تعهدت دول ومؤسسات مانحة خلال مؤتمر دولي افتراضي يوم الأحد بحشد "موارد مهمة" خلال "الأيام والأسابيع القادمة" لدعم الشعب اللبناني، بعد الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي وأسفر عن خسائر مادية هائلة، وذلك على وقع استقالات لمسؤولين ونواب لبنانيين واحتجاجات مناهضة للحكومة.
وافتتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر دائرة تلفزيونية مؤتمرا دوليا لدعم بيروت وللشعب اللبناني تحت رعاية فرنسا والأمم المتحدة بهدف جمع مساعدات طارئة من أجل لبنان، بمشاركة عدد من قادة دول العالم.
وشاركت 36 دولة ومؤسسة دولية في مؤتمر باريس.
تعهدات دولية بموارد مهمة
وفي ختام المؤتمر، قرر المشاركون "العمل بحزم لمساعدة بيروت والشعب اللبناني على تجاوز نتائج مأساة الرابع من أغسطس، واتفقوا على حشد موارد مهمة في الأيام والأسابيع القادمة بهدف تلبية الاحتياجات الفورية لبيروت والشعب اللبناني وفقا لتقييم الأمم المتحدة"، بحسب بيان ختامي صادر عن المؤتمر الدولي.
وتوافق المانحون على "أن تكون مساعداتهم سريعة وكافية ومتناسبة مع احتياجات الشعب اللبناني ومنسقة جيدا تحت قيادة الأمم المتحدة، وأن تسلم مباشرة للشعب اللبناني بأعلى درجات الفعالية والشفافية".
ولم يوضح البيان قيمة التعهدات، لكن تقارير ذكرت أن المؤتمر أسفر عن تعهدات بنحو 253 مليون يورو على المدى القصير لمساعدة لبنان عبر الأمم المتحدة ووكالاتها.
وأوقع الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي إثر حريق اندلع في مخزن يضم 2750 طنا من "نيترات الأمونيوم" شديدة الانفجار والمخزنة منذ عام 2014، 158 قتيلا وأكثر من ستة آلاف جريح.
وأسفر الانفجار أيضا عن خسائر مادية هائلة قدرت قيمتها بما يتراوح بين 10 و15 مليار دولار، بحسب السلطات اللبنانية.
وأعرب المانحون عن تعازيهم القلبية لسكان بيروت، وأكدوا "أن المجتمع الدولي وأقرب أصدقاء لبنان وشركائه لن يخذلوا الشعب اللبناني".
دعوات ومساعدات لدعم لبنان
وفي مستهل المؤتمر، حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمة القوى العالمية على تقديم دعم سريع للشعب اللبناني، معتبر أن "مستقبل لبنان على المحك".
وقال ماكرون في كلمته إن القوى العالمية تدين للشعب اللبناني بالدعم.
وأضاف "علينا أن نتصرف بسرعة وكفاءة حتى تذهب هذه المساعدات مباشرة إلى حيث تشتد الحاجة إليها" على الأرض، مشيرا إلى أن الأموال التي جمعت اليوم يجب أن تكون مجرد بداية.
وشدد الرئيس الفرنسي على أن "مستقبل لبنان على المحك".
وكان ماكرون قد زار بيروت الخميس الماضي، بعد يومين من الانفجار.
بدوره، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن مساعدات بلاده قد تحركت نحو لبنان.
وحث الرئيس اللبناني ميشال عون، المجتمع الدولي على توفير دعم سريع لبلاده، معتبرا أن إعادة إعمار بيروت تتطلب الكثير من الجهود والموارد.
وأعرب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عن استعداد بلاده لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز المخزون الغذائي الاستراتيجي في لبنان ودعم قطاع الطاقة والنظام المالي وقطاع الأعمال والشركات.
وأكد الملك في كلمة أن الأردن مستعد للقيام بدوره عبر توفير نقطة انطلاق ومركز لوجستي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية والإقليمية إلى لبنان.
وأرسل الأردن مساعدات طبية ومستشفى ميدانيا ومواد إغاثية أخرى للبنان.
كما سيقوم الأردن قريبا بإرسال فرق إنقاذ إضافية وإمدادات غذائية وطبية لتقديم المساعدة على المدى القصير، بحسب الملك.
وأعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته أنه سيتم الإعلان خلال الأيام المقبلة عن مساهمة قطر في برنامج إعادة إعمار بيروت.
وقال أمير قطر إن بلاده قدمت مساهمة عاجلة بقيمة 50 مليون دولار لمساعدة لبنان.
كما أوفدت قطر فريقا مجهزا من مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية وأقامت مستشفيين ميدانيين بعيد وقوع كارثة مرفأ بيروت.
وطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في كلمة اللبنانيين بتقوية مؤسسات الدولة الوطنية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الحتمية لتلبية طموحات الشعب اللبناني.
وقالت الوحدة الطبية التابعة لقوات حفظ السلام الصينية لدى لبنان، إنها سوف تقدم مساعدة طبية إلى بيروت بعد الانفجارات المميتة.
ونظمت الفرقة الـ18 من قوات حفظ السلام الصينية لدى لبنان، فريق طوارئ يضم تسعة أفراد طبيين من أقسام الجراحة والطب الباطني والحروق والتخدير، بناء على طلب قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
تحقيق وإصلاحات
وإضافة إلى المساعدات الطارئة، أكد البيان الختامي "أن الشركاء مستعدون لدعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان"، مما يستدعي "التزام السلطات اللبنانية بالكامل القيام سريعاً بالإجراءات والإصلاحات التي يتوقعها الشعب اللبناني".
ويعاني لبنان بالأساس من أزمة مالية واقتصادية حادة، وأقرت الحكومة في 29 أبريل الماضي خطة إصلاح وإنقاذ إقتصادي تستمر 5 سنوات، وشرعت في التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية.
وأكد البيان الختامي أن "المجتمع الدولي، بما فيه أهم شركاء لبنان (..) سيواصلون بذل قصارى جهودهم لتلبية احتياجات الشعب اللبناني الأكثر إلحاحا"، مشددا على أن "في هذه الأوقات العصيبة، لبنان ليس وحده".
وتضمن عرض المساعدة دعم تحقيق محايد وموثوق ومستقل في انفجار مرفأ بيروت، بحسب الرئيس الفرنسي.
وذكر البيان الختامي أنه "بناء على طلب لبنان، إن المساعدة من أجل تحقيق محايد وموثوق ومستقل في انفجار الرابع من أغسطس تشكل حاجة فورية، وهي متوفرة".
ودعا الرئيس الأمريكي اليوم الحكومة اللبنانية إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف في انفجار بيروت، معربا عن استعداد بلاده للمساعدة في التحقيق.
وشدد ترامب على وجوب معرفة من يقف وراء الانفجار وعما إذا كان حادثا بالفعل، مؤكدا على العمل مع فرنسا بقرب على معالجة آثاره.
وكانت السلطات اللبنانية قد تعهدت بإجراء تحقيق شفاف وسريع لكشف ملابسات التفجير، وسط مطالبات بتحقيق دولي.
لكن الرئيس اللبناني ميشال عون، اعتبر الجمعة أن المطالبة بالتحقيق الدولي في تفجير المرفأ هدفها "تضييع الحقيقة"، ورجح أن يكون الانفجار نتيجة "الإهمال أو تدخل خارجي بصاروخ أو قنبلة".
وقال عون في كلمته اليوم خلال المؤتمر إن "العدالة وحدها يمكن أن تقدم بعض العزاء للبنانيين"، مجددا التزامه بأن "لا أحد فوق سقف القانون، وأن كل من يثبت التحقيق تورطه، سوف يحاسب وفق القوانين اللبنانية".
استقالات واحتجاجات متواصلة
ورغم تعهد الحكومة اللبنانية بالقيام بتحقيق شفاف لكشف ملابسات التفجير خلال خمسة أيام. واصلت كرة ثلج الاستقالات والاحتجاجات المناهضة للحكومة تدحرجها.
وأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، اليوم الاستقالة من منصبها لأن "التغيير بقي بعيد المنال والواقع لم يطابق الطموح بعد هول كارثة بيروت".
كما أعلن وزير البيئة والتنمية الادارية اللبناني دميانوس قطار، اليوم استقالته من الحكومة "تضامنا مع الجرحى والمصابين وذويهم، وتحسسا بألم أهالي المفقودين، وتعاطفا مع المتضررين، ومع انسداد أفق الحلول على وقع التجاذبات العبثية".
وأعلن عضوا البرلمان نعمة إفرام وميشال معوض، استقالتهما ليرتفع عدد البرلمانيين المستقيلين إلى سبعة.
وعلى خلفية تفجير مرفأ بيروت، تواصلت الاحتجاجات في وسط بيروت، وتجددت المواجهات بين محتجين يحاولون نزع البوابات الحديدية من المداخل المؤدية إلى البرلمان والقوى الأمنية.
ويستخدم المحتجون في المواجهات العنيفة الحجارة والمفرقعات وقنابل المولوتوف، فيما ترد القوى الأمنية بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
وأعلنت قوى الأمن في بيان أنه "مع ازدياد أعمال الشغب وارتفاع وتيرة الاعتداءات المتكررة على عناصرنا نطلب من المتظاهرين السلميين حفاظا على سلامتهم الخروج فورا من الأماكن التي تحصل فيها الاعتداءات".
وتابعت "لن نقبل بالتعرض لعناصرنا".
كذلك حذرت قيادة الجيش عبر حسابها في (تويتر) بعض المتظاهرين، "الذين تجاوزوا الأطر السلمية للتظاهرات، وعمدوا إلى القيام بأعمال شغب وتكسير وحرق وتعد على الممتلكات العامة والخاصة".
وأكدت "أنها ستتعامل مع هؤلاء بالطرق المناسبة، وجددت دعوتها للعودة إلى سلمية التظاهر".
وجرت مواجهات أمس السبت في ساحة الشهداء ومحيط البرلمان تحت شعار "يوم الحساب"، تخللها اقتحام مقار حكومية، بينها مقار وزارات الخارجية والاقتصاد والطاقة والبيئة ومبنى جمعية مصارف لبنان.
وطالبت الاحتجاجات بمحاسبة المسؤولين عن انفجار بيروت واستقالة مسؤولي الرئاسة والحكومة والبرلمان، وانتهت إلى مقتل أحد عناصر قوى الأمن وجرح 238 من العسكريين والمدنيين.