في الوقت الذي يحل فيه اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام، فإن النقاط الحمراء بلون الدم، التي تمثل ضحايا مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وتنتشر في أنحاء الولايات المتحدة، على خريطة على الإنترنت وضعتها جامعة جونز هوبكنز، تدق جرس إنذار مأساة إنسانية حدثت بسبب مجموعة من السياسيين أصحاب الدم البارد في واشنطن.
اقترب عدد حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة، من 5500 ألف حالة، حتى مساء يوم الثلاثاء، كما تم تسجيل أكثر من 171 ألف حالة وفاة، وفقا للأعداد.
وبالنسبة لكل حكومة، فقد جلبت جائحة كورونا اختبار ضغط غير مسبوق لقدرتها على التعامل مع أزمة خطيرة ومفاجئة للصحة العامة ، وحماية حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين. وقد فشلت واشنطن في هذا الاختبار. وهو أمر مثير للسخرية، نظرا لأن الدولة نفسها تقدم نفسها دائما على أنها مدافع عن حقوق الإنسان.
ومن الواضح بشكل متزايد، أن هذه المأساة التي ما زالت مستشرية في الولايات المتحدة، كان يمكن تجنبها أو على الأقل التخفيف من حدتها، لو أن صانعي القرار في واشنطن كانوا من التواضع والمسؤولية بحيث يتلقون المشورة العلمية المهنية حول الوقاية من المرض والسيطرة عليه. لكن الغطرسة السياسية أعمت عملية صنع القرار.
وقد أعرب أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني الأمريكي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية، عن أسفه على جهود التخفيف المتأخرة، على قناة ((سي إن إن)) في أبريل، قائلا إنه لو كانت الحكومة الأمريكية "لديها عملية مستمرة" وبدأت عملية التخفيف مبكرا، كانت البلاد "ستستطيع حماية الأرواح".
وكشفت جداول زمنية مفصلة وضعتها صحيفتا ((نيويورك تايمز)) و((واشنطن بوست))، حول استجابة الولايات المتحدة في الأيام الأولى من تفشي المرض، استجابة البلاد الخرقاء للمرض.
وحتى اليوم، ما زالت حالات الإصابة والوفاة الناجمة عن المرض تزيد، ويرفض البيت الأبيض الاعتراف بأخطاء طرقه المأساوية.
وبدلا من هذا، فإن بعض السياسيين في واشنطن من الوقاحة بحيث يعلنون بصراحة أن أداء الولايات المتحدة "جيد جدا"، ويتفاخرون مرارا بأن الولايات المتحدة لديها "أقل" نسبة وفيات ناتجة عن المرض في العالم، على الرغم من أن برنامج قناة ((سي إن إن)) لفحص الحقائق أظهر أنه من بين الـ20 دولة الأكثر تضررا من هذا المرض المميت، هناك 14 دولة على الأقل، لديهم معدلات وفاة أقل من الولايات المتحدة.
كما حول السياسيون الأمريكيون اللوم عن عدم كفاءتهم وتلاعبهم ببيانات المرض، لإرباك الجمهور، وخطف الإمدادات الطبية الضرورية من الحلفاء، والخروج من منظمة الصحة العالمية بسبب اتهامات لا أساس لها، وإطلاق حملة تشويه ضد الصين.
وبينما تصدم الولايات المتحدة العالم بعدم قدرتها على احتواء المرض، تظهر الإدارة الأمريكية الحالية تخصصها في إشعال بعض المشاكل الاجتماعية الأمريكية طويلة الأمد، والتي أصبحت أكثر حدة بسبب المرض، ومن بينها قمع احتجاجات في أنحاء البلاد ضد وحشية الشرطة والتمييز العنصري.
لقد حقق أداء واشنطن السيء في أزمة تلو الأخرى، ميدالية جديدة من العار لسجلها في حقوق الإنسان، الذي هو ملطخ بالفعل في جزء كبير بمغامرات الولايات المتحدة العسكرية الوحشية خلال العقود الماضية.
وفي هذا اليوم الخاص المخصص للقضية الإنسانية في العالم، فإن الأمر يستحق تقييم ثلاثة اكتشافات رئيسية مستمدة من مأساة الولايات المتحدة العظمى الخاصة بكوفيد-19.
أولا، يجب أن تظل حياة وصحة الشعب في الأولوية. وفي هذه النقطة كان السياسيون النرجسيون والمتغطرسون في واشنطن يتحلون بدم بارد.
ثانيا، يجب احترام الحقائق والعلم. وموضوع اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام هو "أبطال الحياة الحقيقيون". وبينما يقوم مئات الألاف من الأطباء والممرضات والمتخصصون الطبيون الآخرون بإنقاذ الأرواح في الخط الأمامي، يتعين على أعضاء الحكومة أن يتحلوا بالشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات صعبة وترتكز على الحقائق لاحتواء المرض.
وأخيرا وليس آخرا، الاحترام والتعاون هما الطريقة الصحيحة للتقدم. ليست هناك دولة قادرة على تحقيق نصر نهائي في هذه الأزمة الصحية العالمية التي تأتي مرة في القرن. وهذا يعني أن الجميع بحاجة للتكاتف من أجل القضاء على هذا الفيروس شديد العدوى والماكر.