- د. فايز أبو شمالة
حين يقف الإسرائيليون عاجزين، وحين تحتار قيادتهم، وتتردد في اتخاذ القرار، وحين تلج الرؤية أمام السياسيين، تلجأ القيادة الإسرائيلية إلى حلول إبداعية، وخيارات استثنائية، كما حدث عام 2005، حين فاجأ شارون الجميع بقرار الانسحاب من غزة، بعد أن عجز عن حماية المستوطنين داخل حدودها!
اليوم تقف إسرائيل أمام غزة في حيرة من أمرها، فالقيادة السياسية والأمنية وقيادة الجيش مختلفون فيما بينهم بشأن غزة، ولكنهم متفقون على ضرورة التخلص منها، فلا هم منتصرون عليها، ولا هي منكسرة أمامهم، ولا هم قادرون على بقاء الحال على ما هو عليه، ولا هي قادرة على تغيير هذا الحال وفق مشيئة أهلها.
إسرائيل تقف عاجزة أمام غزة، فلا الحرب الواسعة مضمونة النتائج، ولا الحرب المحدودة ستمر بلا عواقب، ولن تكون إسرائيل آمنة مع بقاء الوضع على ما هو عليه من استنزاف، فإذا أضيف إلى ما سبق الوضع الحزبي المرتبك، والوضع الصحي، والوضع الاقتصادي الباحث عن فرصة، قد وجدها في دولة الإمارات التي يعيش معها حالة فرح وانسجام، وهو يرقب يوم الزفاف بهيام، وهذا كله سيفرض على قيادة الدولة أن تفكر جدياً بالخلاص من غزة بأقل الخسائر، إن لم تحقق لهم خطة التخلص من غزة الربح الوافر.
سأضع نفسي في موقع القيادة الإسرائيلية، وسأفكر بعقليتهم الحاقدة الشائكة، وسأمتطي صهوة الخيال، وأنا أرسم خرائط المستقبل السياسي لغزة وفق الرؤية الإسرائيلية، والتي تقوم على التخلص منها، والإلقاء بها في أتون الصراع وفق المشهد التالي:.
تصعيد المواجهة العسكرية مع غزة لفترة زمنية محدودة، بهدف تدمير ما يمكن تدميره من مقدرات المقاومة، ومقدرات الشعب، وبهدف قتل ما يمكن قتله من رجال المقاومة ومن الشعب، لينجم عن هذه الحرب المحدودة فاجعة لدى الناس، أو صدمة لهول الدمار والخراب.
وفجأة تعلن إسرائيل عن وقف لإطلاق النار، وعن التزامها بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، على غزة، وأنها ستنسحب منها كلياً، وسترفع الحصار البحري عنها، وستعيدها إلى الحكم المصري كما كان الوضع عليه قبل الاحتلال الإسرائيلي سنة 67
سيتلقف أهل غزة الخبر، وسيخرجون مع وقف إطلاق النار إلى الشوارع مهللين بالنصر، مرحبين برفع الحصار الإسرائيلي، والانسحاب إلى حدود 67، لتستثمر مصر ذلك الفرح بالتحرك من خلال الجامعة العربية بإصدار قرار يسمح لمصر بتحمل مسؤوليتها الوطنية تجاه أهالي قطاع غزة لفترة زمنية محدودة، مع توفير المساعدات المالية اللازمة لإعادة إعمار غزة، وبناء اقتصادها الوطني، وتوفير فرص العمل.
وستكون دولة الإمارات جاهزة لضخ مليارات الدولارات عن طريق محمد دحلان، الذي سيفتح مكاتب تيار الإصلاح في كل زقاق ومخيم في قطاع غزة، لاستقبال طلبات المتضررين من الحرب، وتبدأ المكاتب بتقديم المساعدات العينية، وبتقديم التعويض المالي لعوائل الشهداء، ولأصحاب البيوت المدمرة، وللعاطلين وغيرهم.
حاجة الناس في غزة ستدفعهم إلى التهافت على مكاتب التيار الإصلاحي، والمال سيوفر فرص عمل، وبدل بطالة، ومساعدة للخريجين، وستقام الأفراح بدلاً من الأتراح، وسيمنون بغزة بالانتقال من الدمار إلى العمار، ومن الحصار إلى انبلاج المسار.
أزعم أن هذا المخطط الإسرائيلي ليس بعيداً عن الواقع، ويتناغم مع الأحلام الإسرائيلية في نقل السيادة الأردنية بعد ذلك على بعض المدن في الضفة الغربية، ليصير التخلص نهائياً من القضية الفلسطينية وفق الأطماع الإسرائيلية.
ملحوظة: قبل عشرين عاماً، ناقش قادة الرأي العام والسياسيون في إسرائيل فكرة تخفيض المستوى المعيشي لسكان قطاع غزة عن المستوى المعيشي للإسرائيليين، وجعله قريباً من المستوى المعيشي للشعب المصري، وذلك كخطوة أولى على طريق ضم قطاع غزة إلى مصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت