- عبدالحميد الهمشري
يمكنني وصف الحال العربي بأنه يعيش وسط عواصف من التناقضات تقوده نحو المصير المجهول ، وأنه في سبيل الخلاص لا بد من توافر عوامل تقوده نحو الصلاح والفلاح وبناء قدراته التي تمكنه من امتلاك قراره بنفسه والتخلص من المعيقات التي تستهدف مصيره والنيل من حريته واستقلاله وسيادته على ثرى وطنه .. فسوريا والعراق ، قطران عربيان يمثلان وحدة بلاد الشام ووحدة بلاد ما بين النهرين " الرافدين " ، متضادان في توجهاتهما منذ ستينيات القرن الماضي ، يقطران دماً ، عصفت بهما ريح الفوضى والاحتلال والانقسام الطائفي والفساد ، والمشهد فيهما تعبث به ريح السموم والأحقاد ، تقودها أطماع محلية وإقليمية ، ولعبة أمم تنهج منهجاً تدجينياً يصب في صالح العابثين من تلك الأمم ، والتي خطواتها تعتمد سياسات تفريقية تسهم في النيل من وحدة الصف فيهما ووجود كل منهما كدولة ذات تأثير في المجالين الإقليمي والدولي لصالح أعداء الأمة من فرس وأتراك ويهود وأمريكان وروس وحلفائهما وأدواتهما من الذيول ، وخلفهما لبنان الذي تعصف به رياح الفتنة وتبديد الوفاق والاتفاق للنيل من تركيبته البنيوية بمشاحنات لا طائل من ورائها سوى فقدان التوازن في العلاقات بين طوائفها المختلفة بإسهامات إقليمية ودولية تصب النار على الزيت لتزيد الأوضاع فيه اشتعالاً فتتهدده في تعطيل مؤسساته عن القيام بدورها كدولة فأفقدته بوصلته خاصة بعد استهداف مرفأه الحيوي مما شل توازنه السياسي والاقتصادي وتركه عرضة لتدخلات العابثين من إقليميين ودوليين وربما هدف ذلك لدفعه للارتماء في أحضان من يعبثون به وفي غيره من الأقطار العربية .
ليبيا بوصلتها تتجه نحو مزيد من الخراب والدمار والتناحر بتدخلات إقليمية موجهة دولياً تدعم الفوضى الناشئة منذ انهيار الدولة الليبية بتدخلات الناتو التي دعمت الفوضى الخلاقة فيه وفق الاستراتيجية الأمريكية والتي أحداها قد تقود لحرب ضروس تنال من الدول المشاركة فيها .
تونس والجزائر محاولات غربية للنيل من استقرارهما وأداء دورهما في حفظ الأمن والأمان في المغرب العربي الكبير الذي يمثل في حال توافق مكوناته السياسية قوة إقليمية رادعة لكل من يحاول النيل من دوله الممتدة من سواحله على المحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق غرباً حتى الحدود المصرية والمقابلة شمالاً لسواحل دول أوروبية فاعلة وطامعة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وللعمق الإفريقي جنوباً والعمق المصري والسوداني شرقاً . واليمن الذي جرى تدميره بحرب مستعرة منذ ما يزيد عن التسع سنوات ، أكلت الأخضر واليابس فيه ، لا طائل من ورائها سوى خدمة أعداء الأمة التي تسعى للنيل من كل قطر عربي ، ما يجري في اليمن استهدف وحدته أولاً والنيل من توجهه النهضوي ببناء يمن سعيد يعود خيره على شعبه وأمته ثانياً خدمة لأهداف استعمارية وطامعة في خير اليمن وموقعه الاستراتيجي الذي يتحكم في مضيق باب المندب وبحر العرب النافذ للمحيط الهندي.
وفلسطين التي تئن من تجاوزات الاحتلال الصهيوني بدعم مطلق من البيت الأبيض الذي يؤازره في سبيل تصفية الوجود الفلسطيني وقضيته العادلة بدعم الكيان الصهيوني الغاصب عسكرياً وتجفيف منابع دعم صمود شعبها لوجستياً وسياسياً واقتصادياً بإقامة علاقات مع هذا العدو تسهم في بناء قدراته ومد جذوره في مختلف أرجاء الأرض العربية التي تتهددها اختلالات واحتلالات فرضتها من تُسَيِّر الشأن السياسي والاقتصادي في كل الأرض العربية .
العراق المغيب دوره الوطني والقومي ، الإقليمي والدولي ، منذ الهجمة الأنجلو أمريكية عليه والتي أتت على كل شيء فيه ، عطلت صروحه العلمية والطبية ومؤسسات مجتمعه المدني عن أداء دورها الذي رسمته له قيادته الوطنية ، وتدمير بناها التحتية وتشريد وسفك دماء وإعاقات بالملايين وزج عشرات الآلاف في باستيلات سلمت من الأمريكان لشركاء المحاصصة الطائفية بإشراف وإدارة إيرانية ، فحل جيشه الذي كان الحصن الحصين المثبت والمحافظ على مكتسباته الوطنية والدرع الحامي للأمة من الخطرين الصهيوني والفارسي وممن يغردون خارج السرب الوطني والفومي ، ومن العبث الأنجلو أمريكي الذي مكن من يتدثرون بعباءة الأمريكان والفرس والصهاينة ، فكانوا معول الهدم لوطنهم ونهب ثرواته وتحطيم بناه التحتية وقواه العسكرية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية والعودة به إلى ما كان عليه في عهد الغزو التتري . وسوريا المبعثرة أوراقها وجهودها لفتنة قادت لتشريد الملايين من شعبها وتمزيق لحمة مكوناته وتحويلها لقطاعات مبعثرة السيادة عليها .
ولبنان الذي تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين مختلف أطرافه التي يحتضن كل منها قوى دولية أو إقليمية تحرص على مصالحها على حساب الوطن الذي لطالما احتضن الجميع وغذى التعايش السلمي بين مختلف طوائفه وأطيافه . وليبيا التي احتدم الصراع فيها بعد أن تم اجتياحها من قبل تنظيمات متطرفة بدعم من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وانقسامها إلى طرابلس وبنغازي ، تتهددها الآن صراعات إقليمية طرفاها تركي وعربي وربما عبري كذلك ، كل منها يدفع باتجاه حسم الأمور لمن يسير في فلكه ، ولا يعلم لغاية الآن لمصلحة من ستحسم الأمور أم ستبقى معلقة ليحلو لواشنطن وتل أبيب السباحة فيها ببحر من الأمان وتنفس الصعداء حيث من المتوقع تدجينها لصالح الزمن العبري .
ومصر والسودان ، تداهمهما أخطار من جهة أثيوبيا التي تسعى للتحكم بمياه النيل بما يخدم مصالحها دون المصالح السودانية المصرية ، مدعومة بموقفها المتشدد هذا من الدولة العبرية ، وأخرى من سيناء لمجابهة القاعدة إلى جانب الأخطار المترتبة عن الملف الليبي ، ودارفور لمجابهة انسلاخها وغيرها من أقاليم السودان عن الأراضي السودانية .. ومحاولة الالتفاف على التوافق الذي جرى والذي يحاول جهده نقل سلطة الحكم لإدارة مدنية بالانتخاب الديمقراطي. اليمن الذي مضى على تمزيقه بحرب عبثية منذ ما يربو عن التسع سنوات من صراع أفضى لتدمير ما تم بناؤه منذ تأسيس الجمهورية وبات يتهدد شعبها الجوع والجهل والمرض والفرقة المقيتة التي أفشلت دوره الريادي في نهضة البناء والإعمار للإنسان والبنى التحتية على حد سواء حيث عصفت رياح الخراب باليمن والتي تحتاج لحكمة ذوي الرأي والمشورة والسعي الصادق لإعادة لحمته وبناء قدراته لأن ذلك يصب في صالح الوطن والمواطنين اليمنيين والعرب أجمعين .
*** قواعد الاشتباك : اختلفت قواعد الاشتباك التي طالت دول المنطقة منها ما تمثل بالاحتلال العسكري المباشر ومنها ما تمثل بالنموذج الأفغاني ومنها من اعتمد النموذج الأفغاني المدعوم بالعون العسكري . النموذج الأول الذي اعتمد الاحتلال العسكري وجرى فيه تأليب وتحشيد ودعوة لغزو هذا البلد أو ذاك ، استخدمت فيها كل أساليب الخداع والدجل والتلويح بالثواب أو العقاب لتشجيع دول لإقراره والمشاركة فيه ، حصل مع العراق الذي جرى غزوه بمشاركة 60 دولة بجيش قواته الرئيسية من أمريكا وبريطانيا وإيران ، حيث احتل بداية أمريكياً وبعد اشتداد المقاومة العراقية وإلحاقها به خسائر فادحة لم تستطع أمريكا تحملها انسحبت من العراق وأبقت فيه قوات رمزية لكنها بمقابل هذا الانسحاب سلمت أمره لاحتلال إيراني بغيض تعاون مع داعش في اجتياح مناطق بشمال العراق وغربه للعبث فيها وتدميرها ، ودفع بأمريكا العودة من جديد تحت حجج محاربة التطرف الإرهابي الممثل بداعش في كل من العراق وسوريا ، إذن النموذج الذي استخدم في هدم الدولة العراقية كان بالاحتلال العسكري الأمريكي والإيراني وأسلوب النموذج الأفغاني بإشعال الأمور فيه طائفياً، ضمن نهج سياسة فرق تسد.
أما بالنسبة لسوريا فاستخدم فيها النموذجان الاحتلالي المجزأ أي كل جهة تتفرد بجزء من سوريا ستؤدي مستقبلاً على ضم أجزاء لتركيا أو إقامة دول طائفية تخدم الدول المشاركة والداعمة لهذا الفصيل أو ذاك ، وكذلك الأفغاني تشاركت فيه تركيا وأمريكا وإيران وذيولها والأكراد وتركيا في كل من العراق ولبنان وروسيا وداعش والنصرة وجيش سوريا الحر مضافاً لها قوات النظام ، فما يجري في سوريا مواجهة متعددة أطرافها بهدف تدميرها تدميراً شاملاً اقتصادياً ومجتمعياً وعسكرياً وعلى نار هادئة .
لبنان واستخدم فيها النموذج الأفغاني الذي طال مختلف مكوناته والصراع فيها قائم على أساس طائفي الكل فيها يدافع عن مكتسباته التي منحتها لهم فرنسا وفق دستور مكتوب يتناول هذا الشأن بكل تفاصيله تعبث بشؤونه إيران والعدو الصيوني وتداخلاات إقليمية أخرى.
اليمن النموذج الأفغاني صراع على السلطة جراء دعم إيران للحوثيين انفلتت الأمور فيها بعد احتلالها للعاصمة صنعاء ، تحركت إثرها الدول الخليجية في مواجهة التدخل الإيراني كما أن على الخط هناك حصل تعاون بين تنظيم القاعدة والحوثيين المدعومين من إيران على أرض اليمن. وليبيا النموذج الأفغاني وتدخل من سلاح جو الناتو ومستشاريه ودول الإقليم . أما مصر فالنموذج الأفغاني الذي يعتمد نشر الإرهاب والسودان دعم قوى انفصالية وإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار فيه وتقطيع أوصاله بانفصال ولاياته عن بعضها البعض.
** درب الخلاص : الخروج من المأزق والسبيل للخلاص يكون بتكاتف جهود تقودها القوى الخيرة في المنطقة العربية وجامعة الدول العربية التي لا بد من العودة إلى ميثاقها عند التأسيس وليس بعد التعديلات التي أجريت بعد عودتها إلى مقرها الأساس في القاهرة ودول إقليمية عربية مؤثرة تعمل لصلاح وصالح الوطن العربي ، تتعاون فيما بينها لتقريب وجهات النظر وتجفيف مواطن الخلاف والاختلاف ورفض التدخلات الأجنبية بالقول والعمل ورسم خارطة طريق تعيد الوفاق والاتفاق بين مختلف الأقطار العربية من جهة وبين قادتها وشعوبها من جهة ثانية لإعادة الثقة بين الجميع لا الاستقواء بالقوى الخارجية على بعضها البعض.
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت