- د. رائد موسى
اسرائيل كيان مصطنع لا يمكن له البقاء والاستمرار بدون الدعم والتمويل الامريكي الهائل له والذي كان آخره تمرير الكونجرس قراراً يقضي بتمويل إسرائيل بمبلغ قيمته 38 مليار دولار ، وبدون تلك الأموال الامريكية الهائلة لن يصمد مستوطن واحد في البقاء على رؤوس تلال الضفة الغربية ، وبالرغم من تلك الاموال الهائلة لا يزال ميزان الهجرة الاسرائيلية سلبي وغير مُرضي لقادة المشروع الصهيوني .
وجد ترامب رجل المال صاحب السياسات القائمة على الحسابات المالية ، بان اسرائيل كي تبقى وتتقدم لا بد لها من الاعتماد الذاتي على نفسها مالياً أو تعظيم مواردها المالية على الأقل ، فالمال الامريكي غير مضمون استمرار تدفقه ، وخصوصاً في ظل ازمة ارتفاع البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ، والتراجع الاقتصادي الأمريكي امام المنافس الصيني ، وازمة كورونا التي كشفت الاقتصاد امام الجمهور الامريكي الذي بات يتسائل عن جدوى اهدار ملياراته لصالح اسرائيل بلا سبب مقنع بينما هو يعاني .
كي تعتمد اسرائيل على نفسها مالياً وتلبي مصروفاتها الهائلة والتي بالكاد تقنع جمهورها من المستوطنين البقاء في اراضي وبيوت الفلسطينيين المسلوبة واستمرارهم في اضطهاد الشعب الفلسطيني وما يليه من خوف دائم من مقاومة وجودهم والانتقام من افعالهم ، لا بد لإسرائيل من ايجاد مصادر تمويل راسخه ودائمة ، فالدول الاوروبية التي تجاملهم وتستورد منتجاتهم ليست بحاجة ماسه لبضائعهم ، فهي دول مصنعة ومكتفية بل والباحثة عن اسواق لمنتجاتها المتقدمة التي لا تقل عن جودة المنتج الاسرائيلي ان لم تكن أفضل ، ودول شرق آسيا كذلك ، لذلك لا يوجد امام اسرائيل أفضل من الاسواق العربية لتصريف منتجاتها ، وتسعى اسرائيل أيضا كما اعلنت لأن تكون بوابة التجارة العربية مع اوروبا والعالم ، وذلك من خلال ربط ميناء حيفا بسكك حديدية تمر لكل دول الخليج ، وبالتأكيد انها تخطط ايضاً لربط العراق وشماله الكردي بساحل البحر المتوسط ، كما خطط الزعيم الراحل ياسر عرفات عندما سعى لإنشاء ميناء غزة ، والذي كان قد علق عليه الرئيس اللبناني آنذاك الياس الهراوي حرفياً: "ماذا ينتظرنا اليوم؟ أطلع على الاتفاق الذي حصل فأرى فيه صفحة أمنية وسائر الصفحات اتفاقات اقتصادية ...
أرى فيه اتفاقاً اقتصادياً وإنمائياً. والآن بدأت "الصينية" تدور من أجل مرفأ غزة، ويمكن ان يكون بعد ذلك أوتوستراد من غزة إلى عمان "والعوض بسلامتك" عند ذاك. ...
خوفي يكمن من أن يتحول الترانزيت من حيفا أو غزة إلى عمان ونصبح نحن معزولين على كل الصعد. وربما لن تعود حاجة إلى قناة السويس عندما تصبح الطرق أقرب. وإذا أردنا عدم التفكير في كل هذه الأمور نكون كمن يعيش في الجاهلية". بمعنى ان هناك دول عربية استشعرت الخطر الاقتصادي عليها من فتح موانئ ساحل فلسطين على البحر المتوسط امام الخليج العربي والعراق ، وعندما خلف الرئيس محمود عباس سلفه عرفات في السلطة ، كان قد طمئن مصر وابدى استعداده لمناقشة إقامة ميناء مشترك يخدم دولة فلسطين في مدينة العريش المصرية كي يزيل مخاوفها من ان قيام دولة فلسطينية مستقلة لها ميناء مستقل قد يسبب الضرر لسير البضائع من خلال قناة السويس .
اليوم اذا نجحت اسرائيل في التطبيع مع دول الخليج وربطت مينائها البحري بسكك حديديه كما اعلنت عن نواياها مع دول الخليج ، هل ستراعي مصالح ميناء لبنان الذي تم تفجيره ، والمحاصر عربياً بالأزمة السورية ، او مصالح مصر في قناتها للسويس ، ام ستبتلع كل خطوط التجارة لصالحها وتحتكرها وتصبح بوابة العرب للعالم وبذلك تحقق الفائض المالي الذي تحلم به على حساب افقار العرب ، ليضمن بقاء مستوطنيها على ارض فلسطين ، ليستمروا في اضطهاد الشعب الفلسطيني واستعباد شعوب المنطقة وربطهم بشكل تام بها وبخطوط مواصلاتها ، حيث ستكون خطوط مواصلاتها الأكفأ والاكثر تقدماً ، والتي ستعجز شركات النقل العربية عن منافستها، فالتجارة لا تعرف دين او جنسية انما تعرف الاسهل والاسرع والأقل ثمناً ، لذلك التطبيع مع اسرائيل سيسحق فقراء العرب وسيبتز اموال اغنياءه ويربطهم بإسرائيل دون قدرة على الانفكاك ،
كما ربطت اسرائيل شعبنا الفلسطيني وسلطته الوطنية بموانئها التجارية ، ومنعته من اقامة مينائه في غزة ودعمت وتمول انفصال غزة عن باقي اراضي دولة فلسطين لتبقى عاجزة بدون ميناء ، وفي اليوم الذي ستفتح فيه اسرائيل موانئها لدول الخليج ستعمل اسرائيل على اشعال الازمات في مياه الخليج العربي ، وعلى ضفاف قناة السويس ، هذا ان لم تكن تعمل على ذلك منذ مدة من الزمن لتحصر التجارة العربية الخليجية من بوابتها فقط . وهنا سأكرر ما قاله الياس الهراوي "إذا أردنا عدم التفكير في كل هذه الأمور نكون كمن يعيش في الجاهلية". د. رائد موسى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت