شراكة أميركية – إسرائيلية إماراتية ضد فلسطين

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة
  • معتصم حمادة

عند مراجعة ما جرى في 13/8/2020 وصدور البيان الثلاثي الأميركي – الإسرائيلي – الإماراتي، لا يكفي أن نقف عند نص البيان وحده، لنقرأ حقيقة الخطوة، فرغم أهمية البيان، وما رسمه من سقف للعلاقة بين الطرفين، فإن للخطوة في حد ذاتها تداعيات عديدة، على الحالة الإقليمية، والفلسطينية، والأوضاع العربية بما في ذلك مصير «مبادرة السلام العربية» (بيروت 2020).

الإمارات .. أي موقع في المنطقة؟

لا شك أن البعض حاول، في سياق رده على البيان، أن يقزم من دولة الإمارات، عبر نعوت وتوصيفات سياسية تخفي مشاعر غيظ وغضب، لكنها لا تعكس الواقع السياسي لهذه الدولة الخليجية.

• الإمارات ليست دولة إقليمية، كما هي حال إيران، أوتركيا، أو إسرائيل.

لكنها مع ذلك تمارس أدوراً إقليمية، خارج حدودها، وتنزع، من خلال ذلك إلى تعزيز هذا الدور والمكانة، في الخليج، وفي المنطقة.

فلها دور إقليمي جيوسياسي في الأقاليم من خلال موقعها الجغرافي الإستراتيجي وإمساكها بمضيق هرمز، مدخل الخليج ومخرجه مع سلطنة عمان وجمهورية إيران الإسلامية. بحيث باتت تحتل أهمية استراتيجية في الحسابات الدولية، نظراً لتأثير الحركة في مضيق هرمز على حاجة العالم من الطاقة.

فضلاً عن ذلك تعتبر الإمارات فائقة الغني، فهي الدولة الأولى في العالم لمستوى القدرة الشرائية للفرد، غنية في النفط، تشكل دبي مركزاً مالياً عالمياً لا تنافسه فيه محطات أخرى. ما جعل من الإمارات الدولة الثانية في دول التعاون الخليجي بعد السعودية.

• في السياق نفسه تلعب الإمارات دوراً بارزاً في «التحالف العربي لدعم الشرعية» في اليمن إلى جانب العربية السعودية في مواجهة أنصار الله (الحوثيين) وتحالفاتهم الإقليمية. وهي مع ذلك، ورغم تحالفها مع العربية السعودية، تطمح إلى دور أكبر في اليمن، عبرت عن ذلك في افتراق علاقاتها عن الرياض في تسوية النزاعات اليمنية في جنوب البلاد.

• تلعب دوراً إقليمياً في الأزمة الليبية، من خلال دعم الجيش الوطني في الشرق في صراعه مع تحالف السراج – تركيا في الغرب.

• كما حاولت العودة إلى سوريا، لكن من بوابة الشرعية هذه المرة، في زيارة رسمية إلى دمشق، التقت فيها القيادة السورية، وتحدثت الصحف حينها عن دعم مالي سخي قدمته الإمارات إلى الخزينة السورية.

• دون أن ننسى، في الوقت نفسه دورها في النزاعات الخليجية ودورها في مواجهة دولة قطر، وفرض الحصار عليها، جنباً إلى جنب مع العربية السعودية والبحرين.

• أما على الصعيد الإقتصادي فهي دولة ناهضة، تشكل أرضاً خصبة تقيم عليها الشركات الدولية، منها على سبيل المثال حوالي 3000 شركة إيرانية، والعديد من الشركات الدولية الأخرى، وتبحث لنفسها عن دور متقدم في عالم الثورات العلمية، منها المشاركة في غزو الفضاء بالتعاون مع الولايات المتحدة. فضلاً عن نهضتها العمرانية المميزة، مستعينة بأبرز الخبرات الدولية، بما يوفره ذلك من قدرة على استقطاب رؤوس أموال واستثمارات تضاف لقوتها الإقتصادية، وتجعلها في الموقع المتقدم إقتصادياً ومالياً في دول الخليج متفوقة في ذلك على «الأخ الأكبر» في الرياض.

الشراكة.. مع إسرائيل

 لعل الإعلان عن اتفاق الشراكة في بيان 13/8/2020 لم يشكل مفاجأة كبرى للكثيرين، فقد اعتبره بعض المراقبين الخطوة الكبرى التي اختتمت فيها الإمارات سلسلة من الخطوات السابقة، للإنتقال إلى مربع الشراكة مع إسرائيل.

فقد سبق ذلك سلسلة من الخطوات عبرت فيها دولة الإمارات عن نواياها:

• مشاركتها في الورشة الإقتصادية لصفقة القرن في العاصمة البحرانية، المنامة، واعتبارها شريكاً في الخطة الإقتصادية للصفقة، كما أعلن عنها عرابها كوشنير.

• مشاركتها في جلسة 28/1/2020 للإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن في البيت الأبيض، تحت رعاية الرئيس ترامب، وحضور الثنائي نتنياهو وغانتس.

• استقبالها الوفود الإسرائيلية الرسمية، في أبو ظبي علانية، والدخول معا في اتفاقات تعاون في ميادين عدة.

• لقاءات خلف الستار، مع رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في زيارات سرية إلى أبو ظبي، كشف عنها نتنياهو بعد إعلان 13/8.

• حملات سياحية لالاف الإماراتيين إلى مناطق الـ 48، في انتهاك على المستوى الشعبي لمبادئ مقاطعة إسرائيل.

• تعاون علني مع الدوائر الصحية والعلمية في إسرائيل بذريعة مكافحة كورونا.

• اعتماد مطار اللد (مطار بن غوريون) محطة لإرسال المساعدات الطبية لمناطق السلطة الفلسطينية (رفضت السلطة تسلمها احتجاجاً).

ماذا في بيان 13/8 ؟

• بيان 13/8/2020 هو مسودة لمعاهدة سلام وشراكة بين الجانبين برعاية كاملة من الولايات المتحدة. سيترجم بسلسلة من اتفاقات التعاون الإستراتيجي في الإستثمار، والسياحة، والرحلات المباشرة بين البلدين، والأمن، والإتصالات، والتكنولوجيا، والطاقة، والرعاية الصحية والثقافية (!) والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة و«مجالات أخرى ذات المنفعة المتبادلة».

• يحمل البيان تأكيداً إسرائيلياً على العمل من أجل «توسيع العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي».

• تتعهد دولة الإمارات بالعمل مع إسرائيل والولايات المتحدة لإحداث «اختراقات» دبلوماسية إضافية مع الدول الاخرى «وستعمل معاً لتحقيق هذا الهدف».

• يعتبر البيان إعلاناً عن تحالف ثلاثي لإطلاق أجندة استراتيجية في الشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني إلى جانب الولايات المتحدة (..) في نظرة مماثلة بما يتعلق بالتهديدات والفرص في المنطقة.

• أما بما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد وردت في مطرحين:

1) الأول حين يقول «ستعلق اسرائيل إعلان السيادة على المناطق المحددة في رؤية الرئيس للسلام».

2) حين يقول «سيواصل الطرفان جهودهما في هذا الصدد للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني كما هو موضح في رؤية السلام» (رؤية ترامب)

أما على القدس فلا يتم يأتي البيان على ذكرها بل يتحدث البيان عن بقاء الأماكن المقدسة في المدينة «مفتوحة للمصلين المسالمين من جميع الأديان».

ما يعني التمييز بين المسالم وغير المسالم (!) وتأكيد الشراكة في الصلاة في الأقصى.

من كسب.. ومن خسر؟

1- لا شك أن إدارة ترامب كانت في مقدمة من أحرز سلسلة مكاسب دفعة واحدة.

• فقد تقدم ترامب خطوة استراتيجية عل طريق تنفيذ «رؤيته» للسلام، على مسارها الإقليمي، حين نقل «التحالف الإقليمي» ضد إيران وخصوم الولايات المتحدة من مستواه النظري والمبدئي إلى مستواه العملي والمؤسساتي من خلال الشراكة الكاملة بين إسرائيل ودولة الإمارات.

ولا يفيد هنا القول إن الإمارات وقفت على سوية مصر والأردن في تطبيع العلاقة مع إسرائيل. هي في هذه الخطوة تجاوزت حدود العلاقة مع إسرائيل، وترجمت رؤية أميركية خالصة، وقد تلتقي القاهرة وعمان مع بعض عناصرها، لكنها تختلف  معها في نقاط عديدة.

• حقق ترامب مكسباً محلياً ضد خصومه، في الكونغرس، وفي الحزب الديمقراطي وعشية الإنتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم أكد صوابية سياسته في الشرق الأوسط وصوابية رؤيته للسلام، كما وردت في شقيها الإقتصادي والسياسي. فهذه دولة من أغنى دول المنطقة باتت شريكاً في «الرؤية»، وتعهدت بتوسيع الشراكة العربية الرسمية فيها.

• حقق ترامب مكسباً آخر، حين نجح في السيطرة، من خلال إسرائيل، على الدولة العربية الأكثر قرباً (جغرافياً) من إيران، والمطلة على مضيق هرمز، وبالتالي جعل من الإمارات الحدود الأميركية – الإسرائيلية الجديدة مع إيران، في إنقلاب سياسي كبير في المنطقة، له تداعياته اللاحقة.

2- أما إسرائيل فقد حققت، وفقاً لما هو مرئي حتى الآن. ما يلي:

• حققت اختراقاً استراتيجياً في تجاوز (أو تهديم) جدار مقاومة التطبيع، وأقامت علاقة مع دولة تمسك بأهم ممر مائي في العالم بما يتعلق بالطاقة، ومع دولة تقع في قلب الخليج الذي كان مغلقاً أمامها في زمن رؤساء أميركيين سابقين.

• فتحت لنفسها آفاقاً اقتصادية وتنموية عملاقة، لإستثمار الأموال الإماراتية في المجالات التي وردت في البيان الثلاثي، ما يعني إزدهاراً إضافياً ونمواً إضافياً في الإقتصاد الإسرائيلي وفرصاً عديدة للتغلغل الإسرائيلي في الإمارات، وعبرها إلى الخليج.

• أعطت الضوء الأخضر لعدد من الدول العربية لتعلن عن حقيقة نواياها للتقدم إلى الأمام في علاقات رسمية وشراكات سياسية مع إسرائيل.

• حقق نتنياهو لنفسه، ولحزبه، مكسباً سياسياً محلياً، يعزز موقعه السياسي، إن على رأس الليكود، أو في مواجهة التنافس مع شريكه – خصمه غانتس أو مع المعارضة الإسرائيلية. وقد بدأ يتبجح كثيراً في أهمية ما حققه مع الإمارات.

• وجه ضربة إلى الجانب الفلسطيني، حين نجح في تعزيز رؤية ترامب عربياً من خلال دولة خليجية، وفتح الباب للتدافع العربي نحو تل أبيب، والإبتعاد عن رام الله.

3- أما الإمارات فقد:

• ربحت موقعاً متميزاً في الحسابات الأميركية، إحدى «تباشيرها» أنها أصبحت «الزبون العربي الأكثر تفضيلاً»، ومنحها صفقة طائرات «أف 35»، وحتى ولم تكن بحاجة إليها.

• ربحت «حليفاً» قوياً تستند إليه في تحركاتها الإقليمية، خاصة في التمايز، والتقدم على شريكها في التحالف المحلي، العربية السعودية، وبات بإمكانها أن تتطلع نحو تركيا بمزيد من الثقة باعتبارها طرفاً في تحالف وشراكة مع «صديق – خصم» لتركيا اسمه اسرائيل.

• احتلت موقع «الريادة» الخليجية في الإنخراط الإقليمي في صفقة ترامب ما يعزز موقعها في موازين القوى في الإطار التحالفي الخليجي.

 

الخسائر الفلسطينية

مما لا شك فيه أن القضية الوطنية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر في هذه الشراكة، لأنها تمت على حسابها وعلى حساب الحقوق الوطنية لشعبها، ولأنها اصطادت طرفاً عربياً وازناً، حسم أمره في اعتماد صفقة ترامب السبيل إلى ما يسمى «السلام».

كما اكتشفت السلطة الفلسطينية أن قرارات جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، إنما تقوم على الأوهام، فلا المنظومة العربية ولا المنظومة الإسلامية قاطعت الدول التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقلت سفارتها إليها، ولا هي قاطعت إسرائيل إن في ظل معاهدة سلام معقودة أو في ظل علاقات «غير رسمية». ولم تجد المنظومتان في الخطوة الإماراتية ما يستحق التشاور، أو حتى «تطييب خاطر» الجانب الفلسطيني الرسمي.

ولعل هذا من شأنه أن يشكل درساً بليغاً للحالة الفلسطينية يدفعها لإعادة النظر بالعديد من المعايير والمقاييس والرهانات.كالرهان على دور ما للرباعية الدولية، أو الرهان على دور ما لمبادرة السلام  العربية، التي نجح نتنياهو في أحداث انقلاب في آليات تطبيقها، بحيث بات التطبيع والشراكة أولاً، دون انسحاب من الأرض العربية المحتلة. وحول مبدأ «الأرض مقابل السلام». إلى مبدأ «السلام مقابل السلام». مقابل السلام مع الدول العربية، أما مع الفلسطينيين فصار «السلام مع العرب مقابل الحرب على الفلسطينيين».

 مقابل هذه الخسائر في النظام الرسمي العربي، ربحت القضية الفلسطينية مرة أخرى رهانها على الشعوب العربية التي أفصحت عن موقعها الوطني رغم ما تتعرض له من حصار وقمع على يد الأنظمة الرسمية.

هذه هي ذخيرة الفلسطينيين من الحالة العربية، وهذا ما يتوجب رعايته، واعتبار العلاقة مع الشارع العربي هي الأولوية، ما يستدعي إعادة النظر بالكثير من المفاهيم وآليات العمل.

أخيراً وليس آخراً:

هل يعلق نتنياهو حقاً خطة الضم، كما ورد في البيان الثلاثي؟

قبل أن يجف حبر البيان، أعلن نتنياهو أن مشروعه للضم ما زال قائماً. وأنه لن يلغى، وسيبقى على طاولة البحث، ليتحدد موعد تطبيقه.

من المحتمل أن «يؤجل» نتنياهو الضم بإعلان «السيادة» على الأراضي الفلسطينية، لكن من المؤكد أن الضم الزاحف، في خطواته اليومية، لن يتوقف أبداً، بل سوف يتواصل هنا وهناك، في ضربات قد تبدو عشوائية، لكنها في حقيقة الأمر، جزء من خطة متكاملة يجري تطبيقها على دفعات. وهكذا يجمع نتنياهو بين سياسة «إرضاء» الولايات المتحدة، و«إرضاء» الليكود وقواعده الإنتخابية في مجالس المستوطنات.

دون أن يساور العقل السياسي الفلسطيني أدنى شك أن نتنياهو لن يكون أكثر إنضباطاً من سلفه، اسحق رابين، بل سوف يسير على خطاه في القول إن إسرائيل لا تطبق الإتفاقات حرفياً، بل هي تعتمد تطبيقها معياراً واحداً: أمنها ومصالحها. وحيث يتعارض الأمن  والمصالح مع النص المكتوب، تلجأ إسرائيل إلى تعديل الإتفاق، في الميدان وليس في النص، حتى لا تدخل في نقاش مع «الشريك».

هذا ما حصل في أوسلو، حين ألغى رابين فترة الأشهر الثلاثة للشروع في تطبيق إتفاق أوسلو ورفع شعار «لا مواعيد ولا نصوص مقدسة. المقدس هو أمن إسرائيل».

وهذا ما تقوم به إسرائيل بكل أطيافها، وهي مازالت تعطل مفاوضات الحل الدائم منذ أيار 1996 حتى الآن.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت