات ومسيرات دعت لها المؤسسات الرسمية، وأشرفت عليها ووفرت لها أدوات ووسائل إنجاحها، بحيث تبقى هذه المظاهرات، عند حدود «المقاومة السلمية»، تقتصر على اليافطات، والخطابات، ورفع الرايات واستقطاب التأييد السياسي من القوى الصديقة.

 التقى ذلك مع موجة واسعة من الرفض الدولي لمشروع الضم، باعتباره يشكل انتهاكاً لقرارات  الشرعية الدولية وقوانينها، وباعتباره أيضاً (وهذا ما يتوجب التنبه له) عاملاً لتفجير أوضاع المنطقة، وجرها إلى حروب جديدة. ذلك أن القوى الدولية التي اجمعت على رفض الضم، تدرك جيداً أن سقف «المقاومة السليمة» كما رسمته السلطة الفلسطينية، سقف شديد الانخفاض، يسهل على الحركة الشعبية الفلسطينية أن تخترقه، وأن تتجاوزه، وترسم لنفسها سقفاً بديلاً، إذا ما توصلت الحركة الشعبية إلى القناعة الحاسمة، أن كل هذا الصراخ في المهرجانات، وأن كل هذا التأكيد الدولي للحقوق الوطنية، لن يترجم مقاومة في الميدان، ومجابهة فعلية وحقيقية للضم والقمع وباقي سياسات الاحتلال.

*      *      *

تراجع الحديث عن الضم، في الإطار الإسرائيلي، لكن الضم ما زال قائماً، وما زال يزحف يوماً بعد يوم، يدفع ثمن ذلك المزارعون ومالكو المواشي الفلسطينيون، بضريبة يومية أمام عربدة المستوطنين، وحماية سلطات الاحتلال لهم، فضلاً عن قيام جنود الاحتلال، بشكل يومي، في اجتياح المدن والقرى والمخيمات وغزوها واعتقال المواطنين دون تمييز بين منطقة (أ) أو (ب) أو (ج)، في ظل صمت من قبل السلطة، صمت حتى عن الاحتجاج الرسمي إلى الأمم المتحدة.

ما زالت الحالة الفلسطينية في خضم معركة الضم، وما زالت الحالة الإسرائيلية في حالة هجومية على أكثر من محدد، دون أن تلقى أي شكل من أشكال المقاومة من قبل السلطة وأجهزتها، لا على الصعيد الأمني، ولا على الصعيد السياسي والدبلوماسي، ولا حتى على الصعيد الإعلامي.

دون أن نتجاهل ما تتعرض القدس من خطط لئيمة تستغل الظروف الراهنة للإسراع في تهويدها، وإخراجها من حالتها الفلسطينية، وإغراقها في حالة صهيونية يهودية، طالت حتى الأقصى نفسه، الذي أصبح هدفاً يومياً للرعاع من قطعان المستوطنين، يغزونه جماعات جماعات، يمارسون فيه شعائرهم الدينية بكل استفزاز، باعتباره جزءاً من الهيكل، وباعتبارهم أنهم بذلك يعبدون أحياء الهيكل، ويمارسون ما يسمى «السيادة» الإسرائيلية على أرجاء الأقصى، في ظل نداءات للشيخ عكرمة جبري ولإخواته، دون أن تجد هذه النداءات لها صدى من قبل الجهات المعنية.

ولعل حالة الانفصال عن الواقع اليومي لحالة المواطن، واستنادها إلى التقارير المزيفة، التي تفبرك هنا وهناك، تدفع بالكثيرين، ممن هم في موقع المسؤولية، إلى التعامي عن حالة الغليان في الشارع، في ظل جائحة «كورونا»، وما باتت تفرضه على الحياة اليومية من قيود وضرورات مرهقة، وفي ظل احتلال لا يتردد لحظة في استغلال جائحة «كورونا»، لرفع وتيرة القمع والبطش والزحف القاتل لالتهام الأرض وما فوقها وما تحتها، وفي ظل سلطة توقفت عن تسديد رواتب الموظفين، ورهانها الوحيد هو على «تفهم المواطن وصبره»، دون حل في الأفق لهذه المعضلة، وفي ظل سلطة أيضاً، لا تبرز عضلاتها إلا في قمع المواطنين، كالنشطاء ضد الفساد، أو ضد من يخترقون إجراءات الحجر، كما حصل في مخيم بلاطة البلد، وأدى إلى ما أدى إليه من هزة.

ويبدو أن السلطة، ومن خلفها اللجنة التنفيذية، التي باتت اجتماعاتها استعراضية، دون فعل أو تأثير في مجرى الحياة اليومية والسياسية، لم تكتفِ فقط بأنها افتقدت القدرة على خوض المجابهة ضد مشروع الضم، وما زالت تراوح مكانها، في لغو غير مفيد، بل هي افتقدت القدرة على إدارة المجتمع في لحظات حرجة تستوجب استنهاض كل عناصر القوة والصمود فيه.

وللذين لا يقنعهم كلامنا، نقترح عليهم العودة إلى ما تنشره «الأيام» في رام الله، من مقالات لرئيس التحرير، ولصلاح هنية، وندعو لقراءة السطور، وما بين السطور، وما خلفها، والعودة أيضاً إلى بعض ما كتبته «الحياة الجديدة» من مقالات وتحقيقات في الأسبوع الأخير.

*      *      *

يحتاج المرء لأن يكون عبقرياً، ليدرك أن محور اهتمام السلطة في المرحلة الحالية، هو تكديس الرفض الدولي لمشروع الضم، والتمسك بما يسمى «حل الدولتين».

كذلك لا يحتاج المرء لأن يكون عبقرياً، ليدرك أن السلطة وهي تكدس هذا الموقف الدولي، هي الوقت نفسه تحجم عن استثماره في الضغط الميداني على الاحتلال والاستيطان وسياساته اليومية.

وفي عودة إلى تصريحات عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، تتضح نغمة «التحلل» من المسؤولية المباشرة عن المواجهة الميدانية، وتبدو كذلك شديدة الوضوح دعوة المجتمع الدولي لينوب عن السلطة في «الضغط» على إسرائيل لتتراجع عن «مشروع الضم».

وهكذا؛ بحركة انزياح يومية، نلاحظ أن حملة «الغضب الرسمي»، التي راهنت على تحريك تكتيكي للشارع الفلسطيني، تحت سقف سياسي منخفض جداً، بدأت تتجه نحو البحث عن المزيد من «عناصر القوة» في المجتمع الدولي، دون استثمار هذه العناصر في الميدان، أو في المحافل الدولية، بل وخطف هذه العناصر نحو انكفاءة خطيرة، للارتماء في أحضان «الرباعية الدولية»، في رهان على بعض المواقف الأوروبية، والعربية، التي لم يعد خافياً أنها تتساوق مع السلطة في حنينها «المقدس» إلى طاولة المفاوضات، ولو تحت السقف المنخفض لـ«لرباعية الدولية»، في خطوة تنازلية مسبقة دعت إلى «خلطة» لمرجعية الرباعية، تتمثل في «الشرعية الدولية»، إلى جانبها «مبادرة السلام العربية» (التي لم تعد تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه بعد الانفتاح العربي الواسع على إسرائيل)، مع إثارة الانتباه إلى الموافقة المسبقة على «تعديل» حدود 4 حزيران (يونيو)، بما يسمح للاحتلال ضم المستوطنات (10% من مساحة الضفة).

وهكذا، انطلقت مسيرة «الغضب الرسمي» بصخبها الإعلامي، لترتمي في نهاية المطاف في أحضان جثة نافقة اسمها «الرباعية الدولية»

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت