أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يوم الثلاثاء، متهما واحدا منتم لحزب الله، وبرأت 3 آخرين، في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
جاء ذلك في جلسة ماراثونية انعقدت بمدينة لاهاي الهولندية واستمرت 5 ساعات، وذلك بعد 15 عاما على اغتيال الحريري الذي قُتل في تفجير شاحنة مفخخة في 14 فبراير/شباط 2005.
وكان المتهمون الأبرز في القضية، الذين لهم صلات بـ"حزب الله"، هم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا، إضافة إلى خامس يدعى مصطفى بدر الدين (أغتيل في سوريا).
وذكرت أن عياش مذنب بكل التهم الموجهة إليه، وتشمل "التآمر لارتكاب عمل إرهابي، وارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة، وقتل الحريري و21 شخصا آخرين عمدا، ومحاولة قتل 226 شخصا".
وقالت القاضية ميشلين بريدي، إن عياش المتهم الرئيسي في القضية كان عضوا في جماعة حزب الله اللبنانية، واستخدم هاتفا محمولا "محوريا في الهجوم"، بحسب الادعاء.
وكان أمين عام لـحزب الله، حسن نصر لله، قال، في خطاب الجمعة، إن الحزب سيتعامل مع قرار المحكمة "وكأنه لم يصدر".
وفي القضايا ذاتها، برأت المحكمة المتهمين الثلاثة. وقالت إنه لا يوجد أدلة كافية على أن مرعي مذنب، كما أن العنصرين المادي والمعنوي اللذين يؤكدان مسؤولية عنيسي وصبرا غير متوفرين.
وأوضحت أنه "لا يكفي استخدامهما (عنيسي وصبرا) هاتفا خلويا ما، ووجودهما في مكان ما، لإثبات أنهما كانا يعلمان أنّ الفاعلين سينفذون اعتداء من شأنه أن يسفر عن سقوط قتلى".
وقال القاضي، ديفيد راي، إن المحكمة اعتمدت على بيانات الاتصالات للوصول إلى منفذي الاغتيال، موضحة أن المتهمين استخدموا الاتصالات للتنسيق للعملية.
وأشار إلى أن "المحققين نظروا في سجلات ملايين الاتصالات لاكتشاف الأدلة، وتم التدقيق في سجلات الهواتف التي استخدمت في محيط مجلس النواب وموقع الاغتيال".
وأوضحت المحكمة أن فريق الادعاء سيضع ملاحظات بشأن الأحكام مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل، فيما ستظهر ردود فريق الدفاع بحلول الخامس عشر من الشهر ذاته.
وأكدت أنها ستصدر قرارات بإلغاء توقيف الأشخاص الثلاثة الذين تمت تبرئتهم، في حين أن إصدار العقوبات بحق عياش سيكون في 21 سبتمبر/أيلول المقبل.
وخلال مجربات الجلسة، قالت المحكمة إن غرفة الدرجة الأولى (التابعة لها) تشتبه في أن لقيادة سوريا وحزب الله مصلحة في جريمة اغتيال الحريري، لكن ليس لديها "دليل مباشر" على ذلك.
واعتبرت أن اغتياله "عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية"، مشيرة إلى إنه لا يمكن أن يكون بعيدا عن السياق السياسي، وأن ذلك يتيح فهم سبب الاعتداء.
وأكدت أن "الأدلة أظهرت سيطرة سوريا على النواحي العسكرية والأمنية والسياسية في لبنان" وقت جريمة الاغتيال، كاشفة عن "عبث" حصل في مسرح الجريمة، وأن "الأمن اللبناني أزال أدلة مهمة، ويتعذر فهم سبب ذلك".
واستنتجت أن "مصطفى بدر الدين ليس العقل المدبر لعملية الاغتيال"، وأن الدلائل أكدت أن "انتحاريا نفذ الهجوم لكنه ليس الفلسطيني أحمد أبو عدس كما زُعم سابقا".
وكشفت المحكمة معلومات تتعلق بالجريمة. وقالت: "الشاحنة التي تم تنفيذ الهجوم الانتحاري بها سُرقت من اليابان وبيعت في طرابلس اللبنانية لرجلين مجهولي الهوية".
وأوضحت أن انتحاريا (لم تحدد هويته) كان يقود آلية من نوع "ميتسوبيشي" استهدف موكب الحريري، مشيرة إلى أن المتهين حاولوا تغطية العملية بتحميلها لشخصيات وهمية.
وانطلقت الجلسة وسط ترقب شديد خارج وداخل لبنان الذي يعاني أوضاعا متردية للغاية، جراء أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث واستقطاب سياسي حاد.
ووصل سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، إلى لاهاي، الإثنين، وشارك في جلسة النطق بالحكم في اغتيال والده.
ودعا الحريري، حزب الله إلى "التضحية"، مشددا على تمسكه بـ"القصاص" في قضية اغتيال والده قبل 15 عاما.
وعقب قرار المحكمة، قال الحريري، في مؤتمر صحفي: "لا يتوقع أحد التضحية منّا، نحن ضحينا بأغلى ما نملك، ولن نترك لبنان".
وأضاف: "التضحية يجب أن تكون اليوم من حزب الله، الذي أصبح واضحا أنّ شبكة القتلة خرجوا من صفوفه، ويعتقدون أنّه لهذا السبب لن يتسلموا إلى العدالة وينفذ فيهم القصاص: لذلك أكرّر: لن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة ويتنفذ فيهم القصاص".
واعتبر الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن تحقيق العدالة في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه، "تجاوب مع رغبة الجميع في كشف ملابسات هذه الجريمة البشعة".
حديث عون جاء في بيان نشرته رئاسة الجمهورية اللبنانية، عقب صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الحريري.
وأضاف عون أن جريمة اغتيال الحريري "هددت الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وطالت شخصية وطنية لها محبوها وجمهورها ومشروعها الوطني".
ودعا اللبنانيين إلى "استذكار مواقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودعواته الدائمة إلى الوحدة والتضامن وتضافر الجهود لحماية البلاد من أي محاولة تهدف إلى إثارة الفتنة".
وتابع: "نأمل أن تتحقق العدالة في كثير من الجرائم المماثلة، التي استهدفت قيادات لها في قلوب اللبنانيين مكانة كبيرة، وترك غيابها عن الساحة السياسية اللبنانية فراغا كبيرا".