- محمد السهلي
كشفت الأعوام الـ11 المتواصلة التي أمضاها نتنياهو في الحكم الكثير من أساليبه ومناوراته، وألقت الضوء على مشروعه الاستعماري وآليات تنفيذه. وكشفت في الوقت نفسه طبيعة المشهد السياسي والحزبي الصهيوني في إسرائيل، الذي يجمع ما بين تواطؤ الجميع في مواجهة المشروع الوطني الفلسطيني، وما بين صراعهم الداخلي المحموم على رئاسة هذا المشهد أو المشاركة في إدارة منصته.
ولعل المحطات الانتخابية الثلاث المتلاحقة الأخيرة، والحكومة التي خلصت إليها في النهاية، كانت تعبيرا ساطعا عن ثنائية الصراع والتواطؤ، التي شكلت أحد عوامل استمرار نتنياهو على رأس الهرم السياسي حتى اليوم.
ومن هذه الزاوية، وضع نتنياهو الاستيطان والتهويد ومن ثم مخطط الضم في مقدمة خطاب الليكود لتعزيز قوة الحزب بين صفوف اليمين، وحماية رئيسه في مواجهة محاولات تنحيته على يد الخصوم والمنافسين.
يجمع المراقبون على أن حكومة نتنياهو ـ غانتس تعيش أيامها الأخيرة، كونها بالأساس تشكلت نتيجة اجتماع خوف غانتس مع هاجس نتنياهو من احتمال السقوط بعد الفشل في تشكيل الحكومة عقب جولتين انتخابيتين متتاليتين للكنيست. وإذا كان تشكيل الحكومة الحالية كان بمثابة طوق النجاة أو «فرصة العمر» بالنسبة لغانتس، فإن ذلك بالنسبة لنتنياهو مجرد ممر إجباري (مؤقت) لتفادي ماهو أسوأ .
ولذلك، كان من الطبيعي أن يبدأ التفكير بحل الحكومة والتخلص من قيود الاتفاق بشأنها منذ اليوم الأول لترسيمها، بعدما تأمنت لها أغلبية مريحة على وقع انهيار التحالف مابين غانتس ولبيد في إطار «كاحول لافان».
وقد تحمس نتنياهو لخيار حل الحكومة واللجوء لانتخابات مبكرة في الوقت الذي كانت فيه قوة حزبه في تصاعد وفق استطلاعات الرأي، بينما كانت قوة «كاحول لافان» تتراجع باضطراد.
وقد أمل نتنياهو حينها أن تخرج الانتخابات بنتيجة تمكن الليكود ومعسكره من الحصول على أغلبية مقاعد الكنيست ،وبالتالي تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو فقط. وكان من المتوقع قبل نحو شهرين أن يتراجع «كاحول لافان» وربما يختفي بسبب انقلابه على نفسه، والالتحاق بنتنياهو بعد صراع انتخابي مرير رفع فيه شعار إسقاطه قبل أي شيء.
لكن هذه المعادلة تغيرت في الفترة الأخيرة نتيجة تفاقم تداعيات انتشار كورونا في موجته الثانية وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي للإسرائيليين وهو ما أدى لاندلاع تظاهرات حاشدة نددت بسياسة الحكومة في مواجهة الجائحة، وبدأت استطلاعات الراي تعكس تراجع شعبية الليكود ورئيسه، وهو مادفع المراقبين للتساؤل عن جدوى الانتخابات المبكرة بالنسبة لنتنياهو في ظل هذه المعطيات الجديدة.
المشكلة بالنسبة لنتنياهو لا تكمن فقط في رفضه تنفيذ الاتفاق الائتلافي مع «كاحول لافان» وخاصة في مسألة التناوب، بل في ملفه القضائي الذي ازداد خطورة مع قرار القضاء تكثيف جلسات محاكمته مع بداية العام القادم، وهذا سيفسح في المجال أمام «كاحول لافان» في اصطياد فرصة المطالبة بإحالة مهام نتنياهو إلى غانتس بسبب انشغال الأول بجلسات المحاكمة. وبما أن كاحول لافان في وضع لايسمح له بالتفكير جديا بخيار الانتخابات المبكرة، يضغط عليه الليكود من هذه الزاوية لتعديل عدد من بنود الاتفاق الائتلافي ،وخاصة في مايتصل بطريقة تعيين النائب العام الإسرائيلي والمفتش العام للشرطة، بالإضافة إلى تفكيك اللجنة المعنية بتعيينات الجهاز القضائي، والحد من صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا تجاه الاتفاق الائتلافي وتحديدا في مسألة التناوب.
ومع أنه من غير المتوقع أن يوافق «كاحول لافان» على كل طلبات الليكود، إلا أنه حتى لو حصل ذلك فإن نتنياهو سيضع الانتخابات المبكرة كخيار أفضل لأسباب كثيرة:
• يرى نتنياهو أن ماتعكسه استطلاعات الرأي مبني على محاور آنية محددة طرحها معدو هذه الاستطلاعات، وهي برأيه لاتعكس بالضبط شعبية الشخصيات والأحزاب في حال كانت هذه الاستطلاعات تتحدث عن البدائل. وكان لافتا في هذا المجال أن نتنياهو على الرغم من تراجع شعبيته بقي متقدما في استطلاعات الرأي بفارق كبير على سواه عند السؤال عن الشخصية المفضلة لتولي منصب رئيس الوزراء.
• كما أن عدم وجود حزب كبير ينافس الليكود يبقيه مركز استقطاب للأحزاب اليمينية التي وجدت فيه طيلة الفترة الماضية عاملا مهما لاستقرار أوضاعها الحزبية بسبب تأمين مصالحها عبر الاتفاقات الائتلافية معه. لذلك، يرى نتنياهو أن الانتخابات المبكرة فرصة لإعادة رص صفوف معسكره وتجاوز الخلافات التي نشأت مؤخرا بين عدد من أطرافه والليكود.
• طبيعة المشهد الحزبي الصهيوني وميل أطرافه لعقد الصفقات الجانبية يمكن نتنياهو من تمرير مناوراته بالالتفاف على خصومه عبر أساليب مختلفة. من ذلك، عزمه الآن تشكيل حزب جديد للالتفاف على تزايد شعبية نفتالي بينيت رئيس «البيت اليهودي»، والذي انزاحت نحوه في الفترة الأخيرة أوساط يمينية كانت حتى الأمس القريب من مؤيدي الليكود.
• الدخول في التحضير للانتخابات المبكرة يعوِّم الكثير من الملفات التي تقلق نتنياهو، وفي المقدمة منها ملفه القضائي، وخاصة إذا جاءت الانتخابات قبل نهاية فترة ولايته في رئاسة الحكومة.
•معظم منافسي نتنياهو(إن وجدوا) وخصومه غير مستعدين للانتخابات وتعيش أحزابهم أوضاعا غير مستقرة داخليا في ظل فشلهم بتحقيق أي من شعاراتهم وخاصة ذات الصلة بإزاحة نتنياهو.
• اقتراب الانتخابات الأميركية أخذ حيزا كبيرا من اهتمام إدارة ترامب وخاصة الفريق المعني بـ«صفقة القرن»، ولايريد نتنياهو أن يبدو في حالة انتظار نتائج هذه الانتخابات. لذلك، يسِّرع على الأرض من إجراءات الضم. وبما أن إدارة ترامب تفضل أن يتم ذلك بهدوء، فإن صخب الانتخابات المبكرة من شأنه أن يغطي بالنسبة له على عملية التسريع بهذه الإجراءات.
كما أن التسريع بإجراءات الضم يعيد إلى الليكود ماخسره مؤخرا من تأييد بعض أوساط المستوطنين بحسب استطلاعات الرأي. وبحسابات نتنياهو، أنه بدون انتخابات مبكرة تسعى لـ«تحرير» الليكود من ثقل التحالف الشكلي مع «كاحول لافان»، فان مرور الوقت دون تغيير في شروط هذا التحالف سيؤدي به في النهاية إلى نهاية وخيمة.
كما أن اقتراب موعد تسلم غانتس رئاسة الحكومة ضمن الشروط القائمة سيعني عمليا نهايته سياسيا وحزبيا، وقد قاتل وناور كثيرا طيلة الأعوام الماضية كي لايصل إلى هذا المصير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت