بعد الإبعاد الفعلي، صحفي صيني يتحدث عن التبادلات الشعبية بين الصين والولايات المتحدة

الصين - الولايات المتحدة

في 20 مارس، وبصفتي أحد الصحفيين الصينيين الذين يغادرون الولايات المتحدة بموجب أمر الطرد الفعلي الصادر من واشنطن، وصلت إلى بكين على متن الرحلة CA982، بما يمثل نهاية غير رسمية لمهمة عملي التي دامت عامين وثلاثة أشهر. وتحت ضغط الموعد النهائي الذي حددته الحكومة الأمريكية لمغادرة البلاد، كان مغادرتي متسرعة بلا شك.

خلال فترة عملي، كنت مقيمة في واشنطن العاصمة، وهي مدينة سياسية ذات وتيرة مميزة، كما يقول الكثيرون، تحددها "الساعة السياسية". رغم ذلك، ولأنني أركز بشكل أساسي على إعداد تقارير صحفية حول الثقافة والعلوم الإنسانية، فقد رأيت بنفسي أن المدينة، ورغم وجود السياسة في جوهرها، لديها جانب أكثر حيوية وتنوعا ثقافيا مما يتم تصويره عادة في الأخبار.

لقد شهدت واشنطن العاصمة، إضافة لأماكن أخرى في الولايات المتحدة، تعاونا مكثفا بين الصين والولايات المتحدة.

على مدار العامين الماضيين، كان لي شرف إجراء مقابلات مع العديد من الأشخاص الذين ساهموا في دفع التبادلات الثقافية والشعبية بين البلدين. هؤلاء الأشخاص المحبوبون هم الذين تركوا أكبر الأثر في نفسي.

في سبتمبر 2018، ذهبت أنا وزملائي إلى مدينة آيوا في ولاية آيوا في الغرب الأوسط الأمريكي، لإجراء مقابلة مع نيه هوا لينغ، وهي كاتبة معروفة أمريكية من أصل صيني. وكانت واحدة من أكثر المقابلات التي لا تنسى لديّ.

في عام 1967، شاركت نيه في تأسيس برنامج الكتابة العالمي (IWP)، وهو مقر للكتاب والشعراء العالميين، مع زوجها الشاعر الأمريكي بول أنغل. وحتى الآن، تمت دعوة أكثر من 1400 كاتب من حوالي 150 دولة ومنطقة للمشاركة في البرنامج، للإسهام في الكتابة والتبادلات الثقافية على المدى القصير. واستقبل البرنامج حوالي 50 كاتبا صينيا، معظمهم من الأسماء المعروفة في الصين، وحتى مشهورة عالميا، مثل الحائز على جائزة نوبل في الأدب مو يان.

قالت نيه "لقد بدأنا هذا البرنامج بسبب رؤيتنا لدفع التبادل الأدبي بين الكتاب من جميع أنحاء العالم... وطالما أنه كاتب أحبه، سأدعوه".

بعد الإصلاح والانفتاح في الصين، أدرك الزوجان أهمية دعوة الكتاب الصينيين إلى الولايات المتحدة من خلال برنامجهم وتعزيز التبادلات الأدبية بين الصين والعالم الخارجي.

وخلال المقابلة، تذكرت نيه أنه "خلال عودتي الأولى إلى الصين، التقيت مع وانغ منغ وبنغ شين وآي تشنغ، كما كنت أتمنى. كنت سعيدة جدا لأنني علمت أن هذا يعني أن الصين بدأت في الانفتاح".

في السنوات الأخيرة، ونظرا لتقدمها في السن، أصبحت نيه أقل مشاركة في البرنامج، لكنها لا تزال تصر على اختيار المدعوين الصينيين للبرنامج شخصيا. وفي السنوات الأخيرة من حياتها، يبقى التزام نيه العميق بالبرنامج كما هو.

وخلال فترة إقامتنا في مدينة آيوا، كانت وانغ شياو لان، ابنة نيه، مشغولة بشغف في ترتيب جدول زيارتنا. لقد كرّست وانغ شياو لان، وهي معلمة رقص مشهورة، جهودها لتعزيز تبادلات الرقص بين الصين والولايات المتحدة لسنوات. لقد عمل هذا الثنائي- الأم والابنة- بلا كلل لتعزيز التواصل والتفاهم بين الشعبين، في مجالات تخصصهما.

في نهاية عام 2018، أجريت أنا وزملائي مقابلة مع ديفيد سكورتون، كان حينها رئيس معهد سميثسونيان، وهو أكبر متحف ومجمع تعليمي وبحثي في العالم.

يعود عمل هذا المعهد مع الصين إلى عام 1972 عندما هبط اثنان من الباندا العملاقة في حديقة حيوان سميثسونيان الوطنية في واشنطن العاصمة، بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين. ولكن حتى قبل ذلك، بدأ علماء من حديقة الحيوانات الوطنية بالمعهد ومتحفها الوطني للتاريخ الطبيعي في إجراء بحوث علمية في الصين.

الباندا العملاقة، وهي من أبرز سمات الشراكة بين سميثسونيان والصين، من أكثر الحيوانات المحبوبة واللطيفة في الولايات المتحدة.

قال سكورتون في المقابلة "إن الباندا نقطة ذات اهتمام عام كبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة"، و"لكن على وجه الخصوص في واشنطن... ففي كل مرة يحدث شيء ما، مثل الباندا حامل، أو الباندا تلد، فهو الخبر الأول في واشنطن".

وأشار إلى أنه "بالإضافة إلى الجانب السعيد المبهج في ذلك، فالباندا هي أيضا جسر بين ثقافاتنا".

في نوفمبر 2019، كان من المقرر أن يعود ذكر الباندا العملاق، بَي بَي، الذي ولد وترعرع بالولايات المتحدة، إلى الصين كجزء من الاتفاقية التعاونية الموقعة بين حديقة الحيوانات الوطنية الأمريكية والجمعية الصينية لحماية الحياة البرية. فسافر عشاق الباندا إلى واشنطن من جميع أنحاء البلاد لتوديعه.

وبالعودة إلى مسيرتي المهنية في الولايات المتحدة، تظل لقاءاتي مع الأمريكيين العاديين، حية في الذاكرة.

هؤلاء الأمريكيون العاديون ذوو النوايا الحسنة، يعتزون بالصداقة التي نشأت بين الجانبين على مدى عقود، ويستاؤون من "الورقة المعادية للصين" التي يلعبها بعض السياسيين الأمريكيين، والتي تعيق التبادلات الشعبية والثقافية بين البلدين. لقاءاتي مع هؤلاء الأمريكيين الودودين، تضيف لمسة دافئة لذكرياتي في بلادهم.

لن أنسى أبدا الأشخاص الذين قابلتهم في العديد من الأحداث الثقافية ذات الطابع الصيني، أو الأمريكيين الذين أظهروا حماسا حقيقيا للثقافة الصينية.

لن أنسى أبدا هووي ساوثورث، وهو عاشق طعام أمريكي مخلص، والذي كان مع صديقه غريق ماتسا يشقان طريقهما عبر الصين ويتلذذان بأطعمتها، لأكثر من عقدين. قام هذا الثنائي الحيوي أيضا بإعداد كتاب طبخ ترفيهي بعنوان "طعام الشارع الصيني"، لحكاية القصة الرائعة لرحلاتهما وتذوقهما للأطعمة في الصين.

لن أنسى أبدا عروض الطهي الحية التي قدمها الشيف الأمريكي الصيني الأصل، الشهير مارتن يان، في المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي، وروح اللطف والحماسة التي أظهرها خلال المقابلة الشخصية.

لقد كسب الشيف يان، قلوب الملايين من محبي الأطعمة من خلال إضفاء الإثارة على فن الطبخ والتدريس بمثل هذه المتعة والتسلية المفعمة بالحيوية. الكثيرون يُطلقون على الشيف يان، لقب سفير الأطعمة والثقافة الصينية، وقد كرّس جهوده للترويج لفنون الطهي الصينية في الولايات المتحدة لأكثر من 50 عاما.

أولئك الأشخاص العاديون الذين قابلتهم في أمريكا يشملون أيضا المصور مارك باراسكاندولا، الذي أمضى 5 سنوات في تصوير مواقع إنتاج الأفلام في أنحاء الصين. لقد نشر كتابا للصور بعنوان سينمائي "ذات مرة في شانغهاي"، وهو عبارة عن مجموعة من الصور التي التقطها لـ"قرى السينما" في الصين، والتي تقدم نظرة مثيرة للاهتمام على صناعة السينما المزدهرة في الصين، وتشهد على الصين الديناميكية والمتغيرة.

وهناك أيضا ليليان ويلينز، وهي سيدة يهودية رائعة وُلدت في شانغهاي، تشاطر تجربتها الفريدة كروسية يهودية عاشت في شانغهاي من عشرينات إلى خمسينات القرن الماضي، في مذكراتها المؤثرة "بلا جنسية في شانغهاي". ما زلت أتذكر بوضوح كيف وصفت دهشتها من التغيرات العظيمة التي حدثت في الصين في أول رحلة عادت فيها إلى شانغهاي بعد مغادرتها في عام 1951.

لقد جعلتني هذه اللقاءات أدرك بأن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة- وهي واحدة من أهم العلاقات الثنائية وأكثرها تعقيدا في العالم- قد تشهد تقلبات ومنعطفات، ولكن تبقى التبادلات الثقافية والشعبية بين البلدين، الأكثر أهمية.

وبصفتي مسجلا ومراقبا لهذه التبادلات الثنائية، آملة بصدق أن يستمر زخم التبادلات الثقافية بين الصين والولايات المتحدة، بما يتيح لي الفرصة لتسجيل مثل هذه الشخصيات والأحداث الثمينة مرة أخرى.

 
المصدر: - بكين - بقلم مراسلة ((شينخوا)) جين يويه لى